لم يكن هذا الاهتمام الإعلامي المفرط لـ”حزب الله” بصهاريج المازوت الإيراني في البقاع اللبناني، مفاجئاً، لأن للتنظيم مصلحة كبيرة في الإضاءة على وصول الشحنة، وما تعنيه للبنان والمنطقة. الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله كان أسهب في شرح عملية التوزيع ومن ستشمل. ورغم أن الكمية محدودة ولا تشمل الأفراد، لكن مشهد دخول الصهاريج الى الأراضي اللبنانية، كان بالفعل لافتاً وذو دلالات على المشهد السياسي في لبنان وموقعه في المنطقة.
بيد أن الولايات المتحدة التي كانت سابقاً تُقارب بجدية ملف “حزب الله” وتبحث عن أدنى فرصة لفرض عقوبات عليه وعلى المتعاملين أو المتعاونين معه، لم تتحرك للآن في اتجاه عقاب الجانب اللبناني الرسمي الصامت على مرور هذه الشحنات. وهنا، لا بد أن رأيين يتنازعان داخل الإدارة الأميركية. الأول هو أن السماح بمرور هذه الشحنات دون عقوبات أميركية على المستفيدين النهائيين، وعلى الجانب اللبناني الرسمي المقصّر، له انعكاسات على النفوذ والسلطة الأميركية.
من يأخذ العقوبات الأميركية على محمل الجد بعد استيراد لبنان النفط الإيراني؟ صحيح أن الشركة الموزعة خاضعة أصلاً للعقوبات، إلا أن الشحنة دخلت بشكل علني ووسط احتفاء بعض السكان والحزبيين بها. وبالتالي، هناك تقصير لبناني رسمي واضح ولا لبس فيه في هذا المجال. وهناك من يرى أن على الإدارة الأميركية إظهار أن عقوباتها جدية، ولا تقبل بتحايل عليها بهذا الأسلوب.
لكن في المقابل، هل تُعاقب الولايات المتحدة شعباً في أزمة إنسانية لقبوله مساعدات من دولة خاضعة للعقوبات؟ وليس هذا السؤال أخلاقياً على الإطلاق، بل له علاقة أيضاً بالتموضع السياسي، وآثار أي إجراءات عقابية على السياسة الأميركية. من الصعب أيضاً اتخاذ قرار بمعاقبة المستفيدين أو مؤسسات الدولة اللبنانية. هو قرار صعب، لكن ذلك لا يعني تجنبه.
إلا أن قرار التنظيم الاحتفاء بهذا الشكل بهذه الشحنة، يُؤشر أيضاً لقدرة أكبر محلياً، وأيضاً اقليمياً. وهو ما لحظه نصر الله في خطابه، قائلاً إن “من بركات مسار البواخر أنه فتح أبواباً جديدة، ولا سيما بعد التحرك الاميركي المباشر”، لافتاً الى زيارة الوفد الوزاري اللبناني دمشق وتعاطي الأخيرة “بانفتاح ومحبة على الرغم من دقّة الموضوع”. صحيح أن مشروع نقل الغاز والكهرباء عبر الأردن وسوريا الى لبنان، أقدم من استقدام البواخر الإيرانية، إلا أن توقيت اعلان السفيرة الأميركية دوروثي شيا، ظهر ضعيفاً، كردة فعل، ما فتح مجالاً أمام التنظيم لاستغلال ذلك اعلامياً. هكذا بات استقدام الكهرباء والغاز عبر سوريا، انجازاً مجانياً للتنظيم نفسه.
وهناك رابط بين زيارة الوفد الوزاري اللبناني الى سوريا، ومشهد استقدام الصهاريج بهذا الشكل، ذاك أن العلاقة “المميزة” مع سوريا، تبدأ حيث تختفي الدولة اللبنانية ومؤسساتها بالكامل. وهذه حقبة تطل برأسها في لبنان.
بيد أن هناك من يرى في الإنسحاب الأميركي من أفغانستان بداية لتراجع أوسع نطاقاً في المنطقة، يترك فراغاً بالإمكان ملؤه في كل منطقة على حدة. دور إيراني لافت في المشرق، في مقابل أن تؤدي مصر والأردن دوراً بالوكالة عن الولايات المتحدة، من دون أن يتعارضا بشكل كامل أو صدامي.
دخول هذه الصهاريج يُؤرخ لإنتقال “من مرحلة الى أخرى” ولـ”معادلة جديدة”، كما قال أحد نواب التنظيم.
والعملية أطلقت أيضاً الحملة الإنتخابية للتنظيم، رغم أنها تشمل كذلك خطوة توزيع مساعدات مالية من “حزب الله” على المتضررين من حريق التليل في عكار. ذاك أن التنظيم يرى اليوم فرصة للتوسع بأنحاء البلاد، وإكمال واقع سياسي عماده أن لبنان جزء من ثلاثية مشرقية فاشلة بإشراف إيراني، يحتفل سكانها حين يرون صهريج مازوت.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت