الصمت التركي يربك المعارضة والنظام

يبدو الصمت التركي مربكاً للكثير من السوريين مؤخراً، خاصة أنه يتعلق بقضايا على غاية من الأهمية بالنسبة لمستقبل القضية السورية بشكل عام والمعارضة بشكل خاص.

من خلال اطلاعنا على تفاعلات أوساط المعارضة والثورة، فيمكننا التأكيد بسهولة على وجود هذا الإرباك بالفعل، ومن خلال متابعتنا لتعاطي إعلام النظام والمقربين منه مع هذا الموقف التركي (الصامت) يمكننا استخلاص أن هناك ارباكاً لدى النظام أيضاً، الأمر الذي يفتح باب التكهنات واسعاً حول ما تفكر به تركيا حالياً وماذا تريد.

فيما يتعلق بالمعارضة، فإن القضية الأكثر إثارة للجدل منذ أسبوعين على الأقل هي قرار الائتلاف الوطني تشكيل هيئة الانتخابات، وما أحدثه ذلك من ضجة كبيرة وردود فعل واسعة، ورغم عدم التصريح بأي موقف، إلا أن الجميع كان وما يزال ينتظر ما تقوله تركيا بهذا الخصوص.

على الإعلام لم تبد أنقرة أي تعليق على خطوة الائتلاف الأخيرة، وبالتالي لم يتمكن الجمهور من فهم توجهات الحكومة التركية حولها، وفي الأروقة الخاصة لم نحصل على أي معلومات تفيد بأن تركيا أبلغت أياً من تيارات أو شخصيات المعارضة بموقف واضح من تشكيل هيئة الانتخابات، وأكثر ما أمكن الحصول عليه بهذا الصدد هو تقديرات شخصية، بعضها يقول بأن أنقرة ضد هذا القرار وغاضبة جداً بسببه، وبعضها يرى أن خطوة الائتلاف لم تكن لتتم لولا رضا الأتراك، أما رسمياً فلا شيء مؤكد حتى الآن.

هذا الغموض في الموقف التركي تسبب بتردد بعض قوى المعارضة بالتعبير عن موقفها من القرار، ولعل المثال الأبرز على ذلك هو جماعة الإخوان المسلمين التي تأخر صدور موقف واضح منها تجاهه أكثر من عشرة أيام، حيث أصدرت الجماعة بياناً مساء الأحد الماضي عبرت فيه عن رفض خطوة الائتلاف تشكيل هيئة التفاوض، الأمر الذي اعتبره الكثيرون مؤشراً على عدم موافقة تركيا عليها.

والواقع أنه لا يمكننا التقليل من أهمية التناغم في الموقف بين الجانب التركي والإخوان في سوريا، لكن هذا لا يعني الجزم بأن تركيا لم تكن على دراية مسبقة بقرار تشكيل هيئة الانتخابات، بل ما يبدو أقرب للمنطق هو عدم معارضة أنقرة للقرار بداية، لكن أمام الرفض الشعبي والسياسي العام له جعلها – ربما – توعز للمقربين من حلفائها في المعارضة السورية بتسجيل موقف معارض له، بدليل تأخر الإخوان عشرة أيام قبل الإعلان عن موقفهم.

أيضاً يمكن القول إن صمت تركيا المطبق حيال استئناف أعمال اللجنة الدستورية يوم الأحد الماضي، بعد أن كانت من أكثر المشجعين على هذا المسار، قد أربك المعارضة والنظام بشكل عام، ومن خلال مناقشة عدد من أعضاء وفد المعارضة الذاهبين إلى جنيف، ظهر واضحاً عدم وجود تنسيق مع الجانب التركي حول هذا الملف مؤخراً، الأمر الذي لا بد أن النظام وروسيا يعلمان به ويشكل لهما إرباكاً من نوع ما.

فدمشق وموسكو تدركان جيداً أن المعارضة وحليفتها تركيا على وعي كامل بهدف النظام من المشاركة في مسار اللجنة الدستورية، وهو كسب الوقت والمماطلة من أجل خلق أو تحقق ظروف ووقائع جديدة تسمح بالإجهاز على قرارات مجلس الأمن المتعلقة  بالقضية السورية، والتي تنص على مرحلة انتقالية وهيئة حكم مشتركية تحققان التغيير السياسي المنشود في البلاد، وروسيا استفادت جيداً من ضغط تركيا على المعارضة للقبول بدخول هذا المسار بسبب تشابك ملفات أخرى بينها وبين أنقرة، لكنها تدرك أيضاً، أي روسيا، أن توقف الأتراك عن تشجيع المعارضة بالاستمرار في هذه المسرحية، التي لن تؤدي إلى شيء، يمثل خطراً كبيراً على المشروع الروسي للحل في سوريا.

لكن ما هو سبب هذا الصمت التركي الآن ؟

لا يوجد سوى تفسير واحد يبدو مطروحاً لمقاربة الموقف التركي الغامض تجاه الملف السوري مؤخراً، وهو انتظار تسلم الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن مهامه، وقبل ذلك الانشغال بالمتابعة الحثيثة لأسماء فريق إدارته الذين يجري اختيارهم الآن، حيث تبني الكثير من الدول مواقفها وتضع تصوراتها بناء على استشراف سياسة الإدارات الأميركية، بدليل الانفراجة الأخيرة في العلاقات بين أنقرة والرياض، وإعلان السعودية استعدادها للحوار مع قطر، وهي متغيرات لم تكن لتتحقق لولا تغير سكان البيت الأبيض بالتأكيد.


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا