حين يعود “مجرم حرب” إلى “الانتربول”

أعلنت منظمة الانتربول الدولية وفق بيان لها في تاريخ منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إعادة تفعيل مكتبها في دمشق، إلا أن هذا القرار (وفقاً للبيان) لا يعكس أي موقف للمنظمة تجاه ما حدث في سورية، وأنها “منظمة حيادية مهمتها تنفيذ القانون والعمل بين أجهزة الشرطة بعيداً عن العلاقات الدبلوماسية بين البلدان”.

يأتي هذا الإعلان بعدما أوقفت المنظمة عمل سورية ضمنها بعد عام 2012، إثر انتهاك النظام السوري لميثاق حقوق الانسان التي تعتمده المنظمة ضمن قوانينها، وتعطيه أهمية كبيرة!.

وعلى الرغم من أن سورية قد دخلت منظمة الانتربول  عام 1956، إلا أن هناك محطات عديدة استغل فيها النظام هذه العضوية لتحقيق اغراض سياسية، تتمثل بملاحقة خصومه السياسيين أفراداً أو مجموعات، ووضعهم ضمن قائمة الإرهاب. فهل ستشكل العودة إطاراً جديداً يستفيد منه النظام من تصفية المعارضة من بوابة الشرطة الجنائية؟ وبأي سياق أتت هذه الخطوة وما انعكاساتها؟

ابتداءاً، يمكن القول والاستنتاج المسبق، أنه لا يمكن فك الارتباط بين العديد  من المؤشرات الدالة على حركية التطبيع مع النظام وإن كانت تلك المؤشرات ما دون المستوى السياسي؛ إلا أنها هذه المرة تأتي من بوابة منظمة دولية، تضم 195 دولة كأعضاء فيها، منظمةٌ تعلن منذ تأسيسها في 1923 أنها مهتمة بحقوق الانسان، وتسعى لتغطية أكبر مساحة ممكنة لتقدم مساعداتها لأجهزة الشرطة، لجعل “العالم مكاناً أكثر أماناً”.

سيشكل هذا القرار فرصة للنظام لكسر العزل الدبلوماسي والسياسي وإعادة العلاقات شبه الطبيعية، وتفعيل التعاون البيني، إذ “سيرسل  الانتربول إلى النظام السوري تحديثات لحظية عبر مكتب الانتربول بدمشق، كما يعني ذلك إرسال بعثات تدريبية وتنشيطية إلى ليون مقر الانتربول أو احد فروعه المنتشرة في العالم، وهو ما يشجع بعض الدول على إعادة تفعيل علاقاتها مع النظام السوري والتجاوب مع طلباته” كما يقول خبراء. ناهيك عن قدرته على الولوج والوصول لـ 19 قاعدة بيانات في منظمة الانتربول تضم كافة الملفات المهمة مثل الإرهاب والمخدرات والأسلحة.

عملياً، يمكن للنظام التفاعل مع المنظمة والاستفادة منها من خلال أداتين؛ الأداة الأولى: الانخراط في النشرات إذ يعتمد الانتربول أدوات خاصة لنظامه وهي تسمى بالنشرات وتختلف كل نشرة عن الأخرى بمستوى الخطر الذي تعلنه الدولة المقدمة للنشرة. تتكون هذه النشرات من مجموعات وهي النشرة الحمراء والنشرة الصفراء والنشرة الزرقاء والسوداء والخضراء والبرتقالية والبنفسجية والنشرة الخاصة.

تعتبر النشرة الحمراء أهم النشرات التي قد يستخدمها النظام السوري ضد معارضيه، حيث تنص على طلب لاعتقال وتسليم الشخص المطلوب للدولة المتقدمة بالطلب، وهذه النشرة تعد إخطار دولي بالأشخاص المطلوبين، مدة هذه النشرة 5 سنوات تجدد تلقائياً أو بطلب من الدولة وتصدر من المكتب القانوني.

إلا أنه تجدر الإشارة هنا إلى الإنتربول الدولي ليس جهة قانونية تنفيذية لتسليم المطلوبين، وأنه يتم من خلال الإنتربول تبادل المعلومات والبيانات حول الجرائم والمطلوبين، وأن تسليم المطلوبين أو المجرمين قرار خاص بكل دولة يوجد فيها المطلوب تسليمه ولا يستطيع الإنتربول تجاوز تلك الدولة ولا يستطيع تسليم المطلوب.

حيث أن تسليم المجرمين يتطلب أولاً مبدأ المعاملة بالمثل، ثانياً لدى كل دولة لجنة قضائية مختصة لدراسة ملف المطلوب تسليمه قضائياً من حيث الوقائع والأدلة القانونية لارتكابه جرم جنائي، وليس الأمر هكذا عبثاً، والقرار للدولة بعد أخذ رأي لجنة التسليم وليس الإنتربول الدولي.

أما الأداة الثانية فهي تتمثل من استثمار هوامش تحرك انقطع عنها النظام – وإن كانت تلك الهوامش ما دون سياسية – إذ تستطيع الدول الأعضاء التواصل مع بعضها بشكل خاص ومباشر دون الرجوع للأمانة العامة، وهذه ثغرة بمكن للنظام أن يستفيد منها بشكل كبير، من خلال التواصل مع الدول الذي تربطه بها علاقة قوية وتجمعهم مصالح مشتركة، في حال تم التواصل بهذه الطريقة يصبح الاعتقال وتسليم المطلوبين بشكل أسهل حيث التواصل المباشر بين النظام والدول الأخرى دون الرجوع إلى المركز العام الذي يحقق في قبول أو رفض النشرة، بينما الدول تستجيب لهذه النشرات مباشرة لتحقيق مصالحها وهذا يعتبر أمر ذو أهمية كبيرة.

لا يجب أيضاً التقليل من أهمية منظومة الاتصالات فمن الممكن من خلال رقم الجواز تتبع وإيقاف الشخص في حين وصوله إلى دولة علاقتها بالنظام جيدة، فيصبح توقيف الشخص وتسليمه في غاية السهولة. حيث يتم تعميم الاسم المطلوب بغض النظر عن الجواز الذي يحمله أن كان سوري (الجنسية المزدوجة لا تساعد الأشخاص المطلوبين إنما يتم توقيفهم وفق الإشارة الحمراء من قبل الانتربول) أو يحمل جواز دولة أخرى إلا إذا كان الشخص يحمل جواز ذو حماية، لكن هذا الامر أيضاً لا يمنع من إيقافه والتحقيق معه وفي بعض الأحيان في الدول الدكتاتورية يتم احتجاز الشخص والتحقيق معه دون تبليغ اللجنة العامة وهذا يعتمد على قوة علاقة الدولة بالنظام.  

بالمقابل وحيال السؤال الأبرز ما هي الخطوات القانونية التي ينبغي إتباعها؟  فهي محصورة في ثنائية (الاستفسار، الطعن)، حيث يستطيع أي مواطن أن يستفسر عن وجود أسمه على لائحة المطلوبين وفق للمادة 18 من قانون المنظمة.

في حال وجود الاسم يمكن المطالبة بالحذف وفي حال تم التوقيف بأمر من النيابة العامة أو بأمر قضائي، فإن أول حجة من الممكن الدفاع بها هي أن هذه النشرة باطلة باعتبار الشخص سياسي مما يوجبه تقديم معلوماته الشخصية التي تثبت صحة هذا الادعاء.

من الممكن أيضاً إصدار طعن بقرار التوقيف أو الترحيل للمكتب العام ويتم دراسته، حيث يستطيع الشخص المطلوب أن يستفيد من قانون قيصر باعتباره وثيقة مهمة تثبت بأن النظام لا يحترم القوانين الدولية وقوانين حقوق الانسان وقام بانتهاكها.

 في حال تم رفع القضية وإخلاء السبيل ضمن كفالة يجب تسليم القرار للإنتربول، ويجب الاخذ بعين الاعتبار أنه من الممكن أنه قد لا تتفاعل كافة الدول مع القرار بسبب عدم تحديث الانتربول لقوائم المطلوبين، فيجب ترجمة وتصديق قرار البراءة ومخاطبة الانتربول بشكل مباشر وحمل هذه الوثيقة دائماً إلى أن يتم التأكد من إزالة الاسم من قوائم الانتربول.

يجب التعاون مع منظمات دولية معترف بها من قبل الانتربول ويجب أيضاً توثيق الحالات التي تعرضت للاعتقال نتيجة الإشارة الحمراء والمطالبة بتشكيل لجنة خاصة لدراسة الإشارات الحمراء، الصادرة من النظام تجاه معارضيه ومنعه من استغلال المنظمة وتوظيفها لقمع الشعب السوري وهذا يعتبر انتهاك كبير في قوانين المنظمة.

لا شك أن الخطوة المعلنة من قبل الانتربول هي خطوة ذات آثار سلبية على ملف حقوق الانسان عموماً وعلى السوريين الذين انتفضوا بوجه النظام خصوصاً، الامر الذي يستوجب تحركات وجهود منقطعة النظير للمنظمات والتيارات الحقوقية الوطنية سواء داخل الدول المضيفة للاجئين أو داخل المنظمات الاقليمية والدولية الكبرى، دون التقليل من أهمية وضرورات التواصل مع الدول العربية التي يبدو أنها تجهزت لإطلاق قطار التطبيع مع النظام.

تشكل هذه الخطوة تجلياً للتناقض داخل هذه المؤسسة ما بين أهدافها وسياساتها، إذ اتاحت للنظام بهذه الفرصة مساحات للتحايل وملاحقة كافة خصومه من بوابتها مرة أخرى وتصدير بأن جل اللاجئين هم “إرهابيون ويشكلون خطراً على الأمن العام”.

كما تساهم هذه الخطوة في تعزيز السير والنمو في مسارات التطبيع لتزداد غربة الحل السياسي اتساعاً، وتقليص مساحات الأمل لتنفيذ كل السوريين لاستحقاقاتهم الوطنية، خاصة في ظل تنامي مشهد اقليمي ودولي، يبدو أنه بات أقل اعتراضاً على عودة النظام إليه، رغم ما ارتكبه الأخير من انتهاك وجرائم كبرى مهددة للأمن المحلي والاقليمي والدولي.

المصدر السورية.نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا