سياقات تعيين ضابط متهم بجرائم حرب كمحافظ جديد للحسكة

قبل أيام من دخول قانون “قيصر” أو ” سيزر” حيز التنفيذ، والحديث المتزايد عن التداعيات المحتملة للقانون الذي يشمل عقوبات هي الأقسى من نوعها على نظام الأسد وداعميه، بالإضافة لجميع الكيانات والأفراد المتعاونين معه في مجالات الطاقة والأعمال والنقل إلى جانب أجهزة الأمن، أصدر رئيس النظام بشار الأسد قراراً بتعين خمسة محافظين جدد لمحافظات حمص، السويداء، القنيطرة، درعا، إضافة لمحافظة الحسكة، التي يأتي تعيين ضابط استخباراتٍ من الصف الأول بالنظام محافظاً فيها ضمن سياقات مهمة.
ومحافظ الحسكة الجديد اللواء غسان خليل، الذي وُلِد سنة 1957 في قرية عين التينة التابعة لمدينة صافيتا في محافظة طرطوس، يُعتبر من ضباط الصف الأول بالقصر الجمهوري، وكان قد عمل ضمن فريق حماية حافظ الأسد و من بعده بشار الأسد، ثم تدرج في مناصب أمنية رفيعة المستوى، حتى صدر قرار تعيينه كمحافظٍ للحسكة بتاريخ 30/5/2020.
ورد اسم غسان خليل في قائمة العقوبات الأوربية والبريطانية والكندية الصادرة عام 2011، وكذلك في تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش”Human Rights Watch”، لإنتهاكه حقوق الانسان، ومسؤوليته المباشرة عن عمليات قتل وتعذيب السوريين المعارضين للنظام.
ويأتي تعيينه كمحافظٍ للحسكة، في وقت تشهد فيه المحافظة، و منطقة شرق الفرات عموماً، حراكاً سياسياً ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية، يتمثل بالمفاوضات الجارية بين حزب الاتحاد الديمقراطي(PYD) و”المجلس الوطني الكردي” من جهة، وجولات مكوكية لـ”مجلس سوريا الديمقراطية” إلى العشائر العربية في المنطقة من جهة أخرى، بُغية تقريب وجهات النظر بين هذه الأطراف.
تعين اللواء خليل – الذي كان يعمل مساعداً لمدير مكتب الأمن الوطني علي مملوك- قد يأتي في سياق مشاغبة الروس والنظام على الجهود الأمريكية، تزامناً مع فشل المفاوضات التي رعتها روسيا بين النظام و”الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سورية، والتي كانت تجري بإشراف علي مملوك المسؤول المباشر عن هذا الملف، والذي التقى مع قيادات “سوريا الديمقراطية” خلال زيارته لمدينة القامشلي نهاية العام 2019.
إن توقف المفاوضات بين “الإدارة الذاتية” والنظام، أدى إلى فشل موسكو في استمالة “قوات سوريا الديمقراطية”، ما دفعها للبحث عن بدائل أخرى لزيادة نفوذها، والحفاظ على مكتسباتها، ومنع عودة الولايات المتحدة الأمريكية للمواقع التي أخلتها في شرق الفرات.
بناءً على ذلك، سعت موسكو لتشكيل قوات عسكرية عمادها بعض العشائر العربية، لتكون تابعة لها بشكل مباشر ومنافسة لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، ويبدو أن اللواء خليل هو الرجل المناسب للعب هذا الدور لاطلاعه الواسع على ملف القضية الكردية و طبيعة التعامل مع “قوات سوريا الديمقراطية”، بحكم عمله مساعداً لمدير مكتب الأمن الوطني علي مملوك، بالإضافة الى سجله المهني في السلك الأمني.
إذ شغل منصب رئيس فرع المعلومات 225 في جهاز أمن الدولة خلال الفترة (2010-2013)، الفرع المسؤول عن مراقبة نشاط الأحزاب السياسية و وسائل الاعلام المحلية والعالمية ومواقع التواصل الاجتماعي، والمسؤول المباشر كذلك عن مايسمى “الجيش السوري الالكتروني” المكلف بإختراق المواقع الالكترونية المعارضة وملاحقة الناشطين والايقاع بهم.
ويعرف عن اللواء غسان خليل، ولائه المطلق لبشار الأسد ولإيران، فلقد تمتع بعلاقات وثيقة مع المخابرات الإيرانية، حيث عمل معها على تسهيل عمل المليشيات التابعة لها في سورية، منذ سنة 2011، في المقابل قامت إيران بتزويد فرع المعلومات الذي كان يرأسه، بمعدات مراقبة و تجسس متطورة.
و كان الأسد قد هدد الأمريكين بمقاومة شعبية مشابهة لما جرى في العراق وأفغانستان، ستؤدي وفق تطلعاته لخسائر بين الأمريكين وبالتالي خروجهم من سورية، مؤكداً أنه لا يمكن لأمريكا أن تعيش مرتاحة البال في منطقة تحتلها. وقد بدأت أولى ملامح هذه “المقاومة الشعبية” من خلال مسلسل اعتراض الدوريات الأمريكية التي بدأت في قرية خربة عمو في القامشلي شهر شباط/فبراير الماضي.
تعيين اللواء غسان خليل – المقرَّب من بشار الأسد- حاكماً لهذه المحافظة الاستراتيجية، التي تضم العديد من السجون المحتجز بداخلها آلاف المقاتلين الأجانب من عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”، والتي تشهد كذلك تفاعلاً بين مختلف الفواعل الدوليين والأقليمين ووكلائهم، يأتي أيضاً لخبرته العملية وعلاقاته الوثيقة مع المخابرات الدولية، لترأسه للفرع الخارجي 279 خلال الفترة الممتدة بين (2013-2017)، والذي قام برفقة ديب زيتون رئيس جهاز أمن الدولة، بزيارة سرية لإيطاليا منتصف 2016 على الرغم من وجودهما على لائحة العقوبات الأوربية، والاجتماع مع المخابرات الايطالية للتعاون معها في مكافحة الإرهاب، حيث عرض ديب زيتونة وغسان خليل مشاركة ملف المقاتلين الاجانب في سورية، مع المخابرات الايطالية مقابل فك عزلة النظام السوري ورفع العقوبات المفروضة عليه منذ 2011..
لاشكَّ أن تعين اللواء غسان خليل محافظاً للحسكة يأتي في إطار سعي روسيا لزيادة نفوذها وبسط سيطرتها على جميع الأراضي السورية، و كذلك يشير لعودة قوية للنظام، إلى المنطقة من البوابة الأمنية والمخابراتية، في سياق ترتيب أوراقه الداخلية، تحضيراً لمفاوضات الحل النهائي كما يبدو
لكن المؤكد أيضاً في هذا السياق، أن تعيين خليل كمحافظ للحسكة، في هذه المرحلة الحرجة، يشير إلى أن النظام مازال يعتمد العقلية الأمنية لا السياسية في التعامل مع الملف الكردي.

المصدر السورية. نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا