إيران أميركا.. ما أشبه الليلة بالبارحة

على ما يقول طرفة بن العبد ما أشبه الليلة بالبارحة. فكأن المشهد القائم حالياً بين الولايات المتحدة الأميركية من جهة وإيران من جهة أخرى، يشبه إلى حدود بعيدة المشهد الذي كان قائماً في العام 2015 بعد استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي، متجاوزاً الخط الأحمر الذي رفعه الرئيس الأميركي باراك أوباما، يومها عدّل أوباما من خطه الأحمر، فتجاوزه بنفسه، دخلت روسيا عبر وزير خارجيتها سيرغي لافروف في مسار تفاوضي بين الأميركيين من جهة، وإيران والنظام السوري من جهة أخرى حول إبرام اتفاق يقضي بتسليم دمشق للسلاح الكيماوي مقابل تجنّب ضربة عسكرية أميركية. المشهد نفسه يتكرر بعد إقدام كتائب حزب الله العراقي على استهداف موقع عسكري أميركي على الحدود الأردنية السورية تابع ومربوط بقاعدة التنف.

أدى الاستهداف إلى مقتل 3 جنود أميركيين وإصابة نحو 40 آخرين. وجدت أميركا نفسها في الزاوية، لا يمكنها أن تتحمل مثل هذه الضربة. ثمة من نظر إليها كـأسد جريح لا بد له أن يسارع إلى الانتقام. تراوحت التقديرات حول الوجهة وكيفية الردّ الأميركي وإذا ما سيكون فاعلاً ومؤثراً ودافعاً إلى تغيير موازين القوى، إلا أن ذلك كان مستبعداً، نظراً للسياسة الأميركية العميقة ولمواقف جو بايدن المشابهة تماماً لمواقف أوباما. هددت واشنطن بالردّ وكأنها أعطت مجالاً للإيرانيين وللفصائل العراقية الحليفة لطهران لاتخاذ الإجراءات والترتيبات اللازمة. تماماً كما فعل بايدن مع الحوثيين عندما حذرهم بأن بلاده ستوجه ضربة لهم رداً على عملياتهم في البحر الأحمر فاتخذوا الإجراءات والتدابير اللازمة، فيما الضربات لا تؤدي إلى ردعهم عن الاستمرار في التأثير السلبي على الملاحة البحرية والتجارة العالمية.

إثر الضربة التي تلقتها واشنطن، نشطت قنوات الاتصال بين أميركا وإيران، استمرت الولايات المتحدة في منح الوقت وإعطاء الفرص للوصول إلى تفاهم، يأتي ذلك بعد أسابيع على ما كشفه السفير الإيراني في دمشق عن تلقي بلاده عرضاً أميركياً حول الذهاب إلى تسوية شاملة في المنطقة تطول كل الملفات. انطلق التفاوض بين الجانبين في أكثر من مكان وعبر أكثر من وسيط، وبينما لقاءات مباشرة عقدت في أرمينيا بهدف تجنب الصراع أو تصعيد المواجهة التي لا تريدها أميركا، ولن تكون في مصلحة إيران. مفاوضات لا تلغي ضربة أميركية معروفة مسبقاً هدفها رد الاعتبار وحفظ الكرامة، وإسقاط عدد من القتلى في صفوف حلفاء إيران لكن بدون أن تؤدي إلى تغيير موازين القوى، فإيران عنوان أميركي وغاية أميركية في المنطقة. هدف واشنطن استقطابها، وهدف طهران أن تحظى باعتراف أميركي حول تعزيز دورها ونفوذها.

جاء الاتفاق النووي بعد الكيماوي على حساب سوريا وأنقاضها وفوق أشلاء شعبها الذي سحقته الآلة العسكرية وتهجر بشكل ممنهج. ويأتي الاتفاق الحالي فوق أنقاض قطاع غزة وربما القضية الفلسطينية كلها، إثر عمليات التهجير الممنهج التي تتبعها إسرائيل، فيما جبهات المساندة الإيرانية لم تمنع التهجير ولا التدمير إنما فتحت مسارات لما تسميه طهران “التسوية الكبرى”. كان الاتفاق النووي على حساب العرب، وملامح التسوية الحالية ربطاً بحرب غزة وتهجيرها ستكون على حساب العرب وهذه المرة في خلق المزيد من الإشكالات العربية العربية لا سيما أن مصر والأردن تشعران بتهديد كبير.

ما يختلف بين العامين 2015 وحالياً، هو الاعتراض الإسرائيلي الكبير على الاتفاق النووي الذي لم يلحظ إيجاد صيغة حل لحلفاء إيران وأدواتها في المنطقة، وفي تلك الفترة صعّد كثيراً نتنياهو ضد باراك أوباما. المختلف اليوم، هو أن فتح الجبهات بشكل رمزي حتّم على الأميركيين والإسرائيليين البحث في كيفية التعامل مع حلفاء إيران. لأن الضربات التي نفذها الحلفاء جعلت البحث على آلية لضبط تحركات هؤلاء تسبق في أهميتها مسار الاتفاق النووي. كما أنه بعد عملية طوفان الأقصى فإن أميركا ستكون معنية في توفير الحماية والأمن لإسرائيل وهو ما يحصل سواء في دعمها العسكري، أو في دفع حلفاء إيران إلى وقف عملياتهم العسكرية وتوفير مقومات الاستقرار الطويل الأمد وهو طبعاً يحتاج إلى وقت لبلورته.

يريد الأميركيون اتفاقاً مع إيران، حول كيفية انضباط حلفائها في المنطقة، لذلك فإن التهديد الأميركي كان كافياً ليصدر البيان عن كتائب حزب الله العراقية في تعليق العمل العسكري ضد الأميركيين، مع الإشارة إلى اتخاذ فصائل أخرى مثل هذا القرار. سيفرض هذا المسار تغييراً في كل سلوك حلفاء إيران في المنطقة، ما سيفرض عليهم مقاربات سياسية مختلفة. لدى التفكير في مرحلة ما بعد الحرب على غزة، لا بد من النظر إلى آلية تغير المسارات السياسية لحلفاء طهران من خلال الانخراط في المجالات السياسية أكثر فأكثر، ليكون ذلك تعويضاً عن نشاطهم العسكري، والذي يمكن ستر التخلي عنه بما يحكى عن الانسحاب الأميركي من العراق.

المصدر تلفزيون.سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا