روسيا وسوريا والانتخابات الرئاسية الأميركية

يمكن القول إن روسيا لا تعول كثيرا على الانتخابات الرئاسية القادمة في تشرين الثاني، إذ إن تعويلها على ترامب لم يفلح في رفع العقوبات الاقتصادية عنها، كما لم يفلح في تطبيع العلاقات بين الطرفين كما كان يأمل بوتين دون أن تقوم روسيا بما عليها من انسحاب من شبه جزيرة القرم في أوكرانيا.

لذلك يمكن القول إن هناك قناعة روسية أن ترامب في ولايته الثانية ربما يكون أفضل نسبيا – أقول نسبياً من بايدن الذي وضع روسيا على رأس أولوياته الخارجية وصوب سهامه باتجاهها مبكرا.

ولذلك لا يتوقع أن تغير روسيا من سياستها في سوريا لأن عليها أن تنتظر وترى كيف سيتفاعل الرئيس القادم مع سياستها في سوريا، هل سيجعل سوريا أولوية له في سياسته الخارجية أم تكون سوريا عبارة عن تسوية للعلاقة الروسية – الأميركية في الملفات الأخرى وعلى رأسها العلاقات الثنائية.

ربما يكون ذلك محبطاً للسوريين الذين ربما كانوا يتوقعون من الرئيس القادم أن يقوم سياسة أكثر تدخلية فيما يتعلق بسوريا، تدخل “غربي” يوازي التدخل الروسي، ومع التدخل الروسي في سوريا في عام 2015 فروسيا لم تعد داعما لنظام الأسد أو راعيا له، وإنما أصبحت بالحقيقة مالكة له وبالتالي عليها “إنقاذ سوريا” من أجل الخروج بشرف وكرامة من تدخلها العسكري، لكن في الحقيقة تطورت الأمور على غير هذا المبدأ  كلياً ، إذ تدخلت روسيا في كل الأماكن مع تركيز عسكري وقوة نارية هائلة ضد المعارضة السورية المسلحة بما يدعم نظام الأسد، ثم تحول تدخلها العسكري في حلب والغوطة الشرقية ودرعا ويف دمشق إلى قدرة تدميرية هائلة خارج إطار القانون الدولي ومكنها موقعها الدائم في مجلس الأمن وامتلاك حق النقض الفيتو من حمايتها من أي مساءلة عن جرائم الحرب التي ارتكبتها في حلب والغوطة عبر استهداف المشافي والمناطق المدنية المأهولة بالسكان.

في الحقيقة من أعقد الأمور الآن التي يمكن تحليلها اليوم هي معرفة النوايا الروسية الحقيقة في سوريا، هذا ليس بسبب ازدواجية الخطاب الروسي حيث تقوم بقول شيء وتفعل عكسه على الأرض، وإنما لأن النظام السياسي الروسي اليوم شبيه تماما بنظام الأسد فيما يتعلق بآليات السيطرة والتحكم داخل المجتمع الروسي، فكل الإعلام الروسي تحول إلى بروبوغاندا دعائية للكرملين في حربه في سوريا ضد “الإرهاب”، وفقدان كامل لما يسمى Checks and balances داخل المؤسسات الروسية فسلطة الكرملين اخترقت المؤسسات التشريعية والقضائية، صحيح أن روسيا اليوم ليست الاتحاد السوفيتي في السابق فيما يتعلق بالتعددية والتنوع داخل المجتمع الروسي، لكن بنفس الوقت سنوات التغيير والديمقراطية القصيرة التي عاشتها روسيا خلال عهد يلتسين ليس لها أي حضور أو تأثير، هناك موقف موحد بأن ما يفعله بوتين في سوريا هو الصحيح وأن الغرب لا يريد لروسيا النجاح في سوريا وكل سوري يعارض الموقف الروسي يصبح ببساطة “إرهابياً” ، كما أن الحرب في سوريا فتحت الفرصة لتجريب السلاح الروسي بكل أنواعه وتقنياته، هذه هي الحجج التي ساقها ويسوقها الكرملين كل يوم تقريبا في دفاعه عن تدخله العسكري في روسيا.

لقد غابت كليا الحجج المنطقية التي برأيي يجب أن تكون الأساس الأول لكل قائد يقرر تدخلا عسكريا مكلفا خارج بلاده، وهو ما فائدة أو علاقة هذه الحرب بالأمن الوطني الروسي؟ هل هناك حاجة لروسيا كي تصرف أو تستنفذ كل هذه الموارد المالية والعسكرية والسياسية في الدفاع عن نظام من المستحيل عليه الاستمرار بطريقة سياسية أو قانونية، فاستمراره يعني استمرار الحرب السورية إلى ما لا نهاية ولن يشعر اللاجئون السوريون الذين بلغ عددهم اليوم أكثر من 7 مليون لاجئ بالأمان من أجل العودة إلى سوريا طالما الأسد وطريقة حكمه في القتل والتعذيب والبراميل المتفجرة مستمرة في حكم ما تبقى من سوريا.

وطالما أن روسيا اليوم لا تسأل نفسها هذا السؤال سيبقى غياب العقلانية السياسية مبدأ رئيسيا في حكمها وأعتقد أن الفشل سينتظرها ليس في المستقبل البعيد وإنما في الأيام القريبة القادمة، فصحيح أنه ليس لروسيا تاريخ استعماري في الشرق الأوسط أو العالم العربي كما يحاجج  مستشرقوها دوماً، لكنها ارتكبت في سوريا اليوم من جرائم وانتهاكات بحق السوريين ووقفت ضد حقهم في اختيار نظامهم السياسي كما يشاؤون ويرغبون وبشكل سلمي وطبقت عليهم قواعد غروزني في التدمير والتهجير وحكم “ما تبقى” مهما كان الثمن، وبالتالي لن يستطيع أي سوري أن يتصور أن روسيا ربما تريد حلا أو خيرا في سوريا، كانت رغبتها في استعراض القوة العسكرية كتحد لدور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

المصدر syria.tv


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا