“الزول” حميدتي والتطبيع

أعلن نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في حديث له مع قناة تلفزيونية سودانية قبل يومين، أن بلاده سوف تقيم علاقات مع إسرائيل، للاستفادة من إمكاناتها المتطورة، على حد قوله. ولعله من الطريف أن حميدتي لا يعتبر هذا تطبيعاً، وإنما مجرّد علاقات عادية! ويبدو أنه لا يعرف أنه لا يوجد فرق بين الأمرين، أو أنه يعرف ولكنه يتناصح ويتذاكى علينا.

حميدتي، الطامح إلى رئاسة السودان ولو بعد حين، يعرف جيداً أن الطريق إلى السلطة لابد وأن يمر عبر بوابة تل أبيب، تماماً كما يفعل بقية أقرانه من الحكام العرب، سواء الذين طبّعوا قبل عقود، أو من ينتظرون دورهم في التطبيع، كما الحال مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي يبدو على أتم الاستعداد لمقايضة عرش بلاده بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، ولكنه ينتظر اللحظة المناسبة للقيام بذلك.

تحدّث حميدتي بقدر عالٍ من الصراحة، وأحيانا الوقاحة، مبرّراً تطبيع بلاده بأنها ليست البلد الوحيد الذي يفعل ذلك، وأن بلاده ليست أقلّ أو أفضل ممن طبّعوا مع إسرائيل، خصوصا البلدان التي لها حدود مع إسرائيل، مثل مصر والأردن. وكأن لسان حاله يقول “لن أكون ملكيا أكثر من الملك”. الأكثر من ذلك أن يتحدث حميدتي بجرأة، متحدّياً أي “زول” أن يقف ضد مسألة التطبيع، قائلاً، حسبما نقلت صحيفة “العربي الجديد”، “نحن نحتاج إلى إسرائيل بصراحة، ولا خايفين (خائفين) من زول (أي رجل)، عايزين علاقات وليس تطبيع، وماشين (مواصلين) في هذا الخط”. ثم وصل حميدتي إلى بيت القصيد، أن رفع اسم بلاده من قوائم الإرهاب الأميركية مرتبط بالتطبيع مع إسرائيل.

يرى “الزول” حميدتي أن التطبيع مع الكيان الصهيوني سوف يفتح آفاقاً جيدة من التعاون، كون لدى إسرائيل إمكانات متطوّرة في التكنولوجيا والزراعة تحتاجها بلاده، قائلاً “كل العالم شغّال مع إسرائيل، والدول العظمى شغّالة مع إسرائيل من ناحية تقنية، ومن ناحية زراعة”. بيد أن ما قد يُحسب لحميدتي أنه كان أكثر جرأةً وشجاعةً، وإنْ في خيبة الأمل، من أقرانه الإماراتيين الذين حاولوا مداراة اتفاق تطبيعهم مع إسرائيل بمسألة مخطط وقف الضم الاستيطاني في الضفة الغربية، والذي نفاه أيضا قبل يومين السفير الأميركي لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، الذي قال إنه تم تأجيل الأمر عاما وليس إلغاءه.

التقى رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، قبل أيام في أبوظبي، مسؤولين أميركيين، وفي الغالب أيضا إسرائيليين، من أجل التفاوض بشأن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، الموضوع عليها منذ أكثر من ثلاثة عقود. وقيل إن ضغوطا مورست على الرجل من أبوظبي، من أجل ربط المسألة بالتطبيع والحوافز المادية. وأُشيع أنه رفض الأمر، ليس لأنه ضد التطبيع، بل لأن المقابل المادي لم يكن مجزياً، حيث عُرض عليه حوالي مليار دولار معظمها من أبوظبي، في حين طلب البرهان أن يتم رفع المبلغ إلى أربعة مليارات دولار، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز. ولكن يبدو أن حميدتي قد أقنع البرهان بالمليار دولار كبداية. ولِمَ لا وهو تاجر المواشي والذهب والمرتزقة الذي لديه قدرة هائلة على التفاوض في أمور البيع والشراء، وإنْ في المواقف السياسية. ناهيك عن أن قيامه بذلك سوف يجعله يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فمن جهة سوف يقدّم نفسه للإسرائيليين والأميركيين والإماراتيين بأنه الشخص الذي يمكنه عقد الصفقات وتخليصها، وبالتالي يرفع أسهمه لديهم لدعمه في حلم الرئاسة الذي يراوده. ومن جهة أخرى، سوف يقدّم نفسه للسودانيين باعتباره الذي ساعد بلادهم على رفع اسمها من القائمة الأميركية للإرهاب، وبالتالي الحصول على أموال ومساعدات خارجية تساعدهم في الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمرّ بها بلادهم. وقد وصلت الجرأة بحميدتي أنه لم يُعر اهتماماً للسودانيين الرافضين للتطبيع، معتبراً أنه لا يجب على أحد منهم أن يتحدّث، كونه لا يحمل تفويضا من الشعب السوداني. وكأن حميدتي ورفاقه الجنرالات قد جاؤوا إلى السلطة من خلال الانتخابات!

أما موقف رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، فيبدو خجولاً ومخجلاً. للرجل تصريحات يرفض فيها الربط بين رفع اسم بلاده من قائمة الإرهاب والتطبيع مع إسرائيل. وقال إن مسألة التطبيع بحاجة إلى نقاش مجتمعي عميق، على حد تعبيره. ولكنه لا يستطيع أن يوقف عجلة التطبيع التي تجري على قدم وساق من وراء ظهره. في حين أنه الشخص الوحيد الذي في وسعه أن يقوم بذلك، أو على الأقل يعطله حتى وجود ممثلين حقيقيين عن الشعب السوداني، فحمدوك جاء إلى السلطة على أكتاف الثورة، وهو، في هذه المرحلة، يمثل المكوّن المدني المفترض أن يتولى دفّة الأمور بعد نهاية الفترة الانتقالية الحالية. ولكن يبدو أن الموضوع أكبر منه، وأكبر من أحلام الثورة السودانية وطموحاتها وشعاراتها، الثورة التي بدأت في الخفوت، وقد يتم تشييع جثمانها قريباً.

المصدر العربي الجديد


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا