موسكو: مضى زمن الأسد؟

تجاهل الكرملين وإعلامه أنباء الإحتجاجات السورية الأخيرة على تدهور الوضع المعيشي وانهيار الليرة السورية ، وبقي اهتمامه شبه محصور بالحدث الليبي وتأثيراته السلبية المحتملة على الوجود الروسي في سوريا والمنطقة . واللافت في هذا الصدد ، أن إعلاميين  روس معروفين قاربوا الحدث الليبي من زاوية الصراع المستمر في سوريا . فقد كتب المتابع للشأن السوري في صحيفة القوميين الروس “sp” زاور كارايف في 7 الشهر الجاري يقول ، بأنه إذا ما حاول الكرملين تطبيق السيناريو السوري في ليبيا ، فسوف يصطدم بمشاكل كبيرة ، إذ أنه لا يملك الحجة الوازنة المتمثلة بدعوة السلطات الرسمية له للدخول، كما في سوريا . صحيح أن الأسد كان يكرهه الجميع عشية دخول روسيا ، إلا أن أحداً لم يكن بوسعه الإعتراض على صفته الرسمية. أما خليفة حفتر فهو رسمياً لا أحد ، ولم يمنحه أحد الحق بتنصيب نفسه ديكتاتوراً على ليبيا ، وبالتالي ، فإن تأييد مثل هذه الشخصية ، ليس السيناريو الأفضل ، سيما أنه عمل لفترة طويلة مع المخابرات الأميركية ، مما يخلق مخاطر جدية بالنسبة للكرملين.

ويقول هذا الإعلامي أن موسكو تتنازع ليبيا مع تركيا ، بصورة أساسية ، ولدى أنقرة مع موسكو قصة غير منجزة في سوريا ، هي إدلب . وتنازلات محددة من قبل موسكو في ليبيا ، سوف تمنحها إمكانيات واسعة في إدلب . فالأتراك ، وفي مطلق الأحوال ، لن يصلوا إلى النفط السوري ، وبالتالي ، فإن احتفاظهم بإدلب وبجزء من حلب ، لن يعود عليهم سوى بالخسارة إقتصادياً . أما في ليبيا ، فالأمر مختلف كلياً ، حيث يمتلك إردوغان إتفاقية مبرمة مع فايز سراج حول تسويق النفط الليبي عبر تركيا . لكن بالنسبة لموسكو فليس لديها في ليبيا ، حتى الآن ، إمكانيات واسعة، على العكس مما في سوريا ، وبالتالي ، فإن التنازلات هناك من شأنها أن تمنحها إمكانيات تسوية الوضع في إدلب بسرعة .

في العودة إلى الشأن السوري ، فقد بقي صمت الكرملين وإعلامه شبه مطبق بشأن احتجاجات السوريين ، على الرغم من أن هذه الإحتجاجات تخطت درعا والسويداء وريف دمشق ، وبلغت وسط دمشق ، على ما ذكرت مواقع السوشال ميديا السورية الثلاثاء في 9 الشهر الجاري ، حين ثارت ثائرة مواطن سوري على غلاء الأسعار ، وشتم الأسد ونظامه وسط دهشة السوريين من حوله .

قد تكون صحيفة القوميين الروس المذكورة هي الوحيدة ، التي خرقت صمت الكرملين هذا ، حين نشرت  في 8 من الشهر الجاري لكاتبها المذكور أيضاً مقالة بعنوان “السوريون يتمردون مجدداً : الأسد – إلى الإستقالة ، الروس – إرحلوا من هنا” ، أُرفق بعنوان ثانوي “صدامات واحتجاجات في المناطق ، التي يسيطر عليها الرئيس” . ويقول بأنه يبدو أن المشاكل في سوريا لن تنتهي أبداً ، مما يعني أنه ليس لدى روسيا أفاقاً واسعة هناك ، وما يجري الآن يقول بضرورة تغيير الكثير في هياكل السلطة السورية . فإضافة إلى الأميركيين والأتراك والإيرانيين والأسديين والإرهابيين وسواهم من القوى الأخرى الكثيرة ، برز لدى الروس وجع رأس آخر ، تمثل في السوريين ، الذين عادوا منذ  سنوات إلى حضن السلطات الشرعية . ويأخذ الكاتب على هؤلاء السوريين ، بأنهم عاشوا سنوات تحت سلطة “الإرهابيين والمعارضة المسلحة” ، ولم يفكروا بالإحتجاجات ، لأنهم لم يكونوا يسمحوا لهم بذلك ، كما يبدو، لكن مع مجيئ الأسد برزت مجدداً ، برأيه،  إمكانية الإحتجاج .

وبعد أن يستطرد الكاتب في الحديث عن ما يجري منذ قرابة الشهر في جنوب غرب سوريا من “إضطرابات جدية”، يقول بان كل شيئ يبدأ مجدداً من درعا ، التي انطلقت منها العام 2011 الثورة السورية وتطورت إلى حرب أهلية حولت سوريا مؤقتاً إلى ليبيا ، ثم إلى شبيه ما بالعراق ، حيث الأميركيين والأتراك والأكراد مع دولتهم المعلنة ذاتياً . القصة تتكرر من جديد ، برأيه، ولا يتردد في وصف ما يجري بأنه “الإرهاب بعينه” ، أو محاولة أخرى  لبدء “حرب تحرير” جديدة.

يعرج الكاتب في حديثه  على احتجاجات السويداء ، ويقول بأن الناس كانوا هنا أكثر صراحة ، إذ لم يحتجوا فقط على غلاء الأسعار وخلو جيوبهم من النقود ، بل دعوا صراحة لإسقاط الأسد ، ولم ينسوا الأجانب ، ليس كل الأجانب ، بل الروس والإيرانيين حلفاء الأسد ، من دون أن يأتوا على ذكر الأتراك والأميركيين. ويرى أن مشكلة الإحتجاجات تتمثل في توسع جغرافيتها ، وانتقالها من مدينة إلى أخرى ، تماماً كما حدث في العام 2011 ، حيث بدأ كل شيئ من درعا ، وانتقل لاحقاً إلى بقية المدن والمناطق السورية .

ويتساءل الكاتب عما يقوله كل ذلك لروسيا ؟ ويرى أن المقالات ضد الأسد ، التي نُشرت منذ فترة قريبة في مواقع إعلامية موالية للكرملين ، لم تكن نتيجة خطأ أو خلاف بشأن نسيب الأسد رامي مخلوف ، بل كانت خطوة مهمة ، ولسبب جدي ، أمكن معالجته خلال أسبوعين. أما استياء السكان من الأسد ، الذي تحدثت عنه المقالات المذكورة ، فهو استياء موجود فعلاً ، ومن المستبعد إمكان التخلص منه بالقوة الخشنة . فالسوريون الذين عرفوا كل فظائع الحرب ، من المستبعد إمكان تخويفهم بالعسكر ، بل سيدفعهم ذلك ، على الأرجح،  إلى عدوانية أكثر ، مما يحتم بالتالي البحث عن وسائل أخرى مختلفة .

ويرى الكاتب أن الحل الأفضل يتمثل ، بالطبع ، في إحياء الإقتصاد وتثبيت سعر صرف الليرة السورية وتوفير فرص عمل ، وما إلى ذلك ، لكن من المستبعد إمكان تحقيق ذلك خلال السنوات العشر القادمة . ولا يتبقى ، بالتالي ، سوى القليل من الوسائل . وقد يكون من الأفضل بالنسبة لروسيا فيما لو ظهر في منصب الرئاسة السورية شخص آخر غير الأسد .  فالإنتخابات الرئاسية السورية قريبة في العام 2021 ، فليمض الأسد سنته الرئاسية الأخيرة هذه ، وليرحل في ما بعد . وليبق يعمل ، على ألا يتولى مناصب رسمية . فالمشكلة ، برأي الكاتب ،  في أن صورة الأسد ترتبط لدى الكثيرين من السوريين بالدمار والمصائب والفقر ، خاصة لدى الأشخاص ، الذين في سن 18 وأكثر بقليل . فالجزء الأعظم من حياة هؤلاء الواعية مضى في ظروف الحرب ، وفي ظل بشار الأسد رئيساً لسوريا . فمن المستبعد أن تحب رئيساً ، حتى لو كان أفضل من الأسد بكثير، إذا ما كان في حوش منزلك حفرة انفجار بدلاً من ساحة للعب الأطفال ، وبدلاً من شباك المنزل أكياس نايلون تستر الفجوة ، التي تشكلت في الجدار . كما من المستبعد أيضاً أن تحب رئيساً إذا لم يكن طفلك قد أكل حتى الشبع منذ ولادته ، وإذا كان والداك العجوزان قد ماتا في العوز والإذلال. لعله يكون من العقلانية أكثر، برأي الكاتب،  لو تم تجديد السلطة ، وتنصيب شخص ليس مرتبطاً لدى السوريين بالمصائب والمشاكل ، حتى لو كان النسخة السورية (لرئيس الوزراء الروسي السابق) ديمتري ميدفيديف ، لكن في ظل التقديم الحذق له ، سوف يتمكن ، على الأقل، من تخليص سوريا من الإحتجاجات ، التي ليست موسكو أيضاً بحاجة لها مطلقاً.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا