دولٌ عربيةٌ في الطريقِ إلى دمشق

سعت دول عربية في الأسابيع الماضية الى تكثيف اتصالاتها الدبلوماسية والاستخباراتية مع نظام بشار الأسد في دمشق بهدف إعادة سوريا الى جامعة الدول العربية بعد عقد من طردها بسبب قمعها الدموي للانتفاضة الشعبية في أشهرها السلمية الأولى. إعادة سوريا الى الجامعة هو مقدمة لتطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية معها، وإعادة الاعتبار لنظام الأسد، في غياب حل للنزاع، أو بالأحرى للنزاعات الدموية في سوريا. وهذا يعني عملياً التسليم بما يدعيه مؤيدو هذا النهج بحتمية انتصار نظام الأسد في مواجهاته الدموية مع القوى السياسية والعسكرية التي تسعى منذ 10 سنوات الى التخلص من نظام لم يتردد في استخدام كل الأسلحة الموجودة في ترسانته ضد المدنيين بما في ذلك الأسلحة الكيماوية.

حتى الآن لم يصدر عن الولايات المتحدة أو إسرائيل، أي مواقف معارضة لهذه الجهود التي تؤيدها روسيا بقوة، لإعادة سوريا الى الحظيرة العربية. الولايات المتحدة وإسرائيل معنيتان مباشرة بالنزاع السوري، حيث تقوم الطائرات الإسرائيلية دورياً بقصف مواقع القوى الإيرانية والميليشيات الشيعية المنتشرة في سوريا لدعم النظام، كما لا يزال للولايات المتحدة حوالى 800 عنصر عسكري في شمال شرقي سوريا.

وفي شهر آذار (مارس) الماضي، ازدادت وتيرة هذه الجهود لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد، بعد زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وقطر، حين شجع هذه الدول على تطوير علاقاتها مع دمشق. وفي تطور لافت زار الفريق خالد الحميدان رئيس الاستخبارات العامة السعودية دمشق يوم الاثنين الماضي والتقى بنائب الرئيس السوري للشؤون الأمنية اللواء علي المملوك الذي وصفته صحيفة “الغارديان” بمهندس سحق الثورة السورية ضد الأسد، وضابط الاتصال الرئيسي بالقوات الروسية المنتشرة في سوريا. ويعتبر اللقاء بين الحميدان والمملوك مقدمة لتحسن ملحوظ في العلاقات الثنائية من المتوقع الإعلان عنه بعد عطلة عيد الفطر.

وفي الشهر الماضي كرر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تأييده لعودة سوريا الى جامعة الدول العربية خلال اجتماعه بسكرتير الجامعة أحمد أبو الغيط في بغداد. وفي الأسبوع الماضي استضافت بغداد وزير النفط السوري.

وفي السنوات الماضية بدأ النظام السوري بكسر أو تخفيف عزلته العربية، حين بدأت دول عربية بإعادة فتح سفاراتها في دمشق، بعضها على مستوى السفير. وفي عام 2018 أعادت دولة الإمارات العربية المتحدة فتح سفارتها في دمشق، وتبعها الأردن في 2019، وتلتها سلطنة عمان في 2020. هذه الاتصالات الدبلوماسية وبدايات العلاقات الاقتصادية، تستمر مع بقاء العقوبات التي فرضتها جامعة الدول العربية ضد النظام السوري قبل 10 سنوات. ومع أن هذه الدول تتحدث عن ضرورة إيجاد حل سلمي للنزاع الدموي في سوريا، الا أنه لا توجد هناك أي مؤشرات في أن نظام الأسد يمكن ان يقبل بأي تسوية سياسية يمكن أن تضعف من سيطرته الكاملة على الأراضي التي تهيمن عليها قواته وقوات حلفائه.

ويقول مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شنكر في حوار مع “النهار العربي” إن “الدول العربية التي تسعى الى تطبيع العلاقات مع نظام الأسد في غياب عملية سلمية تشمل وضع دستور جديد وإشراك المعارضة في السلطة، تبرر عودتها الى دمشق بالقول إن ذلك ضروري لتحييد او ردع النفوذ التركي المتزايد في سوريا، وهذا أكثر ما يقلق دولة الإمارات العربية”. وأضاف شنكر “أن الإمارات والسعودية ومصر، ترى أن عودتها الى سوريا يمكن أن تحد ايضاً من نفوذ إيران ولو بشكل محدود”. وتابع شنكر أن الأردن يأمل “بإعادة بعض اللاجئين السوريين الذين لجأوا الى الأردن في بداية الانتفاضة، ولكن السبب الآني للتقارب هو اقتصادي”.

ويقول شينكر “إن الوضع الراهن تجاه سوريا يذكره بالأجواء السياسية خلال الفترة الأخيرة من ولاية الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، وبداية الولاية الأولى للرئيس الأسبق باراك أوباما، وتحديداً المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط والذي نظمته ادارة الرئيس بوش في مدينة أنابوليس، بولاية ماريلاند في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007. وإضافة الى إسرائيل والسلطة الفلسطينية، شاركت في المؤتمر دول عربية وأبرزها السعودية ودول أخرى من المنطقة وخارجها، إضافة الى منظمات دولية. آنذاك اقنعت السعودية الرئيس بوش ووزيرة خارجيته كونداليسا رايس بدعوة سوريا الى أنابوليس، على الرغم من العلاقات المتوترة آنذاك بين واشنطن ودمشق بسبب دعم سوريا للقوى التي كانت تحارب القوات الأميركية في العراق”. ويشير شينكر الى أن “مشاركة سوريا في المؤتمر فسرت في المنطقة على أنها مؤشر لتحسن العلاقات مع واشنطن. وفي نيسان (أبريل) 2007، قامت رئيسة مجلس النواب الديموقراطية نانسي بيلوسي بزياردة دمشق والاجتماع بالرئيس الأسد وناقشت معه الأوضاع في العراق ولبنان ومحادثات السلام بين سوريا وإسرائيل”.

ويضيف شينكر أن “العلاقات مع دمشق بدأت تتحسن بالفعل مع بداية ولاية الرئيس باراك أوباما، في 2009 حيث بدأ السناتور الديموقراطي جون كيري باتصالات وزيارات الى دمشق كان يجتمع فيها مع الرئيس الأسد. وعقب ذلك، الجهود التي بذلها مبعوث الرئيس اوباما للشرق الأوسط السناتور المتقاعد جورج ميتشل ونائبه فريدريك هوف للتقدم بالمفاوضات السورية – الإسرائيلية غير المباشرة والتي كانت تجري في تركيا، حين كانت علاقات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ببشار الأسد جيدة، وهي المباحثات التي حاولت واشنطن تطويرها أكثر، الى أن توقفت هذه المساعي مع بداية الانتفاضة السورية”.

ولكن ماذا عن موقف إدارة الرئيس جو بايدن من هذه المحاولات العربية لإعادة الاعتبار لنظام الاسد؟ يقول شينكر: “حتى الآن لم نرَ معارضة من ادارة الرئيس بايدن لما تفعله الدول العربية بشأن تطبيع العلاقات مع الأسد”. ويشير شينكر إلى أن “إدارة بايدن التي سارعت الى تعيين مبعوث أميركي خاص لليمن هو الدبلوماسي تيم ليندركينغ، وقبل أسابيع تعيين مبعوث خاص لمنطقة القرن الأفريقي، هو الدبلوماسي المتقاعد والسفير الأميركي السابق في بيروت جيفري فيلتمان، إلا انها لم تعين أي مبعوث لإحياء الجهود الدولية الرامية الى حل النزاع السوري وفقاً للقرارات الدولية”.

وحول كيفية تعامل إسرائيل مع هذه المحاولات العربية، يرى شينكر “أن هناك موقفاً إسرائيلياً ومصرياً غير واقعي، يأمل بأن تقوم روسيا ولو في شكل محدود باحتواء النفوذ الايراني في سوريا”. ويضيف شينكر أن “روسيا لا تمانع حين يقوم سلاح الجو الإسرائيلي، بالإغارة على مواقع الإيرانيين وحلفائهم في سوريا، طبعاً بعد أن يطلعوا الروس قبل دقائق من حدوث القصف، لتفادي أي تعقيدات مع روسيا”. ويرى شينكر أن “إسرائيل لن تعترض على عودة الدول العربية الى سوريا سياسياً واقتصادياً لأن ذلك لن يضر بمصالحها، واذا أدت هذه العودة العربية إلى سوريا ولو بشكل محدود للغاية الى زيادة الضغوط على تركيا وإيران، فإنها سترحب بذلك”.

طبعاً، كل هذه المحاولات والمناورات الإقليمية والدولية من المتوقع أن تصب في مصلحة نظام الأسد، لأنها ستؤدي عن قصد أو غير قصد الى تعزيز بقائه في السلطة، وكأن تضحيات الشعب السوري الهائلة لتقرير مصيره قد ذهبت سدى.

المصدر النهار العربي


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا