سوريون يضعون “مغادرة” اسطنبول ضمن أولوياتهم لهذه الأسباب

بعد قضاء 5 أعوام فيها، غادر الشاب السوري طلعت العبيد مدينة اسطنبول، متوجهاً إلى ولاية أورفا جنوب شرق تركيا، التي نال منها بطافة الحماية المؤقتة “الكمليك” في مايو/ أيار 2017،  ورغم ذلك لم يقطنها سوى لأسابيع محدودة، ليضطر في ذلك العام إلى العيش والعمل في اسطنبول، قبل أن يودع الأخيرة منذ نحو شهر.

ويقول الشاب لـ”السورية.نت”، إن قرار العودة، سببه “شبه السجن الذي عشته خلال الأشهر الماضية، بسبب التضييق على من لا يحملون كمليك اسطنبول، وعدم قدرتي على التجول والتحرك بحرية”،  إضافة إلى “الغلاء المعيشي الذي لا يطاق، ما منعني من توفير أي مبلغ مالي، لتحويله إلى أهلي القاطنين في الداخل السوري، كما اعتدت سابقاً”.

حال هذا الشاب السوري، هو واقع كثير من السوريين في اسطنبول، ممن يعتزمون مغادرة المدينة، سواء لداخل تركيا أو خارجها، ويعتبرون ذلك ضمن أولوياتهم، جراء الارتفاع الكبير في إيجارات المنازل التي يقطنونها، وصعوبة الحصول على سكن جديد، ودخول مزيد من الأحياء في دائرة حظر تسجيل القيود فيها للأجانب، ناهيك عن الحملة الأمنية المشددة على من لا يحملون بطاقة الحماية الخاصة بمدينة اسطنبول.

ايجارات المنازل شهدت قفزاتٍ كبيرة

ويشتكي عدد كبير من سكان اسطنبول عموماً، الارتفاع الكبير في قيمة استئجار المنازل مؤخراً، المتزامن مع ارتفاع مستوى التضخم في البلاد، وضغط الطلب على استئجار المنازل في المدينة التي يقطنها نحو 20 مليون نسمة.

يشير أحمد العمر، العامل في مكتب عقاري بمنطقة اسنيورت الواقعة في الشطر الأوروبي من اسطنبول، إلى تزايد ظاهرة طلب أصحاب منازل من سوريين مستأجرين، إخلائها بعد انتهاء مدة العقد الموقع بين الطرفين، و”هدفها غالباً الحصول على آجار منزل مضاعف من مستأجر جديد”.

وأضاف في حديث لـ”السورية نت”، أنه قبل نحو 6 أشهر، كان هناك توجه من أغلب السوريين مع بداية ظاهرة المطالبة بإخلاء المنازل، إلى البحث عن منزل جديد في ذات المنطقة، أو في أحياء أخرى، لكنهم وجدوا صعوبة كبيرة في الحصول على منزل آخر، ومن يجد، تكون المنطقة مغلقة التقييد أمامه، أو يصطدم بآجار يبلغ أضعاف ما كان يدفعه.

وضرب العمر مثالاً على ذلك، بأحد السوريين الذي كان آجار منزله ب900 ليرة، لكنه لم يجد منزلاً بديلاً بأقل من 3500 آلاف ليرة، ليضطر إلى القبول بدفع هذا المبلغ، كونه يعمل حلاقاً، ومن الصعب عليه تغيير منطقة عمله، عدا عن “الصعوبات القانونية” حسب وصفه، جراء الإجراءات الأخيرة المتخذة من قبل الداخلية التركية، فيما يتعلق بتقييد سكن الأجانب في نحو 1900 حي في عموم البلاد.

حي اسنيورت يضم أكبر عدد من السوريين المتواجدين في اسطنبول

وكانت السلطات التركية، قد رفعت عدد الأحياء المغلقة أمام الأجانب الراغبين بتثبيت نفوسهم فيها إلى 1169، بعد أن كانت 781 حياً.

وحسب بيان لدائرة الهجرة نشرته في موقعها الرسمي، فإن القرار بدأ تطبيقه اعتباراً من يوم الجمعة 1 يوليو/ تموز 2022، ويشمل 62 ولاية.

وتصدرت ولاية شانلي أورفا في الجنوب التركي، عدد الأحياء التي جرى حظر تسجيل القيود فيها، بـ169 حياً، تليها غازي عينتاب 161 حياً، كما تتضمن قائمة الحظر 82 حياً من ولاية كيليس، و53 حياً من اسطنبول.

وجاء القرار، عقب إعلان وزارة الداخلية التركية في 6 يونيو/ حزيران الماضي، عن “إجراءات تخفيف” جديدة تستهدف انتشار الأجانب المتوزعين في مختلف الأحياء في الولايات التركية.

وقال وزير الداخلية، سليمان صويلو حينها: “سيتم تخفيض نسبة الأجانب الذين يمكنهم الإقامة في الأحياء من 25 بالمئة إلى 20 بالمئة اعتباراً من 1 يوليو/ تموز المقبل”. وأضاف أنه وبناء على ذلك “سيتم إغلاق 1200 حي أمام طلبات الإقامة”.

خيارات محدودة

أحد العاملين في تأجير المنازل بمنطقة باغجلار، قال لـ”السورية.نت”، إن “ظاهرة رفع قيمة أجرة المنزل حتى وإن كان لضعف المبلغ، لم تعد تلقى اعتراضاَ من السوريين كما كان في السابق”.

وتابع: “عندما يطلب صاحب المنزل إخلائه، يعرض المستأجر زيادة الأجرة، حتى وأن كان بمبلغ الضعف، لأنه الخيار الأقل سوءاً”، حسب وصفه.

واستدرك: “مع ذلك قد لا تنجح هذه المحاولة، لأسباب أخرى غير متعلقة بالمال فقط، من بينها القوانين المتخذة مؤخراً تجاه أصحاب المنازل، وتهديدهم بمخالفات مالية كبيرة في حال السماح باستئجار المنزل، لمن تعتبر إقامتهم في اسطنبول غير قانونية”.

وفي هذا السياق يؤكد أيضاً، أن العديد من السوريين اتخذوا قراراً بالعودة إلى ولاياتهم الأصلية الصادرة عنها “الكمليك” الخاص بهم، بعد أن وصلوا إلى طريق مسدود في العثور على منزل يلائم دخلهم، أو لا يناسبهم البقاء في منازلهم وفق الإيجارات الجديدة التي طلبها أصحاب المنازل القاطنين فيها، لكون المبالغ المطلوبة للآجار، تعادل تقريباً كامل موردهم الشهري.

انحسار كورونا له دوره

بعض آراء السوريين في هذا المجال، رأت أن انحسار وباء كورونا، وعودة طلاب الجامعات إلى الدوام وجهاً لوجه، من أسباب الارتفاع الكبير في الآجارات، ناهيك عن تزايد حالات رفض تأجير سوريين، حسب ما يؤكده أبو أحمد المنحدر من إدلب، والقاطن مع عائلته في حي أفجلار منذ 6 سنوات.

وحول تجربته يقول لـ”السورية نت”، إن منزله الذي كان آجاره 1100 ليرة، شمله قرار الهدم منذ نحو 3 أشهر، وذلك ضمن القرارات التي طالت عشرات الأبنية القديمة في أفجلار.

وأضاف: “منذ ذلك الحين وانا ابحث عن منزل للاجار، ولكن لأن منطقتنا مليئة بالكليات الجامعية، فإن أصحاب المنازل يفضلون الطلاب الجامعيين الأتراك والأجانب، خاصة وأن هؤلاء يتركون المنزل شاغراً مع أجرة مدفوعة سلفاً لفترات طويلة من السنة، مثل العطل الانتصافية والصيفية، بعكس ما هو عليه الحال للاسرة التي تكون مستقرة فيه بشكل مستمر، وتستهلكه طوال أيام السنة”. حسب قوله.

ويذكر أن اسطنبول تضم 61 جامعة (29.61 في المئة من الجامعات الموجودة في تركيا) ويدرس فيها عشرات الآلاف من الطلاب الأتراك والاجانب.

يامن المحمد الذي يعمل في منطقة الفاتح ويسكن في أسنيورت، من الذين طالبه صاحب المنزل القاطن فيه بإخلائه قبل أكتوبر/ تشرين الأول (تاريخ انتهاء عقد آجار المنزل)، وهو يبحث حالياً عن منزل جديد سواء في أسنيورت أو غيرها، لكن خياراته محدودة وفق ما ذكره لـ”السورية نت”.

ويضيف في هذا السياق، أن كمليك ولاية اسطنبول الذي “جاهدت في وقت سابق للحصول عليه، لم يعد مغرياً، بعد أن أصبح ما تقبضه من العمل، ستمنحه لصاحب منزلك، دون قدرة على العيش بما تبقى من المورد الشهري”. وفق قوله.

ويؤكد في سياق متصل، أن خيار ترك اسطنبول يتوارد إلى ذهنه، لكنه يخطط الآن للسكن بولاية ومدينة قريبة جداً مثل أزميت التابعة لولاية كوجالي، وزيارة عائلته مرتين أسبوعياً، والعيش بقية الأيام في ذات مكان العمل الذي يوفر سكناً داخلياً لعماله.

دوافع للهجرة

يذكر بأن الأحصاءات الرسمية، أظهرت ارتفاع معدل التضخم في تركيا خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي إلى 4.95 بالمئة على أساس شهري، و78.62%، على أساس سنوي، وهو أعلى مستوى منذ عام 1998.

الارتفاع الكبير في التضخم وتزايد الأسعار بشكل كبير، خاصة في اسطنبول، كان الدافع لدى بعض السوريين للاتجاه بخطوات نحو مغادرة الأراضي التركية والاتجاه إلى أوروبا بشكل خاص، سواء عبر الطرق النظامية، من خلال المنظمات الدولية أو مكاتب العمل التي ترسل العمال إلى الخارج، أو عبر الهجرة غير الشرعية.

وكان هبوط الليرة وتزايد أسعار الغذاء، قد دفع التضخم إلى 69.97 بالمئة في أبريل/ نيسان، على الرغم من تخفيضات ضريبية للسلع الأساسية، والدعم الحكومي لبعض فواتير الكهرباء لتخفيف العبء على ميزانيات الأسر.

وتعتبر الزيادة في الأسعار، التي شملت وسائل النقل والطعام والسلع الأساسية الأخرى، جزءاً من أزمة اقتصادية فاقمتها جائحة كورونا، كما أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى حدوث قفزة في أسعار الغاز والنفط والحبوب.

وكانت توقعات قد سادت بحصول قفزة جديدة للتضخم في تركيا خلال الأشهر المتبقية من العام الحالي.

المصدر السورية نت
قد يعجبك أيضا