بقعة ضوء في نهاية نفق كورونا

ثمة شعور عام في أجزاء مختلفة من العالم بأننا قد تجاوزنا بالفعل ذروة وباء كورونا، وأن المنحنى آخذ في النزول. تدعم هذا الشعور إحصاءات وأرقام عدد الوفيات وأعداد الذين يدخلون إلى المستشفيات وكذلك الحالات الجديدة المكتشفة.

ذروة الجائحة

لا يعني ذلك بأن الأوضاع سوف تعود سريعا إلى طبيعتها في أي مكان من العالم، كما كانت قبل الوباء، فلا يزال هناك وقت للتأكد من أن هذه الأرقام سوف تحافظ بالفعل على طبيعتها النزولية، وأن الناس يواصلون الالتزام بالإجراءات الصحية والوقائية، وأن الأطباء والمختصين يقولون كلمتهم في هذا الجانب. لكن يمكن القول بأن الأسابيع والأشهر القليلة القادمة سوف تحمل معها انفراجا في الأزمة.

طبعا في بعض البلدان وفي بعض الولايات هنا في أميركا، قد يستمر الارتفاع في عدد الوفيات وكذلك الإصابات، ولكن المهم، حتى في مثل هذه الحالات، هو حجم معدل الارتفاع والذي يصاحب عادة انتشار الأوبئة. فكلما كان معدل الزيادة بسيطا أو طبيعيا وفي قدرة المنظومات الطبية على التعامل معه واستيعابه، كلما كان يعني أننا خرجنا من دائرة الوباء أو الجائحة، وأصبحنا نتحدث عن معدل طبيعي للإصابة، شأنه شأن الأمراض الأخرى التي تقتل هي أيضا أعدادا كبيرة من السكان كل يوم.

بين الصحة والاقتصاد

أقول إنه رغم ذلك فليس هناك من يتوقع عودة سريعة للأوضاع العامة، كما كانت قبل الوباء. وفي الوقت الحالي تكافح عدة بلدان، ومن بينها الولايات المتحدة، لوضع السكان على طريق العودة التدريجية للأنشطة الاقتصادية والخدمية وإن على نطاق محدود. فالمخاوف لا تزال ماثلة من أن التسرع في فتح الاقتصاد أو إرسال رسالة خاطئة للناس بأنه يمكنهم العودة لمزاولة أنشطتهم المعتادة، قد ينجم عنه موجات إصابة جديدة بكورونا، وبما يمثل انتكاسة لإجراءات السيطرة على الوباء التي طبقت بنجاح في العديد من دول العالم.

لكن من الجهة الأخرى، بوسع المرء أن يتفهم أيضا المخاوف والتحذيرات من جانب الحكومات وقطاع الأعمال بصورة خاصة، من أن الاستسلام التام لوباء كورونا والتقاعس عن اتخاذ إجراءات تعكس التكيف الاقتصادي والتجاري في كل منطقة على حدة، وبما يشجع على عودة الحياة الطبيعية تدريجيا، سوف تكون لها انعكاسات اقتصادية واجتماعية مدمرة.

فشل نبوءات

والواقع أن هذه الانعكاسات والنتائج المدمرة، ليست ضرورية وليست حتمية. وقد أثبتت الإجراءات الاقتصادية والصحية التي اتخذتها العديد من الدول خلال الأسابيع والأشهر الماضية، لمواجهة الآثار الجانبية للوباء، بما في ذلك إجراءات الحجر الصحي، أنه بالإمكان استيعاب الصدمة واحتواء نتائجها مع الوقت. ثمة خسائر بالطبع لحقت باقتصاديات مختلف الدول، بما في ذلك الانخفاض الهائل لأسعار النفط وتدمير صناعة السفر والسياحة والعديد من قطاعات الخدمات، وتأثر القطاعات الأخرى، لكنها لن تقضي على تلك الاقتصاديات.

لقد غير وباء كورونا أشياء كثيرة في العالم، لعل من بينها الأنماط الجديدة لممارسة الأعمال، عن بعد، وهو ما يبدو أنه سوف يسود في المستقبل، وكذلك خلق ثقافة التباعد الاجتماعي بين الناس، وأظهر هشاشة بعض الاعتقادات والثقافات القديمة.

لكنه لم يحقق مع ذلك نبوءة الكثيرين، فهو لم يطح بالأنظمة ولم ينشر الفوضى ولم يدمر الاقتصاد العالمي. والأهم هو حجم الدروس التي سوف يستخلصها الجميع من هذه التجربة بعد نهايتها.

عالم واحد

لعل أهم هذه الدروس هو أن مصير العالم يبدو مترابطا بصورة يتعذر معها أي محاولة للفصل بين مصير منطقة وأخرى. ففي الأزمات الكبرى، بما في ذلك الركود الاقتصادي والأوبئة والكوارث الطبيعية من الصعب حصر التأثيرات في منطقة بعينها، أو الاعتقاد بأن دولة واحدة قادرة على التصدي له، ولذلك فإن الرد على هذا النوع من الأزمات، يتطلب دائما جهدا عالميا، وتفاهما أكبر بين الدول.

أما الدرس الآخر، فهو أن الخيرين وإرادة الخير في العالم كبيرة، رغم انتشار المظالم وارتفاع حدة أصوات مؤججي الحروب ودعاة الانعزال والشعبوية.

لعل أحد أبرز الأمثلة على ذلك هو الاستجابة الكبيرة والرمزية لعشرات الفنانين، من مغنين وموسيقيين، من مختلف الدول الذين أحيوا يوم الأحد الماضي حفلا موسيقيا من منازلهم لدعم العاملين الصحيين حول العالم في مكافحة كورونا.

والحفل، الذي شارك فيه مشاهير البرامج الكوميدية الأميركية والسيّدتان لورا بوش وميشيل أوباما، لم يكن من تنظيم دولة أو حكومة، وإنما دعت له منظمة “المواطن العالمي” ومنظمة الصحة العالمية تحت عنوان ‏‏”عالم واحد، معا في المنزل”، وقد بث مباشرة على التلفزيون والإنترنت.

المصدر الحُرة


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا