إسرائيل إذ تقتبس من كتاب الأسد في قتل الشعوب

عندما كتب توماس فريدمان في “نيويورك تايمز” قبل أسابيع عن “قواعد حماة” التي اختارت إسرائيل تطبيقها في قطاع غزة، كنا نظن أن الحديث هنا عن تكرار مجزرة عائلة الأسد في مدينة حماة في ثمانينات القرن الماضي، في استراتيجية القصف والتدمير ودخول الدبابات على حطام الأبنية والجثث المتراكمة في الشوارع.

لكن يبدو أن فريدمان استعجل مقاله قبل أن تبدأ إسرائيل غزوها البري للقطاع لنكتشف أن إسرائيل لم تقتبس “قواعد حماة” بل هي تطبق “الدروس السورية” بحذافيرها وكأننا أمام مشهد مكرر لا تختلف فيه إلا الأسماء فقط.

ليعذرني القارئ بهذا السؤال الافتراضي القاسي: لو كنت قائداً لجيش الاحتلال وتم تكليفك بمهمة اجتياح قطاع غزة عسكرياً ولديك مهلة أسبوعين للتخطيط وبدء التنفيذ، ماذا تفعل؟

ولأنني من افترض هذا السؤال، فسأجيب عليه أيضاً: سأفتح كتب التاريخ وأبحث عن أي تجربة مماثلة وأقرأها بتمعن وأتعلم من دروسها، ثم سأطبقها بحذافيرها. وأكاد أجزم أن هذا ما حصل وأن إسرائيل لم تحتج للبحث كثيراً في كتب التاريخ للتعلم من تجاربه، بل اكتفت بالعودة سنوات قليلة إلى الخلف لتجد ضالتها في “الدروس السورية” التي رسخها نظام الأسد على أجساد السوريين وأنقاض مدنهم.

فقطاع غزة ليس إلا نموذجاً كبيراً للمخيمات الفلسطينية في سوريا، فهو يشبهها تماماً في بنيته السكانية التي تشكل تجمع كبير للمخيمات الاسمنتية ذات الكثافة السكانية العالية والأحياء العشوائية والأزقة الضيقة.

تحارب فيها ميليشيا مسلحة بالأسلحة الخفيفة وقاذفات الصواريخ ويحفظ أبناؤها الشوارع والأزقة بحذافيرها منذ صغرهم، بينما لا يملك عدوهم إلا القوى الغاشمة ليحاربهم فيها.

هذا نموذج مخيم اليرموك والحجر الأسود ومخيمات درعا وحمص القديمة وبعض أحياء حلب وغيرها، لقد ترك النظام لإسرائيل تجارب عديدة نراه اليوم يكررها خطوة خطوة في حرب غزة.

في الواقع لم تبدأ معركة غزة بالاجتياح البري ولا القصف الجوي، لقد بدأت بالبارجات الأمريكية التي وصلت إلى المنطقة لردع أي طرف إقليمي يحاول التدخل في هذه المعركة وتوسيعها.

وهذا الدرس الأول في الصفحة الأولى من كتاب الأسد في قتل الشعوب وتدميرها: لا تبدأ معركة قبل تجميد باقي الجبهات بالردع والتهديد والعبث بها من الداخل، عليك التركيز على جبهة واحدة ثم سيأتي دور باقي الجبهات. هذا ما فعله الأسد في كل جبهة في سوريا بمعنى الكلمة، أكاد لا أتذكر يوماً استطاعت فيه الفصائل المعارضة التقدم على النظام إلا عندما فتحت أمامه جبهات عديدة، وأكاد لا أتذكر يوماً استطاع فيه النظام التقدم إلا عندما يكون أمامه جبهة واحدة فقط. وهنا تكون إسرائيل قد تعلمت الدرس الأول بنجاح وجمدت كل الجبهات واكتفت بمناوشات لا تُذكر على جبهة لبنان.

الدرس الثاني من دروس الأسد: لا تبدأ الغزو البري قبل حصار المنطقة وإنهاكها بالقصف والتدمير والنزوح الداخلي، اجعل أولويات السكان هي البحث عن مكان آمن في منطقة لا مكان آمن فيها، وأجعل كل مدرسة ومشفى هي هدف للتدمير، اقطع الماء والكهرباء والغذاء، اقتل الصحفيين والأطقم الطبية وطبعاً أنكر كل ذلك على الإعلام واتهم خصمك بالكذب.

ولعلنا لا نحتاج للكثير لنخبركم أن إسرائيل تطبق هذا الدرس منذ عدة أسابيع دون توقف، لقد عبثت بالمدنيين في غزة كما سبق للأسد أن عبث بأهالي حلب والغوطة وباتت العائلات تنزح مرتين وثلاث مرات في الأسبوع هرباً من حي إلى آخر، وقتلت إسرائيل من الصحفيين والأطقم الطبية العشرات كما فعل الأسد من قبلهم، أما الكذب على الإعلام فأنا متأكد أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي والإعلام الإسرائيلي من خلفه يبحثون في بيانات الأسد وينسخون النصوص ويترجموها إلى العبرية قبل إذاعتها فقط.

الدرس الثالث في الفصل الثاني من دروس الأسد: تقدم عسكرياً على أنقاض الأحياء المدمرة، سيطر في البداية على البساتين الزراعية والأماكن المفتوحة لتصل إلى الكتل السكنية، كما حصل على أطراف مخيمات درعا ومدينة حلب وحمص القديمة، ثم ابدأ السيطرة على الأحياء وقضمها وتقسيمها إلى أجزاء منفصلة عن بعضها.

هذا يساعدك على تقليل خيارات المقاومين وحصر المدنيين في مناطق منفصلة ما يسهل عليك قتلهم. هذا ما فعلته إسرائيل حيث تقدمت في جحر الديك ثم بدأت بتقطيع الشوارع والأحياء بعد سيطرتها على شارع صلاح الدين وقصفها لشارع الرشيد وقسمها قطاع غزة لقسمين ولعل في نيتها تقطيع الأوصال أكثر من ذلك.

الدرس الأخير، دمر ثم دمر ثم دمر ثم دمر، سينتهي الأمر بقتلهم جميعاً أو تهجيرهم إلى خارج المنطقة، ثم ادخل الأحياء المدمرة وعلق صور القائد البطل على أطلال الدمار والخراب.

إلى هنا يبدو أن إسرائيل قد قرأت “الدروس السورية” بعناية وتعلمت منها بشكل جيد للغاية، لكنها نسيت قراءة تلك الصفحات التي تتحدث عن التفاصيل والأثمان الباهظة.

فالأسد الذي نجح في تكرار دروسه في عدة المدن لم يخبركم عن الثمن الذي دفعه بأرواح جنوده الذين كان يدفع بهم الواحد تلو الآخر في محرقة حرب المدن والمخيمات، حيث الشوارع يحكمها أبناؤها والأزقة يحفظها من عاش وترعرع فيها، بينما تلتهم جدرانها الغرباء وهي تلتقط أرواحهم بالقناصات والقاذفات. الأسد لم يكثرت، فالأرواح كانت بلا قيمة والمرتزقة بالمجان، فهل لدى إسرائيل أرواح مجانية كهذه وهي التي تعد قتلاها كل يوم ؟

هل أدركت إسرائيل أن النظام الذي ابتدع هذه الطريقة في الحرب لم ينتصر؟ هل قرأتم في كتب الأسد عن الأشباح والأرواح التي تطير بين النوافذ والأزقة تثير الرعب ليلاً؟ إن غابت عنكم تلك الصفحات فهي ربما لأن الأسد لم يخبركم عنها، حيث عجزت الكلمات عن وصفها، لذلك لعلنا ننتظر من ينجو من جنودكم على قيد الحياة ليخبرنا عنها بنفسه.

المصدر السورية نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا