تتقاطع الملفات الساخنة في الشرق الأوسط، بينما تزداد صعوبة العزل في ما بينها. ثمة قضايا تفرض نفسها على غرار الحرب التي انفجرت في غزة، وانتفاضة فلسطينيي حي الشيخ جراح في القدس، بينما الأزمة السورية لا يمكن استبعادها من الأجندات الإقليمية والدولية، ردحاً آخر من الزمان، في ظل أقسى حصار يتعرض له السوريون، الذين دفعوا أفدح الأثمان في الحرب التي مضى عليها عقد ونيف من الزمن. والأزمة السورية عكست حالها على لبنان، وأتاحت لطبقته السياسية أن تجلب عليه ويلات أزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ عام 1850، وفق تقرير لصندوق النقد الدولي صدر قبل أيام.
صحيح أن الاهتمام الأميركي ينصبّ على ملفي إيران واليمن. لكن بقية القضايا، لا يمكن إهمالها وتجاهلها أو إرجاؤها إلى آماد بعيدة. وإذا كانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تنطلق لوقف الحرب في اليمن، من المنطلق الإنساني، وفق ما تصرح به، فإن الأوضاع الحياتية للسوريين واللبنانيين، ليست أفضل كثيراً من الأحوال المزرية التي يعيشها اليمنيون بسبب الحرب.
وكما هو ثابت، فإن المقاربات الأميركية منذ عشرة أعوام، أخفقت في إيجاد الحلول للأزمة السورية. و”قانون قيصر” الأميركي الذي بدأ سريانه قبل عام من الآن، زاد من معاناة السوريين العاديين، وأثر أيضاً في لبنان والأردن والعراق. والعقوبات التي ينص عليها القانون، طالت الشعب السوري لا النظام، مثل حال الكثير من العقوبات الأميركية المفروضة على دول في العالم، تطال شعوب هذه الدول أكثر مما تؤثر في حكوماتها.
وعلى ما يبدو، لم تنتهِ إدارة بايدن بعد من المراجعة التي تجريها لسياساتها في سوريا. وتكتفي واشنطن الآن بالتركيز على فتح المزيد من المعابر بين تركيا والشمال السوري لإدخال المساعدات الإنسانية. ولهذه الغاية، تخوض جدلاً حاداً مع روسيا والصين لاستصدار قرار من مجلس الأمن بفتح ثلاثة معابر بين تركيا وسوريا، بدلاً من معبر واحد كما هو الوضع الآن.
والسؤال: لماذا لا يمتد النقاش بين أميركا وروسيا إلى البحث في الوسائل الكفيلة بتقدم الحل السياسي في سوريا، بدل اقتصار الأمر على كيفية إدخال المساعدات الإنسانية فقط إلى المناطق التي تسيطر عليها تركيا والمعارضة الموالية لها، ولمناطق تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام”؟ بينما السوريون في بقية المناطق يخضعون للعقوبات الأميركية والأوروبية، وحال معظمهم ليست بأفضل من تلك التي يعيشها أقرانهم في مناطق أخرى.
وكما انفجرت حرب غزة في وجه إدارة بايدن، التي وجدت نفسها مضطرة للتدخل على نحو سريع لإطفاء حريق كان يهدّد بالامتداد إلى حرب أوسع تتورط فيها الولايات المتحدة، فإن الأزمة السورية تختزن الكثير من عوامل التفجير، التي يمكن أن تعيد خلط الأوراق. فتنظيم “داعش” موجود في الصحراء السورية ويخوض حرب استنزاف ضد القوات النظامية في أرياف الرقة وحماة ودير الزور. و”هيئة تحرير الشام” تبسط هيمنتها وتطبّق قوانينها على المناطق التي تسيطر عليها في محافظة إدلب، كما أن تنظيم “حراس الدين” التابع لتنظيم “القاعدة” لا يزال موجوداً في إدلب وله أجندته الجهادية الخاصة به. وكذلك هو حال “الحزب الإسلامي التركستاني”.
وفي الوقت نفسه، تعاني “الإدارة الذاتية” الكردية في مناطق سيطرتها من احتكاكات متواصلة مع العشائر العربية، ولم تستطع برغم الدعم الأميركي لها من تحقيق حالة من الاستقرار في مناطقها، شبيهة على الأقل بتلك التي حققها الأكراد في شمال العراق.
الوضع السوري برمّته، في حاجة إلى تحريك عجلة الحل السياسي، الذي لا يملك مفاتيحه سوى واشنطن وموسكو. وتشكل القمة الأميركية – الروسية التي ستعقد في جنيف في 16 الشهر الجاري، مناسبة للتوصل إلى تفاهمات بين بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول سوريا.
سوريا تبقى بركاناً يمكن أن ينفجر في أي لحظة، إن لم يتم تداركها بعملية سياسية ترعاها واشنطن وموسكو. لا يمكن أميركا حل أزمة في الشرق الأوسط وإدارة الظهر لأزمات أخرى لا تقل خطورة عن أزمة اليمن.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت