السوريون وعقدة “ستنغر”..ماذا لو؟

باتت صواريخ “الستينغر” للدفاع الجوي هي حديث وسائل الإعلام في إطار التغطية المواكبة للحرب الروسية على أوكرانيا، مع الإعلانات المتزايدة للدول الأوروبية عن تزويد أوكرانيا بدفعات من هذه الصواريخ ووعود بالمزيد.

“الستينغر” هو صاروخ دفاع جوي محمول على الكتف، يبلغ وزن رأسه الحربي ثلاث كيلوغرامات وسرعته تفوق سرعة الصوت. نال هذا النوع من الدفاع الجوي شهرته الواسعة أثناء الغزو السوفيتي لأفغانستان ومرحلة “الجهاد الأفغاني” المدعوم من الولايات المتحدة والسعودية ودول عديدة في ثمانينات القرن الماضي، حيث كبدت هذه الصواريخ القوات السوفيتية خسائر جوية فادحة قادت إلى هزيمتها في النهاية.

قد يبدو الاسم جديدًا للعديد من المتابعين، لكنه ليس كذلك بالنسبة للسوريين على الإطلاق، رغم أن خبرتهم معه لا تختلف عن غيرهم من المتابعين، فهم لم يستخدموه من قبل ولم يشاهدوه أبدًا، لكنهم طالبوا به لسنوات وناشدوا الحصول عليه مرارًا لتحييد طائرات النظام وهي تحمل لهم براميل الموت القادمة من السماء.

تعود ذاكرة السوريين مع “الستينغر” إلى العام 2013، عندما بات النظام ينتهج إلقاء البراميل المتفجرة من الطائرات المروحية في إطار قمع المدن المنتفضة وتدمير أي منطقة خارجة عن سيطرته، حينها ناشدت المعارضة إقامة مناطق حظر جوي فوق سوريا، لكن أحدًا لم يستجب لمناشداتها، ثم طالبت بتزويد مقاتليها بصواريخ “الستينغر” لتفرض منطقتها بنفسها، لكن أحدًا لم يستجب لهذه المطالب أيضا. ليواجه السوريون ومازالوا الجحيم الذي تلقيه عليهم طائرات النظام وحليفها الروسي منذ عقد من الزمن ولغاية اليوم، ولا يبدو أن هناك نهاية قريبة لذلك.

لكن، ماذا لو حصل السوريون على “الستينغر” كما يحصل عليه الأوكرانيون اليوم؟ هل كان فعلًا ليحدث تغييرًا على الأرض وفي السماء، أم أن لدى القوى التي حرمت السوريين من هذه الصواريخ أسبابها الحقيقية لذلك؟

كان ليغير ميزان القوى حتما، بل كان ليكسره ويسقط النظام في أسابيع معدودة، هذه ليست نبوءة ولا تحليلات غير واقعية، بل هي أقرب لإجماع لدى المحللين العسكريين الذي اتفقوا على أن النظام مجردًا من سيطرته على الجو أضعف من أي مواجهة على الأرض، ولا أدل على ذلك من تلك الأيام التي تخبط فيها النظام عندما قرر الجيش التركي إسقاط عدة طائرات مروحية في شمال غرب سوريا أثناء الاشتباك الذي شهدته المنطقة مطلع العام 2020.

أما لماذا حُرم السوريون من “الستينغر” فقد أُحيكت العديد من النظريات والتحليلات حول ذلك، تقاطعت جميعها في نقطتين رئيستين، الأولى تتمثل في حالة الفوضى والتشتت التي عانتها فصائل المعارضة والتي حولت الكثير منهم إلى تجار أسلحة لا يترددون في بيع أي سلاح لكسب الأموال، ولعل آخرَ ما كان الغرب يريد رؤيته هي صواريخ الدفاع الجوي في السوق السوداء لبيع الأسلحة في لبنان أو العراق وغيرهم لتهدد حركة الطيران العسكرية والمدنية على حد سواء، ومن السبب الأول انبثق الثاني حيث كانت سماء سوريا مستباحة من طيران العديد من الدول، وصاروخ دفاع جوي واحد على الأرض لن يهدد النظام فقط، بل كل طائرة تحلق في السماء، وبالتأكيد لم يكن أحد مستعد لتزويد أحد بصاروخ دفاع جوي بينما طائراته تحلق في سماء ذات الصاروخ.

هذا التعقيد الذي عاشه السوريون لم يدفع الغرب فقط إلى حرمانهم من “الستينغر”، بل لتجريدهم من أي وسائل دفاع جوي استولت عليها الفصائل من كتائب النظام العسكرية، كما حصل في صواريخ “الكوبرا” التي استولت عليها فصائل الجنوب السوري، وانتهى بها المطاف لدى المخابرات الأردنية التي اشترطت تسليمها مقابل استمرار الدعم الآخر.

الأسباب التي حرمت السوريين من الدفاع الجوي، غابت جميعها في أوكرانيا، فحضر “الستينغر” هناك وغاب هنا، ولكن المشترك بينهما، جحيم النيران الروسية القادمة من السماء، التي لن تفرق في جريمتها بين أطفال إدلب وأطفال خاركيف. وحده العالم ومعاييره المزدوجة هي من تميز.

المصدر السورية.نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا