من أفسد لقاء أردوغان – الأسد؟

لم يعمر طويلا “ربيع” التقارب بين أنقرة ودمشق ورهان موسكو وطهران بدعم بعض العواصم العربية، على قمة تركية – سورية تجمع أردوغان بالأسد وتعطيهما مزيدا من الثقل والدور في سوريا.

أبدت القيادة التركية “نوايا حسنة” باتجاه قبول الذهاب إلى الطاولة الرباعية والجلوس لمحاورة النظام، على أمل تحريك ملف المرحلة الانتقالية السياسية في سوريا فلم تصل إلى نتيجة. اعتبر النظام في دمشق جلوسه أمام الوفد السياسي والعسكري التركي في موسكو انتصارا له يمكنه من فرض شروطه ومطالبه على أنقرة التي أعلنت أنها بدأت تراجع سياستها في إطار التحولات الحاصلة في ملفاتها الخارجية ككل.

سقطت رسائل الانفتاح التركي حيال الطاولة الرباعية في موسكو التي تجمع المسؤولين السياسيين والعسكريين الأتراك بقيادات النظام السوري وبمشاركة إيرانية في أول امتحان توتر أمني وميداني.

لم تصل أنقرة إلى ما كانت تريده في خطط المنطقة الآمنة والعازلة ودعم تمويل تسهيل عودة مئات الآلاف من السوريين لبلادهم، لكنها ليست جاهزة أيضا للإصغاء إلى من يطالبها بمغادرة الأراضي السورية لمجرد إرضاء الأسد ووسط خريطة سياسية ميدانية تزداد تعقيدا وفيها كثير من الأخطار على أمنها وحدودها. الدليل على ذلك هو تسريع تفعيل قرار البرلمان التركي بتمديد عمل القوات التركية في سوريا لعامين إضافيين وسط كل هذا الحراك من حولها في المشهد السوري.

الإجابة على سؤال من سيطيح بسيناريو لقاء أردوغان – الأسد الذي كانت موسكو وطهران تعدان له بصبر وحذر منذ عام تقريبا يحمل معه اليوم أكثر من احتمال:

من البعيد يبدو أن طهران هي من فعلت ذلك بسبب مغامرة استهداف الجنود الأميركيين في الأردن والرد في سوريا. نظرة أكثر دقة وتعمقا تعكس وجود احتمال آخر يقول إن واشنطن هي من سيفعل ذلك بعد حصولها على فرصة خلط الأوراق وإعادة ترتيب المواقع والاصطفافات في الملف السوري.

روسيا وإيران يضغطان على أنقرة لقبول الحوار السياسي المباشر مع النظام في دمشق. أنقرة تضغط على واشنطن لإعطائها ما تريد في سوريا إذا ما كانت تريد منها تبديل مواقفها وسياساتها هناك. واشنطن ومن خلال العمليات العسكرية ضد إيران في أكثر من مكان كما تردد، ستحظى بفرصة تغيير المعادلات والتوازنات والضغط على الجميع للتعامل مع مسار سوري جديد.

هل يهاجم حلفاء إيران حلفاء واشنطن في سوريا عند تحرك المقاتلات الأميركية والصواريخ البعيدة المدى؟ هل سيتحرك النظام للدفاع عن حلفائه وشركائه من خلال التصعيد العسكري ضد قسد في شرق الفرات؟ أم هو سيختار الرد في إدلب بقرار إيراني روسي لتمرير رسالة أنه على تركيا وحلفائها عدم محاولة استغلال الوضع الميداني وتحريك الجبهات؟ هل هذا قد يكون أيضا بين الأسباب الإضافية التي تدفع أنقرة لتجاهل المطالب الروسية الإيرانية بالعودة إلى طاولة الحوار مع النظام؟

اشتعال الجبهات السورية عند تحرك المقاتلات الأميركية لاستهداف المواقع الإيرانية أو تحصينات المحسوبين عليها في سوريا احتمال وارد. من سيهاجم من؟ ومن سيتحالف مع من؟ وكيف ستتشكل المحاور الجديدة هناك؟ هذا بين ما ترصده أنقرة عن قرب أيضا. وربما لذلك هي حذرة في الاستجابة للعروض الروسية والإيرانية في العودة إلى طاولة الحوار الرباعية والانفتاح على النظام من جديد.

ما هي العلاقة بين الأنباء التي تتحدث عن تفاهمات إقليمية حول انطلاق مرحلة انتقالية جديدة في سوريا وبين سيناريو دخول واشنطن على الخط عبر عملياتها العسكرية ورسائل التصعيد التركي الأخير حيال النظام في دمشق؟

كيف ستتعامل موسكو مع تطورات من هذا النوع؟ ولماذا تفتح الطريق أمام مشروع يعطي أميركا والغرب مثل هذه الفرص على حساب ما بنته منذ عقود في الداخل السوري للإمساك بخيوط اللعبة وتحريكها هناك؟ ربما هي قد تقول نعمل لسيناريو بهذا الاتجاه يساعدها على الخروج من الورطة السورية من خلال تحريك فرصة الطاولة الثلاثية التركية الأميركية الروسية على طريق الحلحلة هناك. وقد يكون فرصة استراتيجية لحلحلة تعقيدات في ملفات إقليمية ودولية أخرى.

قد لا تخرج روسيا أقوى مما هي عليه اليوم في سوريا، إذا ما حصلت تفاهمات جديدة من هذا النوع ترضي كثيرا من اللاعبين. لكن الثمن الذي ستدفعه سيكون باهظا أيضا: التضحية بنظام بشار الأسد وعلاقتها بإيران في سوريا من أجل بناء منظومة علاقات إقليمية جديدة تفتح الطريق أمام لعبة مقايضات وصفقات سياسية وأمنية إقليمية أوسع بينها ملف القرم والقوقاز والبحر الأسود والتوسعة الأطلسية وكلها ساحة مواجهة وتسخين مع الغرب تعقد الأمور أكثر فأكثر ومن الممكن التهدئة فيها عبر التضحية بورقة النظام في دمشق.

“خطة” أميركية من هذا النوع فيها كثير من النقاط الغامضة طبعا حول البدائل السياسية والدستورية في سوريا، ومصير مشروع “قوات سوريا الديمقراطية” في شرقي الفرات، وكيف سيكون شكل العلاقة الإقليمية مع إيران وحلفائها المحليين في سوريا والعراق ولبنان واليمن؟

المؤكد في الشق التركي هو تراجع أنقرة عن “الحماس” الذي عاشته في العام المنصرم باتجاه الانفتاح على بشار الأسد كبديل يعطيها ما تريد بضمانات روسية إيرانية عربية. لكن الغامض هو هل هناك مشروع أميركي من هذا النوع نوقش مع أكثر من طرف وحظي بالقبول والدعم يقود إلى خلط كل الأوراق السياسية والميدانية في سوريا؟

ذهاب أنقرة إلى الآستانة لا يمكن فصله عن أسباب ذهابها إلى الطاولة الرباعية. لكن عدم حصولها على ما تريده بعد سنوات من الشد والجذب مع موسكو وطهران باتجاه التهدئة في شمال غربي سوريا، وتجنيب منطقة إدلب وجوارها الانفجار، ومحاولة الوصول إلى خريطة طريق المرحلة الانتقالية عبر الحوار والتفاوض على أساس تنفيذ بنود القرارات الأممية وعلى رأسها القرار 2254، هو الذي سيدفعها للبحث عن خيارات وبدائل جديدة تناقشها مع لاعبين آخرين.

بعض الوقت وتتوضح الأمور حيال وجود “طبخة” سورية جديدة على النار الأميركية هذه المرة. وحيث لن تقبل أنقرة بالمغامرة والسير في المجهول وتعريض علاقاتها مع روسيا للخطر حتى ولو حصلت على ضمانات إقليمية تتعلق بإزاحة حكم بشار الأسد. فهي تريد إجابات واضحة ومحددة حول كيف سيكون شكل المرحلة الانتقالية في سوريا والتسوية السياسية التي ستشمل حتما تكليف حكومة مؤقتة تقود خريطة طريق التحولات في البلاد؟ وأين وكيف ستحدد حصة قسد ومشروعها؟ وهل ستقبل قوى المعارضة السورية بإسقاط الهيمنة الإيرانية والتراجع الروسي مقابل فتح الأبواب أمام مزيد من النفوذ الأميركي؟ ثم من الذي سيثق بواشنطن عبر خطة من هذا النوع؟ فهي حتى ولو صعدت عسكريا ضد إيران وحلفائها المحليين في المنطقة لن تتردد في عقد صفقات اللحظة الأخيرة كما فعلت في لبنان والعراق غير عابئة بما شيدته من منظومة علاقات مع العديد من دول المنطقة.

لا مشاريع في سوريا قبل معرفة كيف ستتصرف واشنطن بعد استهداف جنودها على الحدود الأردنية السورية. فهل ستكتفي بعملية رد محدود على إيران أم هي ستحرك الملف السوري بكامله ليكون ورقة انتخابية قوية بيد بايدن الذي يتراجع يوما بعد يوم بسبب سقوطه في مصيدة غزة؟

المصدر تلفزيون.سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا