التواصل التركي الإماراتي.. لتكن البداية من سوريا

بعد نحو 5 سنوات من التباعد التركي الإماراتي وانعدام الحوار السياسي الدبلوماسي الحقيقي بين أنقرة وأبو ظبي حطت قبل أيام طائرة مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان في العاصمة التركية وقصد مباشرة القصر الرئاسي للقاء الرئيس رجب طيب أردوغان. في العلن هي زيارة بطابع اقتصادي استثماري تجاري لكن في الكواليس هو لقاء مختلف تماما لناحية التوقيت والملفات الإقليمية التي تهم البلدين، وبدأت نتائجها تنعكس سلبا على مصالحهما الثنائية والإقليمية نتيجة أكثر من تطور سياسي وأمني وعملية إعادة تموضع استراتيجي ينفذها العديد من العواصم في المنطقة.

القناعة التركية الإماراتية هي كما يبدو أن الجميع يتواصل ويتحاور للبحث عن سبل تهدئة وخفض مستوى التوتر وتجنب التصعيد أكثر من ذلك إذا لم تكن الأجواء تساعد على حل الخلافات وإزالة أسبابها. أنقرة بدأت منذ أشهر بمراجعة سياساتها العربية ولا يمكن أن تتقدم نحو نتائج حقيقية من دون إيجاد مخرج لتبريد أجواء الشحن المتواصل مع الإمارات. وأبو ظبي أيضا حاولت محاصرة القرار التركي وتضييق الخناق عليه في العديد من ساحات المواجهة لكنها لم تجن الأرباح الكثيرة. التأزم الإقليمي في أزمات بدأت تهدد مصالحهما في سوريا والخليج وشرق المتوسط وشمال أفريقيا ساهمت حتما في دفع طحنون للتوجه إلى أنقرة، لكن لعبة التوازنات في أفغانستان وسد النهضة وليبيا وتونس والواقعية التي لا بد منها أمام تقاطع مصالح الطرفين كان لها الدور الأول في هذه الانعطافة الاستراتيجية المهمة. من دون إغفال عامل تضارب المصالح وتعارضها بين حلفاء وشركاء البلدين حتى الأمس القريب والتي كان لها حصتها أيضا.

يقول أردوغان معقبا حول ما جرى بين تركيا والإمارات ندعم خطط الحوار المباشر بين الأطراف المؤثرة في المنطقة لتسوية مشكلاتها. كيف ستكون عملية تفسير وتقدير هذا الطرح في التعامل مع الملف السوري حجر العثرة الأكبر في العلاقات التركية الإماراتية.

توحدت أهداف تركيا والإمارات عام 2011 مع اندلاع الثورة في سوريا واستمرت لسنوات عبر دعم التغيير في الحكم والإصلاح السياسي والدفاع عن وحدة سوريا وسيادتها. لكن ارتدادات الربيع العربي في أكثر من مكان وتحديدا في مصر باعد بين البلدين حيث تراجع التنسيق التركي الإماراتي في الملف السوري.

الإمارات كانت بين العواصم العربية الأكثر تشددا حيال سياسة تركيا السورية في الأعوام الأخيرة وابتعدت عن مواقف وخطوات غربية عربية انفتاحية باتجاه التهدئة مع أنقرة هناك. كل طرف استخدم ما بيده من أوراق لإلحاق الضرر بمصالح الطرف الآخر في سوريا التي كانت ممرا في ساحات المواجهة والاحتراب. التواصل الإماراتي مع دمشق كان بين أهدافه تسهيل عودة النظام إلى الجامعة العربية وتقوية جبهة المواجهة مع تركيا في سوريا. أنقرة بالمقابل لم تتردد بتحميل الإمارات مسؤولية دعم المشروع الكردي في سوريا وتسهيل تواصل قيادات قسد ومسد مع العالم الخارجي والوقوف إلى جانب واشنطن وباريس في هذه السياسات. حصيلة التوتر لخصها تصريحات ومواقف حول سوريا بين البلدين: هناك من ارتكب أعمالا ضارة في سوريا سيحاسب عليها. إلا أن العلاقات لا تدار بالتهديد والوعيد، والأنسب أن تتوقف تركيا عن تدخلها في الشأن العربي. لتكون النتيجة لصالح الإعلام المقرب من النظام في سوريا الذي تحدث “عن دور خفي لدولة الإمارات العربية المتحدة في المعارك الجارية في إدلب وريف حلب الغربي”.

سياسة المناكفة التركية الإمارتية في سوريا هي التي دفعت الإمارات حتما لتسريع الإعلان عن قرار التقارب الأوسع مع النظام عبر إعادة افتتاح سفارتها في دمشق عام 2018. خطوة أنعشت النظام وأحلامه بكسب المزيد من الشرعية وشعوره بالنشوة المالية. لكن التوازنات الإقليمية والدولية هي التي عرقلت الخطوة.

التباعد بين أنقرة وأبو ظبي تحول إلى اصطفاف في سوريا فانقلبت الخطط والمشاريع رأسا على عقب. “العمليات العسكرية التركية في سوريا عدوان خطير واعتداء صارخ على سيادة دولة عربية شقيقة”. وكان لكل طرف طريقه الذي لم يخدم مصالحهما حتما لكنه لم يخدم مصالح الشعب السوري الثائر والوعود المقدمة باتجاه دعم التغيير في سوريا.

هل سنرى الجديد بعد الآن إذا ما قررت القيادات التركية والإماراتية العودة للتنسيق في سوريا باتجاه المساهمة السريعة في إخراج البلاد من أزمتها؟ الإجابة هي في غاية البساطة طالما أن مصالح البلدين تضررت كثيرا هناك فلم لا يكون الملف السوري بين الأولويات التركية الإمارتية الذي يساهم في فتح أبواب المصالحة والتطبيع؟ لا يمكن لأنقرة وأبو ظبي تجاهل اصطفافات النظام ومع من ينسق في سوريا لحماية قصره ولا يمكن لهما أيضا تقديم أسباب تضارب المصالح والقراءات على معاناة السوريين منذ عقد.

حوار وتنسيق تركي إماراتي في سوريا قد يخيب آمال البعض خصوصا المراهن في دمشق على سياسة فرق تسد لكنه وهنا الأهم سيساهم من جديد بدعم المشروع السياسي الانتقالي في سوريا إذا ما نجحت أنقرة وأبو ظبي بتجيير أوراقهما الاستراتيجية لصالح دعم الحل هناك.

إذا كانت المتغيرات الإقليمية والدولية هي التي دفعت البلدين نحو مراجعة سياساتهما وقرار تحسين العلاقات فلا يمكن تجاهل الفرص التي سيوفرها تنسيقهما في سوريا باتجاه إنهاء الأزمة وأوجاع السوريين.

تعمق التباعد التركي الإماراتي في سوريا منذ 6 سنوات ليتحول إلى حالة استقطاب واصطفاف داخل سوريا وخارجها. في شهر تشرين الأول عام 2019 كان وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش يطالب تركيا وكل القوات الأجنبية “التي استباحت سوريا للخروج منها والدفع نحو إنجاح الحل السياسي.. الحد الأدنى للعمل العربي المشترك يفرض موقفا حازما لرد هذا الانتهاك السافر على بلد عربي والذي يعتبر أيضا اعتداء على الأمن القومي العربي”. التواصل التركي الإماراتي الآن فرصة لمساعدة السوريين على إنهاء مشكلاتهم.

تغريدة ولي العهد الإماراتي الشيخ محمد بن زايد القديمة “سوريا لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة” هي التي تحتاج إلى تفعيل الآن إذا ما قررت أنقرة وأبو ظبي مراجعة سياساتهما السورية حيث تتقلص فرص النظام في مواصلة الجلوس على مقعد السلطة واتساع رقعة عزلته الإقليمية والدولية.

المصدر syria.tv


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا