عودة طالبان إلى أفغانستان

من دون أدنى شك، سيخلد التاريخ يوم سيطرة طالبان على كابل بعد عشرين عاما من الوجود الأميركي العسكري هناك، المشاهد المروعة للأفغان يتعلقون بالطائرات الأميركية خوفا من البقاء في أفغانستان تحت حكم طالبان ربما تقول كثيرا، فأفغانستان اليوم منقسمة بشكل كبير بين مؤيد لطالبان التي سيطرت على الحكم عبر البندقية وبين معارض لحكمها لكنه شهد كيف تبخرت قوات الأمن والجيش الأفغاني ومعها الرئيس خلال أقل من أسبوع، بعد أن قيل أن كابل ربما تصمد على الأقل ستة أشهر أو أكثر.

سيطرة طالبان السريعة على كابل ربما أعطت انطباعا خاطئاً عن الشعب الأفغاني تماما كما أعطى سقوط الموصل السريع بيد داعش انطباعا خاطئا عن العراقيين الذين عانوا الويلات تحت حكم داعش.

لقد اعتبر الرئيس الألماني شتاينماير أن مشاهد الأفغان اليائسين بمطار كابل “عار على الغرب” مشدداً على “المأساة الإنسانية” التي عاشها الأفغان في أثناء محاولتهم بيأس مغادرة البلاد “ونحن مشاركون في المسؤولية عنها”. هذا صحيح بمعنى ما لكن هذا الفشل يمكن قراءته من زاويتين الأولى من زاوية فشل بناء الأمم بسبب الخصوصية الأفغانية أو أنه صحيح بالمطلق وأن استنزاف الثروات بدعم خارجي لن يكون قادرا وحده على إعادة وبناء الديمقراطيات في الخارج.

هذا السؤال طرح عربيا بفضل التجربة في العراق التي عاشت سنوات من الحرب الأهلية بعد الاحتلال الأميركي لها عام 2003 وتبدد ثروات المساعدة الأميركية وتبدد ثروات العراق على مدى عقود.

صرفت الولايات المتحدة ما يعادل تريليوني دولار وقتل ما يقارب من ألفي جندي في أفغانستان واحتفظت بوجودها العسكري هناك على مدى عشرين عاما لتصبح أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة ورغم ذلك فشلت الولايات المتحدة في ضمان استقرار الحكومة المدنية التي دعمتها في أفغانستان وتمكن عدوها طالبان من السيطرة على كل مساحة البلاد بمجرد خروج القوات الأميركية منها، لقد تنازلت أميركا عن التزاماتها تجاه أفغانستان وسلمتها لحركة طالبان المتشددة التي ستعيدها عصورا إلى الوراء كما يرى كثير من الأفغان الذين اعتبروا أن الولايات المتحدة فشلت كليا في مفاوضاتها مع طالبان ومهدت الطريق لعودتها إلى الحكم.

لا بد من القول إن أميركا خرجت لأن غالبية الشعب الأميركي يرى أن لا جدوى من بقاء قواتها هناك وصرف المليارات ولذلك مع الفارق السياسي بين الجمهوريين والديمقراطيين يبقون موحدين على ضرورة الخروج من أفغانستان وإعادة النظر في بقاء القوات الأميركية في الخارج في كل من العراق وسوريا.

أما من زاوية الشعب الأفغاني فسيكون هو الخاسر الأكبر حيث سيعود عقودا إلى حكم طالبان رغم أن هذه الحركة بدأت تفهم أن ‫أفغانستان بلد محصور جغرافياً نطلق عليه landlocked وعادة هذه البلدان تكون أفقر بلاد العالم كما ليسوتو وغيرها فنموذج التنمية هنا يعتمد بشكل رئيسي على حسن العلاقة مع بلدان الجوار، فعندما تصل حركة تريد إعادة التاريخ إلى الوراء وعبر البندقية فإن الفشل حتما سيكون نصيبها بالحكم والإدارة والتنمية، ولذلك كان متوقعا من اليوم الأول، تجميد ٩ مليارات من حسابات أفغانستان في الخارج وحجب معونات صندوق النقد الدولي، فهذه كلها مؤسسات مالية “دولية” أي إن الدول تفرض شروطها قبل إعطاء الأموال وإذا لم تلتزم بالمعايير الدولية فإنها ستقوم بفرض عقوبات كما تهدد الولايات المتحدة في الوقت الحالي.

ولذلك من المتوقع أن تعود أفغانستان إلى سنوات من الفقر والفاقة بسبب العقوبات الدولية وسوء الإدارة والجفاف الذي يضرب مساحات كاملة من أفغانستان مما يجعل التنمية الحضرية أصعب وأصعب من دون مساعدات دولية، خاصة أن الولايات المتحدة الآن ستقود المجتمع الدولي باتجاه فرض عقوبات دولية تمنع طالبان من الاستفادة من أموال أفغانستان في الخارج، وهو ما يعيد أفغانستان والشعب الأفغاني مجددا إلى النقطة الصفر.

المصدر تلفزيون سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا