تعزيز الكوادر الصحية أولوية للجهات الطبية شمالي غربي سورية

يتجهز 20 طبيباً لدراسة مرحلة “الماجستير” تخصص “الصحة العامة والسياسات الصحية”، في جامعة “أنقرة يلدرم بيازيت” التركيّة، بموجب منحة دراسية تشرف عليها “مديرية صحة إدلب”، بالتشارك مع الرابطة الطبية للمغتربين السوريين “سيما”، ومنظمة “الهلال الأحمر القطري”، وسط مساعي السلطات الصحية في منطقة شمال غرب سورية، إلى رفد كوادرها الصحية، خاصةً مع تفشي جائحة “كورونا”.

وبسبب ظروف الحملات العسكرية وموجات النزوح واستهداف المنشآت والكوادر الطبية من قبل قوات النظام وروسيا بشكل ممنهج ومباشر، كان تأمين الكوادر الطبية والحفاظ عليها مسألة شائكة ومعقّدة من قبل القيمين على الشأن الصحي في محافظة إدلب وأرياف حلب، إذ إن حماية الكوادر الطبية وعلى رأسهم الأطباء والكوادر الداعمة لهم، لم تكن قضية ممكنة مع استمرار عمليات القصف، الأمر الذي ساهم في استنزاف للقطاع الطبي وفقاً للإحصاءات الصادرة.

ومطلع شهر يونيو/ حزيران الماضي، تم الإعلان عن بدء التسجيل لدراسة “الماجستير” وفق المنحة المعلن عنها، كما وضعت عدة معايير، أبرزها تصريح العبور إلى تركيا، وشهادات علمية وخبرة واجتياز امتحان اللغة، والتعهد بالالتزام في الدوام المحدد من قبل الجامعة.

وحسب المعلومات المعلنة عن ماجستير “الصحة والعامة والسياسات الصحية”، فإنّ مدة الدراسة سنتان (24 شهراً)، والنظام ما بين (الفيزيائي والدراسة عن بُعد)، إذ ستقتصر أيام الدراسة الفيزيائية في الجامعة على أربعة  أيام فقط خلال الشهر، في حين أنّ باقي المتطلبات الدراسية ستكون “عن بُعد” وفقاً للقائمين على المنحة.

مميزات البرنامج

تعتبر المنحة الدراسية، أول برنامج تعليمي أكاديمي من هذا النوع يتوفر لكوادر صحية في الداخل السوري ومنطقة شمالي غربي سورية، كما أنّ هذه المرة الأولى التي تتعامل فيها جامعة “يلدرم بيازيت” التركيّة مع الشأن السوري.

وتشمل المنحة أطباء وأطباء أسنان وصيادلة عاملين في الداخل، إلى جانب آخرين عاملين في منظمات ومؤسسات حكومية سورية تنشط في الجنوب التركي.

يقول منسق قسم التعليم والتدريب الطبي في الرابطة “سيما”، الطبيب محمد حسان، لـ”السورية.نت”، إن “أهمية البرنامج تبرز من كونه يستهدف كوادر صحية خاضت العمل الطبيّ خلال سنوات الحرب وكان لها تجربة واسعة على الأرض، في وقتٍ غابت فيه المعرفة الأكاديمية في إدارة هذا القطاع وحوكمته، إذ من المهم أن يكون الدور الريادي سورياً بكوادر وطنية محلية، على اعتبار أنّ هذه المواقع في العمل الطبي كانت مقتصرة ـ ما قبل الثورة ـ على الدائرة المقرّبة من النظام السياسي في سورية دون وجود تكافؤ في الفرصة أو الأولوية لأصحاب الكفاءات”.

ويشير إلى أنّ “أبرز مميزات البرنامج توفيره دراسة للكوادر الصحية العاملة في منطقة شمالي غربي سورية وهم على رأس عملهم في الداخل، إذ يمكن للمتدرّب أن يجمع ما بين عمله ومهماته ودراسته وبناء شخصيته الأكاديمية، ضمن ما يعرف بـ(نظام التعليم المُدمج)، وكلها ستعود بالنفع أخيراً للقطاع الصحي داخل سورية”.

ويتطلع القائمون على المنحة، إلى ضرورة الحفاظ على الكوادر الطبية المحليّة ورفدها بكفاءات ودرجات علمية عريقة، دون أن تضطر لمغادرة المنطقة بصورة نهائية.

وفي ذات الوقت، يلتزم البرنامج الدراسي في خطته، على المناخ العملي والعملي القائم في منطقة شمالي غربي سورية، وبناءً عليه يعمل وفق الدكتور محمد حسان، على تأهيل الكوادر وتقويتهم أكاديمياً لمساعدتهم في بناء نظام صحي متوافق مع متطلبات الواقع في الداخل السوري، ويجنّبهم الكثير من البرامج الجاهزة التي لا تنسجم مع خطة وظروف العمل في المنطقة.

وتأسس قسم التعليم والتدريب في “الرابطة الطبية للمغتربين السوريين”(سيما)عام 2012 في ضوء الحاجات الإنسانية المتزايدة والاستهداف الممنهج للمرافق الصحية ومقدمي الخدمة الإنسانية الطبية في سورية، ويهدف إلى بناء قدرات الكادر الطبي وتطوير جودة الخدمات الصحية والتمكين الاقتصادي للشباب.

عودة بعد انقطاع

الطبيب واصل الجرك، خريج جامعة حلب (كلية الطبّ) عام 2009 كان قد بدأ في ذات العام تخصص “جراحة عامة”، إلا أن عمله في المستشفيات الميدانية بداية الثورة السورية حالت دون إكمال تخصصه واضطر إلى ترك الجامعة، بسبب الملاحقة الأمنية من قبل أجهزة أمن النظام، واستمر في مجال الجراحة العامة إلى جانب العمل الإداري في صفوف مديرية الصحة في إدلب.

وممّا سبق، انطلقت ضرورة دراسة الماجستير لدى الجرك، على اعتبار أن التخصص يلبي طموحه في دراسة الصحة العامة كما يقول، إضافةً إلى رفد هذه التجربة بمعرفة علمية وتجارب سريرية لبناء النظام الصحي في مناطق شمال غرب سورية.

وحول تصوره للتخصص الجديد وآماله المبنية عليه، يقول لـ”السورية.نت”، إن “الهدف تطوير خبراتنا ومهاراتنا بناءً على أسس علمية نبني عليها”، معبراً عن أمله في “المساهمة من خلال دراستنا في إعادة بناء النظام الصحي في سورية، لنستفيد من الموارد بشكل أمثل ونحقق فعالية للتمويل المقدم ونرسم الخطط الصحية والاستجابة، ونقوم بأبحاث علمية مغنية في هذا المجال”.

التعزيز الأكاديمي

تأتي مسألة تعزيز الكادر الصحي المحلي أولوية لـ”الجهات الصحية” التي تتقاسم العمل الطبي في مناطق شمال غرب سورية، تحت مظلة مديريات ومكاتب الصحة، سواء من خلال تدريبات مهنية أو أكاديمية كما هو حال المنحة، لسد فجوة نقص الكادر نتيجة الاستهداف المباشر من قبل قوات الأسد وحلفائها، أو الهجرة خارج البلاد هرباً من ظروف الحرب والاعتقال والتغييب.

وفي هذا السياق، يتحدث الطبيب أيمن اليسوف معاون مدير صحة إدلب، عن جهود مديرية الصحة في بناء النظام الصحي في المنطقة بالتعاون مع المنظمات والمؤسسات الطبية، وتعزيز الكادر بما يتواءم مع طبيعة العمل الطبي ومتطلباته.

يقول لـ”السورية.نت”: إنّ “الأطباء المقبولين في المنحة للحصول على درجة الماستر هم مشروع أكاديميين وهذا يخدم بشكل جليّ طلاب الجامعات والمعاهد الطبية في إدلب والمنطقة، ومن الممكن أن يساهموا في رفع سوية التعليم الأكاديمي الطبي، من خلال نقل المعرفة والمعلومات إلى الداخل”.

ويشير إلى أنّ “هذه الفئة من الممكن أن تلعب دوراً مهماً في مسألة بناء نظام صحي متكامل من سياسات وحوكمة وغيرها، علاوةً على دورها في رفد الكفاءات التدريسية وتطوير المناهج الموجودة في الداخل وإضافة تحديثات جديدة عليها، لم تكن موجودة في الجامعات”.

خسائر بشرية

تدلل الأرقام والإحصاءات على نظام صحي منهك في المنطقة، ويزيد الأمر خطورة تفشي فيروس “كورونا” المستجد خلال الشهرين الماضيين، ما يجعل قدرة المؤسسات والمنشآت الطبيات على الاستيعاب على حافة الانهيار، ويزيد من مسؤولية الجهات الصحية العاملة في استلام زمام المبادرة لإنقاذ الموقف.

وبحسب إحصاء أدلى به رئيس دائرة الإعلام في “صحة إدلب” عماد زهران لـ”السورية.نت”، فإنّ “محافظة إدلب التي يعيش فيها حوالي 4 مليون نسمة، تحوي على حوالي 800 طبيب فقط، أي طبيبان لكل 10 آلاف نسمة، وهو أقل من المعدل العالمي بعدة أضعاف”.

وقتل ما لا يقل عن 930 عاملاً صحياً سورياً خلال الفترة من مارس/آذار 2011 إلى 2021، وبحسب الإحصائية الصادرة عن منظمة “أطباء من أجل الإنسان“، فإنّ حوالي 91 في المئة من عمليات القتل ارتكبت من قبل قوات النظام والحليف الروسي.

وتشير الإحصائية إلى أنّ 269 من إجمالي الضحايا كانوا أطباءً، في حين أنّ نسبة 55 في المئة منهم قتلوا بهجمات صاروخية وقذائف، و143 تعرضوا للاعتقال والاختفاء قبل مقتلهم.

المصدر السورية.نت
قد يعجبك أيضا