نظام الأسد.. الموقف أخلاقي

المُضحك المبكي في المؤتمر الصحفي المنفرد الذي عقده بعد إنتهاء لقائه مع نظيره الأميركي، جو بايدن، أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كان يتحدث عن حقوق الإنسان بطريقة أشبه برئيس لجمعية أو مؤسسة تعمل في مجال الحريات العامة ودعم الديمقراطيات، فيما سِجل بلاده الداخلي والخارجي حافل بالتجاوزات التي ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية وسوريا مثال على ذلك.

فالناشط الحقوقي فلاديمير بوتين الذي طالب بالعدالة للضحايا الأفغان الذين سقطوا في أحد الأعراس نتيجة لقصف جوي أميركي، ما لبثت القيادة المركزية الأميركية أن اعترفت بخطأها، ومن ثم وجه سهام انتقاداته إلى ما وصفه بالحالة غير القانونية لسجن غوانتانامو، كأنه نسي أو أراد أن يتناسى سجل بلاده في حقوق الإنسان والتصفيات التي تعرض لها خصومه السياسيين أو المنشقين، وأحكام السجن والاعتقالات للمعارضين التي كان آخرها الحكم بالسجن على زعيم المعارضة ألكسي نافالني، والأخطر ما ارتكبه الجيش الروسي في العاصمة الشيشانية غروزني، وتبقى الفاجعة الأكبر الجريمة السورية.

لا يستطيع فلاديمير بوتين أن يذر الرماد في العيون، ويتكلم بكل صلافة أمام صحفيين دوليين يمكنهم أن يقدموا له قائمة بما فعلته روسيا من أجل الحفاظ على نظام الأسد، فالحديث عن غوانتانامو لا يقارن بما جرى ويجري في فرع فلسطين وسجن عدرا وتدمر، وحرب أفغانستان التي سقط فيها ضحايا مدنيين تختلف عن الحرب على المدنيين في سوريا، لذلك تتجلى الأزمة ما بين الإدارة الأميركية الجديدة والقيادة الروسية في حساباتها الأخلاقية.

يرى فلاديمير بوتين المذبحة السورية جريمة تسقط بالتقادم، لا يجد أي حرج أخلاقي ليطلب من نظيره الأميركي إعطاء فرصة جديدة لرأس النظام السوري بشار الأسد، حيث تقول تسريبات إن بوتين لف ودار لمدة 10 دقائق يتحدث فيها عن أهمية إعادة تعويم الأسد، من دون جدوى، فقد صدم بجواب حاسم من بايدن يرتبط بحجم الجريمة التي ارتكبها الأسد، وأن المسألة أخلاقية.

يقول الكاتب حسين عبد الحسين في صحيفة الرأي الكويتية عن كواليس قمة جنيف إن “بايدن لم يفند النقاط التي استعرضها بوتين حول فوائد إنهاء عزلة الأسد ورفع العقوبات عنه وعن نظامه، واكتفى بالإشارة إلى أن ما فعله الأسد أفقده ثقة العالم، وأن التعامل معه لم يعد جائزا أخلاقيا”.

يأتي الموقف الأميركي الرافض لفكرة إعادة تعويم الأسد ونظامه ليقطع الطريق على محاولات بعض الأطراف العربية التي عملت مع موسكو في الآونة الأخيرة من أجل إعادته إلى الجامعة العربية، والتعاون مع نظامه تحت ذريعة ضرورة تعزيز الحضور العربي في هذا المرحلة التي تشهد إعادة تموضع إقليمي، يستدعي وفقا لمبررات دعاة هذا الطرح التحرك لعدم ترك الورقة السورية بأيدي غير عربية.

فكرة الترويج لدور عربي في سوريا بدأت مع التدخل العسكري الروسي في أيلول 2015 الذي نجح في تغير الوقائع الميدانيه لصالح ميليشيات النظام، إضافة إلى المساعدة في صفقة أدت إلى تسليم الجنوب السوري إلى الروس سنة 2017، وقيام إدارة ترمب بوقف مشروع التدريب الخاص بمقاتلي المعارضة السورية، والترويج لانسحاب إيراني من الجنوب السوري بعمق 85 كلم تم تنفيذه نظريا فقط أما واقعيا فإن الميليشيات الايرانية موجودة في الجنوب والجولان تحت غطاء خبراء يعملون مع قوات النظام، إضافة إلى الحضور العسكري والاجتماعي والاقتصادي الإيراني في دمشق وكافة المدن المُسيطر عليها، والذي لا يمكن منافسته ولا يملك أي طرف القدرة على احتوائه.

وبناء عليه لا تبدو الإدارة الأميركية أقله في هذه الفترة مستعدة للقيام بصفقة مع الروس في سوريا، فالأسد بضاعة كاسدة لا يمكن بيعها أو مقايضتها، واشنطن غير معنية بشراء هذه الأنواع من البضائع، في الوقت الذي تواجه بوتين مباشرة بقضايا حقوق الإنسان والحريات وتربطها بالموقف الاخلاقي.

المصدر الحرة


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا