إصابات “اللَشمانيا” تتصاعد بين نازحي إدلب وتوقعات بـ”الأسوأ”

في ظل وضع مأساوي تعيشه مخيمات إدلب، ونقص لخدمات الصرف الصحي، وانتشار المستنقعات والمياه الملوثة والأماكن الرطبة، يخشى كثير من النازحين، تهديدات متزايدة من الأمراض والأوبئة، لا تقف عند مخاطر فيروس “كورونا” فقط، إذ تزايدت مؤخراً الإصابات بـ”اللَشمانيا “، التي فتكت بأجساد المئات.
ورغم أن هذا المرض ليس جديداً على السوريين، لاسيما الفقراء الذين يعيشون في الخيام، إلا أنّ مخاطره هذا العام قد تبدو مضاعفة، نتيجة الظروف الجديدة التي أدت لاكتظاظ آلاف السكان ضمن مخيمات غير مجهزة، وأماكن مهجورة، تشكل البيئة الخصبة لتكاثر هذا المرض.

و”اللَشمانيا”، أو كما تعرف محلياً بـ”حبة حلب”، هو مرض جلدي ينشئ من لسعة حشرة صغيرة تسمى (ذبابة الرمل)، لا يتجاوز حجمها ثلث حجم البعوضة العادية، لونها أصفر، حيث تلسع الانسان دون أن يشعر بها، وتنشط في جميع فصول السنة عدا الشتاء.

و تظهر أعراض الإصابة على جلد المصاب بشكل نقاط حمراء، تتحول إلى حبة ثم عقدة صغيرة، وتغطيها قشرة قد تتقرح وتلتهب وتدوم لفترة طويلة،  يمكن أن تترك ندبة مُشَوِهَة، تدوم طوال عمر الانسان إذا لم يتم معالجتها مبكراً.

احصاءات عن المرض

وفي محاولة لمعرفة خطورة هذا المرض، وانتشاره في الشمال السوري، تواصل فريق “السورية نت”، مع عدد من المراكز الصحية شمال غرب البلاد، حيث تؤكد احصاءات قدمها المركز الصحي الأول في مدينة الباب، إصابة نحو 1500 شخص بـ”اللَشمانيا” في منطقة الباب، خلال الفترة الممتدة بين الأول من أكتوبر/تشرين الثاني العام الماضي، والسابع عشر من فبراير/ شباط المنتهي، رغم أن هذه الفترة لا تعتبر فترة نشاط الحشرة.

احصائيات مركز الصحة الأول بمدينة الباب شرق حلب

كما أفاد المركز الصحي الأول بالباب، عن تسجيله 1600 إصابة خلال الصيف الماضي، ضمن الفترة الممتدة بين أبريل/نيسان وسبتمبر/أيلول 2019.

في السياق ذاته، تُظهر بيانات نشرها مركز معالجة “اللَشمانيا” في بلدة أرمناز بإدلب، إصابة 18476 شخص بالمرض خلال فترة عمله بين الأعوام 2015 و2018 ،حيث تؤكد الاحصاءات ارتفاع المنحنى التصاعدي للإصابات.

من جانبه قال الناشط الإعلامي في إدلب، ماهر الحاج، المقيم في مخيم قرب مدينة سلقين في محافظة إدلب، إن الرعاية الطبية “سيئة للغاية ” في 13 مخيماَ يتواجد بها نحو 1700 عائلة، مشيراً إلى أن الإصابات انتشرت بكثرة بين الأطفال في المخيمات.

وكانت وثقت وزارة الصحة التابعة لـ “الحكومة المؤقتة”، أكثر من 50 ألف حالة إصابة بمرض اللشمانيا في محافظات إدلب وحلب وحماة، منتصف العام 2018.

أسباب الانتشار

في مخيم أهل التح بإدلب، أصيب الطفل عمار نعنوع، بـ”اللَشمانيا” قبل قرابة ثلاثة أسابيع. و يروي والد عمار بعض تفاصيل الحياة الصعبة التي يعيشها النازحون هناك، حيث يقطن قرابة 1700 شخص في المخيم وبعض الخيم تضم أسرتين.

ويضف أبو عمار لـ”السورية نت”:”في المخيم 10 دورات مياه فقط لكل هذه الأعداد (كل 170 شخص دورة مياه واحدة)، المياه والمستنقعات تملئ شوارع المخيم، لايوجد شبكات صرف صحي، الروائح الكريهة قريبة من الخيم، حتى مياه الغسيل والجلي تتجمع و لا يوجد مصارف أبدا”.

ويؤكد النازح أن المخيم ونتيجة الأوضاع التي يعشيها الأهالي، بات “يشهد يومياً إصابات بمرض اللشمانيا الجلدية”، متسائلا في الوقت ذاته “إذا كان الأمر هكذا الآن فكيف سيكون في فصل الصيف”.

في السياق ذاته تحدث عبد الله قنبور مسؤول تجمع مخيمات دركوش والقنية والبالعة بريف جسر الشغور، عن سوء الأوضاع الصحية في المخيمات الجديدة، التي أنشأت بعد فترة النزوح الأخيرة، مضيفا أن قرابة 3800 عائلة تقيم في المنطقة، وهم بحاجة إلى حمامات إضافية وشبكات صرف صحي وسلل نظافة.

وأضاف قنبور في حديثه لـ “السورية نت” أن “الاكتظاظ لا يشمل الخيم فقط حيث ما تزال مئات العائلات تقيم في مدارس وأماكن مهجورة وبعضها أقام خيم عشوائية دون توفر أي وسائل صحية”.

ندبات لا تندمل

بموازاة ذلك، أوضح محمود عليوي، وهو طبيب جلدية يقيم في تركيا، أن “ذبابة الرمل المسبب الرئيسي للمرض، تعيشُ في الأماكن المهجورة والرطبة، وقرب المستنقعات والمياه الراكدة، وتنقل الطفيلي من الحيوانات، إلى الإنسان عبر لعابها، كما من الممكن أن ينتقل الطفيلي أيضا من إنسان إلى آخر”.

وتحدث عليوي، عن أنواع “اللَشمانيا”، قائلاً إنها ثلاثة، وهي مختلفة التأثير، أخطرها الحشوية التي تصيب الأعضاء الداخلية في الجسم، وتظهر أعراضها بارتفاع الحرارة، وفقر الدم، وهذه قد تؤدي للوفاة لاسيما عند الأطفال.

أما النوع الثاني وهو الأكثر انتشاراً، فهي “اللَشمانيا” الجلدية، التي تسبب قرحات وتشوهات تدوم مدى الحياة، والأخيرة هي “اللَشمانيا” المخاطية التي تصيب الأنف، وتكون على شكل حبوب يخرج منها الصدأ وتسبب أيضا تشوهات دائمة.

وأوضح الطبيب المختص، أن ذورة الإصابات بهذا المرض، تكون في الصيف مع ازدياد درجات الحرارة، حيث يمكن أن تستمر الأعراض لفترة من شهرين إلى ستة، مشيرا إلى أن تأثير الإصابات يتفاوت من شخص إلى آخر و بحسب مكان الإصابة.

العلاج والوقاية

وحول طرق العلاج وسبل الوقاية من المرض، أوضح الطبيب المختص، أن طرق العلاج تتم حسب حالة المريض، حيث يستعمل حقن “غلوغانتيم” كإبر موضعية وعضلية للعلاج، كما يستخدم الآزوت السائل في حالات النكس – الثالول – الثالوث التناسلي.

ونصح الطبيبـ الأهالي وسكان مخيمات الشمال السوري، مع اقتراب فصل الصيف، استخدام ناموسيات وارتداء ألبسة طويلة، وعدم كشف أعضاء الجسم خاصة في المناطق التي ينتشر فيها المرض.

وكان “فريق منسقو الاستجابة” في سورية، أصدر في 8أبريل/ نيسان الجاري، بياناً قال فيه، إن عدد النازحين الذي استطاعوا العودة لمناطقهم في ريفي حلب وإدلب، منذ بداية تطبيق قرار وقف إطلاق النار(5مارس/آذار) لم يتجاوز 80276 نازح، من أصل أكثر من مليون و40  ألف شخص، تركوا ديارهم جراء التصعيد العسكري الأخير لروسيا وقوات النظام في إدلب وحلب.

المصدر السورية.نت
قد يعجبك أيضا