مارك كاتس قاد “أخطر العمليات الإنسانية” في العالم..هل تتوقف بمغادرته؟
بعد أربع سنوات من عمله في ملف إيصال المساعدات عبر الحدود إلى سورية، أعلن نائب المنسق الإقليمي لسورية في دائرة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة، مارك كاتس، مغادرة منصبه، في خطوة مفاجئة أدت إلى طرح تساؤلات حول مصير الملف خلال الأشهر المقبلة.
وجاء إعلان كاتس، خلال تسجيل مصور نشره عبر حسابه في “تويتر”، شكر فيه الأشخاص الذين تعامل معهم سابقاً في سورية في ظل الظروف الصعبة، مشيراً إلى مغادرة منصبه بعد شهرين من الآن.
In war zones and in times of crisis there are so many brave and dedicated individuals who risk their lives every day, helping others to survive. They are the real heroes in this world. #WorldHumanitarianDay pic.twitter.com/fTKfN10Ku9
— Mark Cutts (@MarkCutts) August 19, 2022
وبرز اسم كاتس، خلال السنوات الماضية، كأحد أبرز المسؤولين الأمميين في تعامله مع الملف السوري بشكل كبير، وخاصة في قضايا الإغاثة ونقل معاناة اللاجئين والنازحين السوريين في شمال سورية.
وأشرف على عملية إدخال المساعدة عبر الحدود إلى سورية منذ 2018، واعتبرها في كثير من تصريحاتها أنها “واحدة من أكثر الحالات الإنسانية اليائسة”، كما اعتبرها من “أكبر العمليات الإنسانية وأخطرها في العالم”.
كان كاتس نشطاً بشكل ملحوظ على الأرض شمال سورية، وخاصة داخل مخيمات النزوح، واتخذ من حسابه في “تويتر” منصة لنقل معاناة السوريين وإيصال صوتهم، وإدانة ما يتعرضون له من قصف وتهجير، عبر نشر صور وتسجيلات تجسد معاناتهم.
وحسبما رصد فريق “السورية.نت”، لم يترك المسؤول الأممي فرصة، في لقاءاته الأممية أو مع المسؤولين الدوليين والمنظمات الإنسانية أو من خلال تصريحاته الإعلامية، إلا وطالب فيها بزيادة المساعدات والتمويل لتوفير “ظروف معيشية أكثر أماناً وكرامة للسوريين”، ولمواجهة ما دأب على وصفها بـ”الأزمة المتفاقمة”.
#سوريا: ذاك الحريق الذي أودى بحياة طفلة عمرها ٥ سنوات في مخيم في إدلب البارحة هو تذكير بالمخاطر التي تواجه الناس الذين يعيشون في الخيام. المزيد من التمويل و الدعم مطلوب بشكل عاجل لتقديم ظروف معيشة أكثر أمناً لملايين النازحين في سوريا. pic.twitter.com/BvSezSZ4Rr
— Mark Cutts (@MarkCutts) July 27, 2022
وصف أوضاع اللاجئين السوريين في المخيمات بـ” الكارثية” وطالب الأمم المتحدة بالتحرك وخاصة في فصل الشتاء.
#سوريا: مع قدوم الشتاء يتحضر ملايين النازحين لموسم المطر و البرد القادم كهذه السيدة التي تحيك البطانيات إلى خيمتها لعزلها بشكل أفضل.
المزيد من الدعم مطلوب بشكل عاجل. لا ينبغي أن يعيش أحد في خيمة في ظروف كهذه. pic.twitter.com/7gFkLyBQ6e
— Mark Cutts (@MarkCutts) October 24, 2021
شهد كاتس الحملة العسكرية التي شنتها قوات الأسد بدعم الطيران الروسي على إدلب وريفها، في 2019، وأدان هجمات نظام الأسد وطالب بوقف الهجمات على المدنيين والبنية التحتية وخاصة المستشفيات.
وأكد في بيان له أن “إدلب تحترق ولا يمكن للعالم ببساطة أن يقف مكتوف الأيدي”.
تسييس قرار المساعدات
يعتبر ملف إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود من أكثر الملفات التي كان تهم المسؤول الأممي، إذ كرر مطالبه بعدم تسييس الملف وتحويله إلى ورقة تفاوض من قبل الروس مع الأمريكان.
كما طالب كاتس مراراً الدول بوضع حاجات الشعب السوري أولاً بعيداً عن انقسامات أعضاء مجلس الأمن، وتنبأ بكارثة كبيرة في حال عدم تجديد القرار الذي يتم التصويت عليه كل عام آخرها كان، الشهر الماضي.
واعتبر المسؤول الأممي حينها أن عدم تجديد القرار من قبل الروس سيزيد من المعاناة، وسيؤدي إلى تعطيل كبير لواحدة من “أكبر العمليات الإنسانية في العالم”.
وبعد تجديد القرار لمدة ستة أشهر، قال كاتس عبر “تويتر”، إنه “لخبر جيد أنه باستطاعتنا الاستمرار بعمليات المساعدة عبر الحدود، فملايين الأرواح تعتمد عليها”.
وأضاف “يجب أن يستمر المدنيون المتأثرون بالصراع من الحصول على وصول آمن للمساعدات الإنسانية طالما هناك حاجة إليها، وذلك على كلا جانبي خطوط المواجهة”.
#سوريا: إنه لخبر جيد أنه باستطاعتنا الاستمرار بعمليات المساعدة عبر الحدود فملايين الأرواح تعتمد عليها.
يجب أن يستمر المدنيون المتأثرون بالصراع من الحصول على وصول آمن للمساعدات الإنسانية طالما هناك حاجة إليها ، و ذلك على كلا جانبي خطوط المواجهة. pic.twitter.com/MuNy2vPMtP
— Mark Cutts (@MarkCutts) July 12, 2022
ويعود قرار إدخال المساعدات عبر الحدود إلى 2014 عندما صوت مجلس الأمن على القرار 2165، ونص على إدخال المساعدات عبر أربعة معابر من الأردن وتركيا والعراق حينها.
لكن منذ 2020 وبسبب استخدام روسيا لحق النقض الفيتو، تم إغلاق ثلاثة معابر هي معبر نصيب مع الأردن ومعبر اليعربية مع العراق ومعبر باب السلامة مع تركيا، وتم حصر إدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى.
ويتم التصويت على القرار كل عام في تموز/ يوليو، وآخر جلسات التصويت كان، الشهر الماضي، عندما وافق مجلس الأمن على تمديد آلية إيصال المساعدات إلى سورية عبر تركيا لمدة 6 أشهر فقط.
وسبق التصويت مفاوضات بين الروس من جهة وبين الدولة الغربية وأمريكا من جهة أخرى على تجديد القرار لمدة عام كامل، إلا أن موسكو رفضت ذلك واستخدمت الفيتو، قبل أن تُمرر التمديد لستة أشهر فقط.
واشترطت موسكو لتجديد القرار زيادة إدخال المساعدات عبر الخطوط الداخلية مع نظام الأسد، إضافة إلى اتخاذ خطوات تجاه ما يسمى “التعافي المبكر”، وهو ما أكدت عليه المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا.
وقالت زاخاروفا بعد تمديد القرار بثلاثة أيام إن القرار الجديد “سيركز على الإصلاح العاجل لمنشآت المياه والكهرباء والمؤسسات الطبية والتعليمية والإسكان، بالتنسيق مع الحكومة السورية”.
أن يغادر كاتس منصبه قبل شهرين على التصويت مجدداً على التمديد، فهذا يضع العديد من علامات الاستفهام حول التوقيت، ويطرح تساؤل إن كان المسؤول الأممي قد استبق التصويت بالمغادرة، لعلمه بما يحصل في الكواليس وما قد ينتج عن التصويت، ويزيد التوقيت وغياب التفسير من المخاوف بأن المساعدات عبر الحدود ربما قد تصل إلى نهاييتها.
من هو مارك كاتس؟
حصل كاتس على شهادة علاقات دولية من جامعة كامبردج البريطانية، كما حصل على شهادة بكالوريوس آداب من جامعة دورهام البريطانية.
وعمل كاتس في الأمم المتحدة منذ ما يقرب من 30 عاماً وشغل مناصب عدة ورئيساً لمكتب الأمم المتحدة في عدد من البلدان.
بدأ عمله من السودان في عام 1986، إذ أشرف على توزيع المساعدات على مخيم للاجئي التشاد في دارفور، كما أشرف على إدارة المخيمات للنازحين في جنوب السودان خلال الحرب بين أثيوبيا وإريتريا عام 1990.
وبين عامي 1990 و1992 ساعد في إدارة معسكر للأشخاص الذين تم إجلاؤهم من الكويت عقب غزو العراق، كما قاد برنامج اتحاد إنقاذ الطفولة للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
أشرف وقاد عمليات إنسانية في عدد من البلدان منها أفغانستان وألبانيا، كما عمل على إدارة عمليات الإجلاء الإنسانية للجرحى والحالات الطبية الطارئة خلال الحرب في البوسنة، إذ كان مسؤولاً عن التنسيق مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بين عامي 1994 و1996.
وقاد بعثات دعم مشتركة بين الوكالات الإنسانية إلى تشاد وكوت ديفوار وإثيوبيا وكينيا وهايتي ونيبال وجنوب إفريقيا والسودان وتيمور الشرقية وزيمبابوي بين عامي 2004 و2010.
كما عمل على تنسيق إحدى أكبر عمليات الإغاثة في العالم في 2011، وذلك عبر تقديم المساعدة لأكثر من مليون نازح داخلياً في دارفور، أثناء عملية تحول جنوب السودان إلى دولة مستقلة، لينتقل بعدها لمدة أربع سنوات لتنسيق العمل الإنساني خلال أزمة الروهينجا.
وفي 2018 تسلم كاتس منصب نائب المنسق الإنساني الإقليمي في سورية منذ عام 2018، وكبير المفاوضين مع مسؤولي الحكومة التركية والدول الأعضاء في الأمم المتحدة والسلطات المحلية بشأن القضايا المتعلقة بالعمليات عبر الحدود من تركيا.