ما بين هجرة وعودة..سوريون في تركيا يبحثون خياراتهم

“تواجهني عراقيل في إمكانية إكمال دراستي الجامعية التي أُجبرت على تركها في سورية، وإن وجدت عملاً اليوم، فأنت غير محمي فيه، ناهيك عن الأزمة الاقتصادية وارتفاع أجور المعيشة بشكل كبير جداً، وفوق كل ذلك، أنت غير آمن قانونياً ولا مجتمعياً”.

بهذه العبارات، برر الشاب قاسم من أبناء ريف دير الزور، هجرته من تركيا، بعد وصوله الأراضي اليونانية قبل أيام، عقب محاولات دامت شهرين، ليبدأ اليوم، متابعة رحلته متوجهاً نحو هولندا، التي يعتبرها متميزة “بسرعة الحصول على حق اللجوء مقارنة بغيرها من الدول الأوروبية”.

ويؤكد الشاب لـ”السورية نت”، بعد أن طلب عرض اسمه فقط دون كنيته، بأن العشرات من معارفهِ، يخططون للرحيل، وتستمر محاولاتهم مع بدء فصل الصيف، وأنه على تواصل معهم، ومع أفراد عائلته التي ستسلك ذات الطريق “بعد أن سدت الأبواب أمامهم في تركيا”. حسب وصفه.

أهم الأسباب الدافعة إلى توجه الكثير من السوريين في تركيا، للبحث عن طريق للخروج منها، حسبما يقول بعضهم، هو خطاب العداء لهم الذي تقوده المعارضة التركية، وتصاعدهِ مؤخراً بشكل كبير، وسط توقعات بأن يزداد حدة في الأشهر القادمة، تزامناً مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية في البلاد، المقررة في يونيو/ حزيران 2023، إضافة لأسباب أخرى.

ما هي خياراتك؟

على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي مجالس السوريين المقيمين في تركيا فإن “سؤال: ما هي خياراتك الآن؟”، ومحاولة الإجابة عنه، يُطرح بشكل كبير، خاصة عقب سلسلة إجراءات وقرارات حكومية، وتصاعد حملات وخطاب الكراهية، تزامناً مع واقع معيشي متدهور، ونسبة تضخمٍ عالية يعيشها السوق التركي.

بات هذا السؤال، أساسياً لجلسات السوريين الخاصة، وحتى داخل أماكن العمل وفق ما يؤكده، الصحفي والناشط معاذ الطلب، مشدداً أن العنصرية ليست وحدها السبب.

وحول الأسباب الأخرى، يقول لـ”السورية نت”، إن من بينها “حملة التصعيد الكبيرة في القرارات الحكومية”. وضرب أمثلة حول ذلك بقرارات “منع السفر الداخلي، وإيقاف منح الكماليك، وتضيق النطاق الجغرافي لتسجيل القيود بدوائر النفوس، ورفض منح الإقامة السياحية، والتشدد في تجديدها”.

ويؤكد الطلب، المقيم حالياً في مدينة غازي عينتاب، أن الشغل الشاغل لكثير من السوريين اليوم – وهو من بينهم – البحث عن “أرض أخرى”، مشيراً إلى أنه يتابع بشكل يومي عبر مواقع التواصل، صفحات تتحدث عن الهجرة إلى أوروبا أو البرازيل والأرجتين، وعن تجارب ونصائح آخرين في هذا المجال، وكيفية الوصول.

وفي إجابة عن خياراته الأخرى، إن لم يتمكن من الهجرة لأوروبا أو إحدى دول القارة الأمريكية، يذكر الطلب أن “خياري الآخر، والأخير، هو العودة إلى سورية، والعيش في مناطق خارجة عن سيطرة نظام الأسد، لكن بالتأكيد، البقاء في تركيا ليست من ضمن هذه الخيارات”. حسب قوله.

نصيحة حقوقي

“انصحك ان تتقدم فوراً للحصول على جواز سفر، وأن تسعى للسفر إلى إحدى دول أمريكا الجنوبية، البرازيل الأرجنتين، تشيلي، الأورغواي، ماتدفعه للمهرب والسماسرة للهروب لأوروبا، أنت أولى به وأدخره لسفرك”.

بهذه العبارات، نصح مدير “تجمع المحامين السوريين”، غزوان قرنفل، الشباب السوريين في تركيا، عبر منشور على صفحته في فيسبوك.

ونوه الحقوقي المهتم في “قضايا اللاجئين السوريين”، إلى أن هذه النصيحة بشكل خاص، لمن لا يدرسون في الجامعات”.

الراهن والقادم

يقيم في تركيا أكثر من 3.7 ملايين سوري حسب الأرقام الرسمية، القسم الأكبر منهم يحمل بطاقة “الحماية المؤقتة” المعروفة باسم “الكيملك”.

وتصاعدت مشاعر العداء وحملات الكراهية ضد الوجود السوري في تركيا، مؤخراً، في تطورات اعتبرها باحثون، مرتبطة بشكل وثيق بتحريض أحزابٍ وشخصيات معارضة للحكومة التركية، التي تواجهاً تحدياً كبيراً في هذا الملف، الذي تزداد حساسيته مع اقتراب موعد انتخاباتٍ حاسمة بعد عام.

إضافة إلى ذلك، تشهد المدن التركية حالياً، خاصة الرئيسة، مثل اسطنبول وأنقرة، حملة أمنية موسعة ضد “المهاجرين غير الشرعيين”، حيث تشمل هذه الإجراءات، السوريين ممن يقيمون في ولايات أخرى، غير الولاية المسجلين فيها.

من جانب آخر، كشفت وزارة الداخلية التركية في فبراير/ شباط الماضي، عن “خطة تخفيف” تستهدف انتشار السوريين في عدة ولايات.

وبحسب التفاصيل التي أوردها تقرير لصحيفة “حرييت”، المقربة من الحكومة، حينها، فإن قرار الداخلية التركية ينص على منع الأجانب الحاملين لكل أنواع الإقامات، والسوريين المسجلين في البلاد تحت “الحماية المؤقتة”، من تقييد نفوسهم في 16 ولاية تركية، و800 حي في 52 ولاية.

وأوضحت الصحيفة أنه وفي حال تجاوز عدد السوريين 25 بالمئة من السكان في مكان ما، يُمنع الأجانب من تقييد سكنهم فيه، قبل أن تتخذ السلطات في الأيام الماضية المزيد من القرارات، إحداها تقليص النسبة المسموح بها لعدد السكان في الأحياء والولايات من 25%، إلى 20%، وبالتالي منع الأجانب من السكن في 1200 منطقة. 

الجميع مستهدف

سلط تقرير لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني، أمس الخميس، الضوء على واقع السوريين في تركيا، في ظل خطاب عنصري متصاعد ضدهم، ازدادت حدته مؤخراً.

وأشار التقرير أن السلوكيات العنصرية التي يشهدها الشارع التركي ضد السوريين، تشمل حتى التركمان منهم، والذين نزحوا من سورية إلى تركيا، خلال السنوات الماضية، رغم أنهم يشاركون الأتراك اللغة والعرق.

وإلى جانب التركمان السوريين، أكد التقرير أن سوريين كُثر في تركيا، بدأوا البحث عن طريق لمغادرة هذا البلد، لعدم تحملهم “التصريحات والمشاعر المعادية للاجئين في المجتمع التركي”.

والملاحظ في هذا المجال، أن خطاب العنصرية والكراهية واستفحاله، دفع العديد من الناشطين والفنانين والصحفيين والسياسيين الأتراك إلى الحديث عنه، محذرين من أن نتائجه خطيرة، وكارثية.

عودة.. بقاء.. هجرة

سؤال الهجرة لم يكن الوحيد، لكن هناك من السوريين في تركيا من يسأل عن مشروع “العودة الطوعية”، الذي أعلنت أنقرة نيتها تنفيذه، ويهدف لإعادة مليون سوري ممن يقيمون في الولايات التركية، إلى الشمال السوري.

وتُطرح أسئلة كثيرة بين السوريين حيال المشروع، وكيفية الحصول على شقة صغيرة من الوحدات السكنية التي تقول الحكومة التركية أنها ستشيدها في مناطق محددة من شمال غربي سورية، ويبلغ عددها نحو ربع مليون.

مشروع “العودة الطوعية” هذا، ورغم كل النقاط المثارة حوله، من بينها عدم وجود بيئة آمنة للعائدين، خاصة حيال قصف وهجمات نظام الأسد وحلفائه، إلا أن المناخ العام الرافض لوجود السوريين في تركيا، دفع بعضهم للتفكير بهذا الخيار، و”إن كانوا قلة، مقارنة بمن لديهم توجه للهجرة” خارج تركيا. حسب رأي الصحفي السوري المقيم في اسطنبول، جمال مامو.

الصحفي مامو  الذي تحدث قبل نحو أسبوعين في بثٍ مباشر على صفحته في “فيسبوك”، بعد تعرضه مع طبيب سوري لموقف عنصري أثناء جلوسهم في مكان عامٍ وسط اسطنبول، يؤكد أن “المعارضة التركية استغلت تصاعد الأزمة الاقتصادية في دول العالم، ومن بينها تركيا، كوسيلة إضافية لتحريض الأتراك ضد السوريين واللاجئين عموماً، رغم أنه لا ارتباط بين القضيتين”.

ويؤكد مامو في حديث لـ”السورية نت”، بأن التوجه الاساسي لدى قطاعات واسعة من السوريين في تركيا، خاصة الشباب، هو المغادرة نحو أوروبا “رغم الصعوبات والمخاطر والتكلفة الباهضة”، منوهاً إلى المجموعات التي زادت على وسائل التواصل، وتُعرض فيها تجارب محاولات الوصول إلى أوروبا، وطرق التهريب.

وتطرق مامو، إلى “الأحاديث التي بدأت تنتشر على هذه المواقع حول الهجرة إلى البرازيل، وتتحدث عن سهولة الوصول إليها وغياب العنصرية فيها، دون معرفة صحة هذا الكلام من عدمه، وهناك من يقدم نصائح بالتوجه إلى مصر”.

لكنه استدرك: “إلا أن السوريين المرتبطين بوجود أطفال في المدارس وأبناء في الجامعات، قد يكون خيار البقاء هو الأنسب لدى أغلبهم مبدئياً، ما يجعل الشباب هم الأكثر توجهاً إلى الهجرة حالياً”.

وحذر في سياق متصل، من أن الفترة القادمة، قد تشهد هجرة أصحاب رؤوس الأموال، الذي ستتأثر أعمالهم بالوضع القائم، كون أغلب اليد العاملة لديهم من السوريين، وكذلك منتجاتهم تقدم للسوريين وللعرب داخل تركيا، وبالتالي سيبحثوا عن أماكن أكثر استقراراً لاستثماراتهم.

السيئ والأسوء
يرى ذات المتحدث، أن “المزاج العام السائد (لدى سوريين كثيرين) هو مغادرة تركيا، والأجواء مسمومة بشكل كبير، والناس لا تشعر بالاستقرار، وعملية إصلاح هذا الأمر أصبح شبه مستحيل”.

وهذا الرأي قد يشاركه فيه الكثير من السوريين، ومن بينهم الشاب قاسم الذي وصل الأراضي اليونانية، بعد مكوثه 3 أعوام في تركيا، مؤكداً أنه لم يتخذ قرار الهجرة، إلا بعد أن وصل إلى قناعات بأنه “الذي جرى لا يمكن إصلاحه”.

وختم: “سوريون كُثر بينهم أفراد عائلتي، يعدون بدورهم العدة للرحيل، لديهم رأي بأن أمور السوريين إلى مزيد من التدهور، وقرار الهجرة السيء أصبح الحل الأنسب هروباً من الأسوء”، حسب تعبيره.

رغم ذلك، يراهن سوريون آخرون في تركيا، على تراجع خطاب الكراهية ضدهم، بعد انتخابات الصيف المُقبل.

منهم أنس أبو محمد(فضّل عدم ذكر عائلته) الذي يعمل في شركة انتاجٍ تلفزيوني بمدينة اسطنبول، ويأمل أن تخفت “حملة العداء ضد وجود السوريين بعد الانتخابات..آمل ذلك”.

ويبدو ذات المتحدث، من الذين حسموا خياراتهم، إذ يقول إنه لا يفكر بالسفر “إطلاقاً. بنتي وابني يدرسون في المرحلة الابتدائية هنا، ولا أستطيع المقامرة بمستقبلهم الدراسي، خاصة أن لا خيارات أمامي للسفر إلى أي مكانٍ آخر، وانتظر حصولي على الجنسية التركية قريباً”.

المصدر السورية نت
قد يعجبك أيضا