كيف تفاعل “مشايخ العقل” في السويداء مع أحداث مبنى المحافظة؟

عاشت مدينة السويداء يوم الأحد موعداً جديداً من الاحتجاجات الشعبية، ورغم أنها مساراً بات يسلكه البعض من أبنائها بين الفترة والأخرى، تطورت في آخر حلقاتها لتفرض مشهداً غير مسبوق، وتمثّل بحرق مبنى المحافظة وصور رأس النظام السوري، بشار الأسد.

ولم تسفر الاحتجاجات عن حرق المبنى وصور الأسد فحسب، بل راح إثرها قتيلين (أحدهما مدني وعنصر شرطة)، بينما أصيب أكثر من 18 شخصاً، تراوحت إصاباتهم بين طلقات نارية وشظايا.

ماذا حصل؟

وفي التفاصيل بدأت الشرارة بمظاهرة انطلقت من دوار “المشنقة”، تندد بتدهور الأوضاع المعيشية، وتخلي حكومة النظام السوري عن مسؤولياتها.

واقتحم بعد المظاهرة المحتجون مبنى المحافظة في السويداء، وحطموا مكاتبه، كما أضرموا النار بسيارات أمنية في محيط المبنى، ولافتة كانت تعتليه للأسد الابن.

وردّت قوات أمن نظام الأسد بإطلاق نار كثيف على المحتجين، ما تسبب بالحصيلة الأكبر من المصابين، فيما انفضت الاحتجاجات بعد سقوط ضحايا ومصابين، ليشهد مركز المدينة استنفاراً أمنياً مشدداً، مع سماع أصوات رشقات نارية بين الحين والأخر.

ونقلت شبكة “السويداء 24” المحلية أن المحال التجارية أغلقت أبوابها على وقع الاشتباكات.

كما سمعت أصوات انفجارات، ناجمة عن إلقاء مجهولين قنابل يدوية وقذائف في بعض أحياء المدينة. ومع ساعات الليل، عاد الهدوء الحذر إلى شوراع المدينة، مع انتشار تعزيزات أمنية عند المراكز الحكومية.

ولا يبدو حتى الآن، وجود نية لاستئناف الاحتجاجات، بعد التطورات الأخيرة، بينما علّق مشايخ العقل على ما حصل. اثنان أدلوا بتصريحات على شاشة “التلفزيون السوري” التابع للنظام، وآخر تحدث أحد المقربين منه لشبكة محلية.

“3 شيوخ روحيون”

و”مشيخة العقل” في السويداء هي عبارة عن هيئة روحية وزعامة دينية متوارثة، ومنذ العهد العثماني كان هناك 3 شيوخ عقل يتصدرون رأس الهرم في الطائفة الدرزية.

وتعتبر مكانة المشايخ متوارثة، ولا يمكن أن تخرج المشيخة عن أسماء ثلاث عوائل (الهجري، الجربوع، الحناوي).

وإلى جانب حكمت الهجري الذي تنحصر مكانته الدينية في الريف الشمالي والشمالي الشرقي والريف الغربي للسويداء (دار قنوات)، يبرز اسم الشيخ حمود الحناوي في منطقة سهوة البلاطة في الريف الجنوبي للمحافظة.

علاوة على ذلك، يعد الشيخ يوسف الجربوع المسؤول عن دار الطائفة في مقام عين الزمان، ويتركز نفوذه الديني في مدينة السويداء والقرى الصغيرة المجاورة لها.

ماذا قال “الحناوي والجربوع”؟

وبعد ساعة من أحداث مبنى المحافظة وفي أعقاب بيان نشرته “داخلية النظام السوري” استضاف “التلفزيون السوري” الرسمي التابع للنظام السوري الشيخين الحناوي والجربوع، ضمن اتصال هاتفي، لإبداء التعليقات.

ودعا حمود الحناوي “الجميع للتهدئة وتغليب العقل والحكمة، لأننا في ظروف صعبة من جميع النواحي. هذه الظروف لا تواجه إلا بالصبر والتحمل وتقدير العواقب”، وفق تعبيره.

وأضاف: “نحن منذ بداية الأزمة ونحن ندعو للسلم الأهلي ووأد الفتنة وعدم الانجراف بالظروف القاسية الصعبة التي تؤدي إلى مثل هذه الأمور. أبناء السويداء على درجة كبيرة من الوعي والوطنية والمواقف، ولا يمكن أن يقبلوا بالخطأ ونشر الفوضى أن يحكموا المصلحة العامة ومصلحة الجميع”.

“الوضع متفاقم بالنسبة لحاجات الناس وصاحب الحاجة أرعن”، كما اعتبر هذا الشيخ، مشيراً: “الأمور وصلت إلى درجة لا يمكن أن تقبل للتحمل. ظروفنا من أصعب الظروف في السويداء وهذا لا يبرر الغلط. التصرف الذي جرى اليوم فوجئنا به”.

من جهته اعتبر يوسف الجربوع أن “الظروف الاقتصادية التي تمر على سورية والمنطقة بشكل عام شكلت ضغطاً على الناس، وعملت ردود أفعال سيئة، وهناك من استثمرها باتجاه التصعيد، ويكون بتخريب لمنشآت الدولة وهذا أمر مرفوض”.

وقال: “لو كانت المطالبة بشكل راقي دون أي مظاهر تخريب نقول إن هذه مطالب شعبية لتحسين الأوضاع الاقتصادية، لكن عندما توجهت لتخريب منشآت الدولة كان لها أهداف أخرى تسير من خارج سورية”.

وأضاف: “هناك من له مصلحة بتوتير الأوضاع الداخلية. أناس استغلوا الشباب التي لا خبرة لديها في الحياة، ولا تعرف عواقب الأمور من أجل تحقيق أجندات سياسية”، وفق تعبيره.

وتعتبر السويداء أبرز المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، التي تشهد خروج مظاهرات مناهضة له بين الحين والآخر. لكن الاحتجاجات الحالية تختلف عن سابقاتها من زاوية حرق صور الأسد، وإطلاق النار على المتظاهرين، من قبل قوات الأمن.

وسبق أن نفذ الأهالي احتجاجات، خلال الأشهر الماضية، بسبب أزمات اقتصادية، أبرزها مسألة فقدان مادة البنزين التي أدت إلى أزمة مواصلات حادة في المحافظة وعموم المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.

وبينما تتركز الهتافات ضمن الاحتجاجات على الواقع المعيشي المتردي، تنسحب في أوقاتٍ إلى المطالبة بإسقاط الأسد، وخروج روسيا وإيران بشكل كامل من الأراضي السورية.

“موقف مختلف من الهجري”

وكان للشيخ الهجري موقف مختلف إلى حد قريب، مما حصل من أحداث في محيط مبنى المحافظة، وصولاً إلى سقوط قتلى ومصابين برصاص أمن النظام.

ووصف مصدر مقرب من الرئاسة الروحية لطائفة المسلمين الموحدين الدروز، الممثلة بالهجري ما حصل اليوم بحراك سلمي عفوي من “شعب صامد هدّه الجوع والحاجة، وآلمته المزاودات واذته القسوة، وعدم الاستجابة لمطالبه المحقة من كل ما يعانيه من كل الجهات وعلى كل الجبهات”.

وقال المصدر لشبكة “السويداء 24″: لكن كالعادة تحاول بعض الجهات المشبوهة حرف الحقائق وتغيير العناوين، حيث جاء تصرفهم اليوم مع المواطنين بقمة السوء، حيث اندسوا بينهم وحاولوا إيذاءهم فاستعر الشارع بشكل عشوائي وحصل ما حصل”.

وشدد المصدر على رفض الرئاسة الروحية أي تحرك مسلح ضد الأهالي، وأضاف: “نرفض إراقة الدماء ونرفض أي تخريب للمتلكات العامة أو الخاصة، لأنها تخص الشعب كله. الناس بعفويتها والغضب الشعبي يتحرك بلا توجيه”.

وعبّر سوريون في مناطق مختلفة وعبر مواقع التواصل الاجتماعي عن تضامنهم مع المحتجين في السويداء، وبينما اعتبر بعضهم أن ما حصل “استكمالاً لمطالب الثورة السورية الأولى” جادل آخرون بأن الأحداث ترتبط بالأساس بالأوضاع المعيشية السيئة.

وتشهد المحافظات السورية، منذ أكثر من أسبوع أزمة غير مسبوقة، تجلّت بانعدام المحروقات، من بنزين ومازوت، ما انعكس على شبكة الكهرباء، الغائبة بالأصل، وشبكات الاتصالات الأرضية، والتي باتت خارجة عن الخدمة، بسبب انعدام مادة المازوت المغذية للمولدات.

المصدر السورية.نت
قد يعجبك أيضا