سورية 2020.. تتويج لمسار طويل

للمرة الأولى منذ عشر سنوات لم تعد سوريا محط اهتمام إقليمي ودولي، فلا معارك عسكرية كبرى ولا منجزات سياسية تذكر، وحدها الأزمة الإنسانية مستمرة وبلغت درجات لم تصل إليها من قبل.

عسكريا

كان عام 2020 على المستوى العسكري هو عام إدلب التي شهدت عملية عسكرية كبيرة بين النظام السوري مدعوما من روسيا وبين فصائل المعارضة مدعومة من تركيا، وبلغت التطورات حد حدوث مجابهة عسكرية بين تركيا وروسيا في المحافظة مع قرار أنقرة زج قوات عسكرية كبيرة لوقف هجمات النظام.

انتهت المعركة، بخسارة المعارضة لمناطق جغرافية أهمها مدينة معرة النعمان، ثالث أكبر مدن محافظة إدلب، لكنها بالمقابل ثبتت المعادلة التركية في منع وصول قوات النظام إلى عمق المحافظة، واعتبار وسط المحافظة وشمالها منطقة استراتيجية لتركيا، وهو ما قبلت به روسيا إلى الآن على الأقل.

سياسيا

ظل الملف السياسي في حالة ستاتيكو، فلم تحدث فيه أية تطورات ذات دلالة، باستثناء اجتماعين عاديين للجنة الدستورية ناقشا المبادئ الوطنية والمبادئ الدستورية.

على الصعيد الدولي، لم تحدث أي متغيرات في مستوى المواقف الدولية بما فيها الأمريكية التي أكدت أكثر من مرة على ضرورة الضغط على النظام من أجل تقديم تنازلات سياسية في وقت مارست واشنطن فيه ضغوطها على دول إقليمية لمنعها من الانفتاح على دمشق.

وفيما عملت روسيا على إحداث خروقات سياسية هنا وهناك، إلا أن نتائج هذه الخطوات باءت بالفشل، فالاتفاق الذي جرى بين “مجلس سوريا الديمقراطية” وحزب “الإرادة والتغيير” لم يسفر عن شيء، فيما لم تسفر محاولات القاهرة في ترتيب منصة معارضة جديدة عن شيء، أما المحاولات الفرنسية-الأمريكية لإحداث تقارب بين الشقين الكرديين، فما زالت دونها عقبات كثيرة.

اقتصاديا

إذا كانت التطورات العسكرية والسياسية هي العناوين البارزة التي حكمت السنوات التسع الماضية من عمر الثورة أو ما بات يعرف دوليا بالأزمة السورية، فإن الانهيار الاقتصادي والاجتماعي هو العنوان البارز لعام 2020، لدرجة يمكن القول إن هذا العام كان تتويجا أو حصادا للأعوام التسعة الماضية.

ثمة ثلاثة تطورات حصلت أدت إلى انهيار الوضع المعيشي بشكل حاد لم تعرفه سنوات المعارك الكبرى الماضية:

ـ شكلت الأزمة الاقتصادية-المالية اللبنانية تطورا مهما انعكس بشكل سلبي على الوضع في سوريا، فقد عجزت المصارف البنانية في تأمين القطع الأجنبي للتجار السوريين من أجل استمرار أعمالهم، ما دفع بهؤلاء إلى تأمين العملة الصعبة من السوق الداخلية، الأمر الذي أدى إلى انخفاض قيمة الليرة السورية من جديد، وعدم قدرة التجار في استيراد سلع متعلقة بالغذاء والصحة.

ومع فقدان السوق اللبنانية للعملة الصعبة، اضطر أصحاب الأعمال إلى دفع رواتب الموظفين بالعملة اللبنانية، الأمر الذي أثر على العمالة السورية التي كانت تقبض أجورها بالدولار وتحول جزء منه إلى عوائلها في سوريةا، لكن مع تلقي أجورهم بالعملة اللبنانية من جهة وبسبب انهيار الليرة اللبنانية من جهة ثانية، لم يعد في مقدور العمال السوريين في لبنان شراء الدولار، وكان من نتيجة ذلك توقف عمليات تحويل الأموال إلى سوريا.

ـ أدى انتشار فايروس “كورنا” السريع في العالم إلى تراجع حاد في المساعدات الأممية إلى سوريا، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على فئة النازحين والطبقات الفقيرة التي كانت تستفيد من السلل الغذائية والصحية الأممية.

ـ قانون عقوبات “قيصر” الذي نقل العقوبات من المستوى الفردي السابق إلى المستوى الجماعي، بمعنى أن الشركات الإقليمية والدولية لم يعد بمقدورها التعامل مع النظام أو مع شركات تتبع له.

يفرض القانون عقوبات على أي شخص أو جهة تتعامل مع النظام السوري أو توفر له التمويل في مجالات البناء والهندسة والطاقة، والنقل الجوي، وهي المجالات التي يعول عليها النظام السوري وحلفائه لإعادة إحياء المنظومة الاقتصادية، بما ينعكس إيجاب على النظام وروسيا وإيران.

ترتب على هذه العوامل انهيار متسارع في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، رافقه ارتفاع عام في الأسعار، أدى إلى دخول قرابة مليون ونصف المليون شخص إلى خانة فقدان الأمن الغذائي وفق تقرير برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.

وضعت هذه العوامل الثلاثة الجديدة، مع انهيار الناتج المحلي الإجمالي، وتقلص الإيرادات العامة، واستنزاف الاحتياطي الأجنبي، واعتماد التمويل بالعجز، وزيادة الدين العام بلا تناسب مع الإنتاج، اقتصاد النظام في حالة خطرة للغاية، سيتحمل نتائجها خلال المرحلة المقبلة ما تبقى من الطبقة الوسطى.

المصدر عربي.21


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا