خبراء يعتمدون “تجربتهم السورية” لتوثيق جرائم الحرب في أوكرانيا

أدى تشابه الأسلوب المتبع من قبل الجيش الروسي في سورية بالأمس مع حالته الأوكرانية اليوم إلى استخدام الباحثين والمحققين خبراتهم المكتسبة سابقاً لتوثيق جرائم الحرب في أوكرانيا، وفق ما أورده موقع “DW” الألماني، أمس الأحد.

واتبعت موسكو تكتيكات حربية في أوكرانيا متشابهة، من بينها تدمير قنابلها للبنية التحتية المدنية، والمدارس ودور رعاية الأطفال والمستشفيات والأسواق، في أعمال يصفها القانون الدولي بأنها “جرائم حرب”.

وتتهم الدول الغربية الجيش الروسي بقصف مدنيين، في عملياته العسكرية التي يشنها منذ 24 فبراير/شباط الماضي في أوكرانيا.

وحذر وزراء خارجية دول مجموعة السبع في 17 مارس/ آذار الجاري عبر  إعلان مشترك ، بأن “مرتكبي جرائم الحرب في أوكرانيا سيحاسبون” أمام القضاء الدولي.

وأعرب وزراء المجموعة التي تترأسها ألمانيا هذه السنة عن “ارتياحهم للتحقيقات وعمليات جمع الأدلّة الجارية، بما فيها أعمال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية” في أوكرانيا.

“سبب التسمية”

خلال سنوات الحرب في سورية، استعان الباحثون بـ”المصادر مفتوحة المصدر” لكشف جرائم حرب مشتبه بارتكابها.

ومع دخول الحرب الأوكرانية شهرها الثاني، يستعين الباحثون بالمصادر مفتوحة المصدر للكشف عن الجرائم المرتكبة، خاصة المعلومات المتوفرة عبر الإنترنت بالمجان ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو السبب وراء تسميتها “مصادر مفتوحة المصدر”. 

ويجمع الباحثون ويتحققون من الأدلة على نطاق واسع، بما يشمل ذلك هوية القوات المهاجمة وتمركزها وعدد الضحايا، وحجم الضرر الذي لحق بالبنية التحتية، فضلاً عن المعلومات عن المعدات العسكرية والأسلحة المستخدمة في شن الهجمات.

ومع بدء التوغل العسكري الروسي في أوكرانيا، شرع المحققون في الاستعانة بالمصادر مفتوحة المصدر، مثل المقاطع المصورة على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تظهر استخدام هجمات صاروخية.

وفي هذا الصدد، يقوم المحققون بإحصاء الدبابات التي تم تدميرها وأسماء القتلى من العسكريين والجنود، فيما ينقسم الفريق بين محققين يعملون داخل الأراضي الأوكرانية، وآخرين يعملون في دول أخرى، في تكرار للسيناريو السوري.

“البداية من سورية”

مع بداية استخدام مجال التحقيق “مفتوح المصدر” في الحرب داخل سورية، بدأ تطور هذه الوسائل، لكن الأمر نضج على نحو أكبر في الحرب بأوكرانيا.

وفي ذلك، يقول إليوت هيغينز، مؤسس موقع “بيلينغكات” المتخصص والرائد في مجال التحقيقات الاستقصائية: “لقد وضع ما حدث في سورية وأوكرانيا بين عامي 2014 و 2017 الأسس لما يحدث اليوم”.

وأضاف هينغيز، أن الحرب في سورية، كانت “بداية علاقتنا الحالية مع مجتمع التكنولوجيا ومنظمات المحاسبة الدولية وصانعي القرار السياسي وغيرهم”.

ولعبت منظمة “مينمونك” أو Mnemonic غير الربحية ومقرها برلين، دوراً رئيسياً في جهود التحقيق في جرائم ارتكبت في سورية عبر مشروعها “الأرشيف السوري” للحفاظ على الأدلة الرقمية عن وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان، خاصة وأنها مهددة بالاختفاء.

وخرج مشروع “الأرشيف السوري” إلى النور عام 2014 على يد الصحافي السوري والخبير في مجال الرقمنة هادي الخطيب، بعد أن لاحظ ضياع أدلة محتملة على جرائم حرب، إذ لم يكن نشطاء حقوق الإنسان يمتلكوا في ذاك الوقت تقنيات لتخزين المقاطع المصورة، وغيرها من مواد نشروها وسجلوها عن جرائم الحرب في سورية.

ولم يتوقف عمل الخطيب في سورية، بل امتد إلى اليمن والسودان، ليبدأ مؤخراً في تدشين “الأرشيف الأوكراني” لحفظ المواد من مقاطع مصورة، وصور يعتبرها موقع “بيلينغكات” ذات أهمية.

ويقول الخطيب: “لم يستغرق الأمر سوى بضعة أيام حتى استطعنا إنشاء الأرشيف الأوكراني. نملك المعرفة والخبرة في إنشاء مثل هذا الأرشيف، إذ نعلم أن هناك معايير وبروتوكولات معينة يجب وضعها للحفاظ على هذه المواد”.

وفي حالة رغبة المنظمة في استخدام الأدلة الرقمية في ساحات المحاكم، يتعين عليها الكشف عن المصادر والتأكيد بأنها لم تتعرض للتلاعب.

وفي هذا السياق، قال الخطيب: “لقد تعلمنا كل شيء خلال عملنا حول سورية، فقد استغرق الأمر سنوات حتى نصل إلى هذه المرحلة”.

وأضاف أن منظمة “مينمونك”، تعمل على تدريب نشطاء أوكرانيين على كيفية التعامل مع المواد الخامة من صور وفيديوهات وغيرها، وهو الأمر الذي لم يحظ به النشطاء السوريين إلا مؤخراً.

يؤكد الخطيب، أنه بمجرد استخدام ذخائر عنقودية في أوكرانيا، عرفنا ذلك بسرعة وبمجرد رؤيتها، وهو الأمر الذي تعلمناه في سورية، نعرف كيف يمكن استخدامها وما ينجم عنها من انفجارات صغيرة مختلفة، وتقع في الوقت نفسه على نحو عشوائي.

“تحديد جرائم الحرب”

وعلى وقع الهجمات الروسية التي استهدفت مناطق مدنية ومستشفيات ومزارع في سورية، أسست منظمة “مينمونك” ما أطلق عليه الخطيب اسم “تحليل أفضل للأنماط”.

ويرى الخطيب، أن هناك مؤشرات معينة تخلص إلى القول بأن استهداف مستشفى للولادة في في  ماريوبول بصاروخ لم يكن بالخطأ.

وأضاف: “يتعين علينا إثبات أن هناك نية متعمدة ولدينا منظومة عمل واضحة في هذا الإطار إذ نفهم كيفية القيام بذلك في الوقت الحالي، بسبب أن ما تتعرض له ماريويول وخاركيف، تعرضت له مدينة حلب عام 2016″.

ويعد مجال التحقيق باستخدام المصادر المفتوحة ليست بالجديد، إذ يعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية، والذي كان يُطلق عليه في حينه “معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر”، إذ شرعت وكالات الاستخبارات في ذاك الوقت في مراقبة وسائل الإعلام الأجنبية.

بيد أن اليوم وبفضل الكم الهائل من الموارد المتاحة عبر الإنترنت، يستخدم الباحثون في مجال التحقيقات مفتوحة المصدر كل شيء، بداية من الصور والمقاطع المصورة المنشورة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى المواقع الخاصة برصد حركة الطيران، مروراً بصور الأقمار الصناعية والتطبيقات الخاصة بالتنصت على المحادثات غير الآمنة، عبر أجهزة الراديو أو الهواتف.

“نحو تحقيق العدالة”

ورغم التطور الكبير الذي طرأ على “التحقيقات مفتوحة المصدر”، إلا أن دوبيرلي يؤكد على أن نتائج مثل هذه التحقيقات ليست كافية لوحدها لرفع دعاوى قانونية ضد مجرمي حرب مشتبه بهم إذ هناك حاجة إلى مواد إضافية مثل إجراء مقابلات مع شهود العيان.

من جانبه، يشدد الخطيب على ضرورة وجود إرادة سياسية للبدء في تحقيقات انتهاكات حقوق الإنسان أو جرائم الحرب، مضيفاً: “هناك العديد من الدول والمنظمات الأوروبية تقوم بالتحقيق حيال ما يحدث في أوكرانيا” خلافا للقضية السورية.

ورغم وجود أوجه تشابه بين التكتيكات العسكرية الروسية، إلا أن العديد من الباحثين في مجال التحقيقات مفتوحة المصدر لديهم رغبة في عدم تكرار السيناريو السوري في أوكرانيا، وفقا لما أشار إليه إليوت هيغينز، مؤسس موقع “بيلينغكات”.

وقال “الكثير من الأشخاص ممن يقومون بهذه التحقيقات أنهم أنفسهم شاهدوا روسيا وهي تفلت من (المساءلة) حيال ما وقع في سورية،  هناك بعض الإحباط والغضب، لكن هذا يعد محفزا للكثيرين إذ يرون أن (الصراع في أوكرانيا) فرصة لتحقيق العدالة”.

يذكر أن منظمة “هيومان رايتس ووتش” أكدت استخدام روسيا استخدمت ذخائر عنقودية في أوكرانيا، تتشابه مع تلك التي استخدمتها في قصف المناطق السكنية بمحافظة إدلب شمالي سورية.

وقالت المنظمة في تقرير نشرته في 28 فبراير/ شباط 2022، إن صاروخاً باليستياً روسياً يحمل ذخائر عنقودية سقط خارج مستشفى في منطقة دونيتسك، مما أسفر عن مقتل أربعة مدنيين وإصابة 10 آخرين، ومن بين الضحايا ستة من العاملين في مجال الرعاية الصحية.

وأوضحت المنظمة الحقوقية، أن الصاروخ من طراز “Tochka” من سلسلة “9M79” برأس حربي من الذخيرة العنقودية، مشيرةً إلى أن هذا النوع من الذخائر محظور بموجب المعاهدة الدولية لعام 2008، والتي لم توقعها أي من روسيا أو أوكرانيا.

وتعرف المحكمة الجنائية الدولية جرائم الحرب بأنها “انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف في سياق النزاع المسلح وتشمل، على سبيل المثال، استخدام الأطفال كجنود؛ قتل أو تعذيب أشخاص مثل المدنيين أو أسرى الحرب؛ تعمد توجيه هجمات ضد المستشفيات أو الآثار التاريخية أو المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية”.

وسبق وأن قال وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويغو، في يوليو /تموز العام الماضي إن بلاده جربت أكثر من 320 نوعاً مختلفاً من الأسلحة في سورية، منذ تدخلها العسكري أواخر عام 2015.

وأعلنت روسيا في 30 سبتمبر/ أيلول 2015 تدخلها العسكري لأول مرة إلى جانب نظام الأسد ضد فصائل المعارضة، التي كانت تسيطر على مساحات واسعة من الأراضي السورية.

المصدر السورية.نت
قد يعجبك أيضا