استثمارات بريغوجين باقية في سوريا

خلال ساعات الترقب التي انشغل فيها المحللون بمراقبة تطورات التمرد الذي قاده يفغيني بريغوجين، ضد وزارة الدفاع الروسية، طُرح في النقاش، احتمال تمدد هذا التمرد إلى الأراضي السورية، التي ما تزال تشهد نشاطاً ميدانياً لميليشيا “فاغنر”. وقلّل محللون من هذا الاحتمال قبل حتى أن يخرج إلى العلن ذاك الاتفاق الذي توسطت فيه بيلاروسيا، والذي أنهى تمرد “فاغنر” داخل الأراضي الروسية.

لكن يبقى الغموض يكتنف المستقبل السياسي والمالي، لـ بريغوجين، فيما ينتقل الأخير إلى منفاه البيلاروسي. ويبقى لهذا المستقبل انعكاساته على المشهد السوري. فرجل الأعمال، الذي استخدم الارتزاق وسيلة لإشباع طموحه الاستثماري والسياسي في آن، يملك استثمارات غامضة وغير واضحة المعالم في قطاع النفط والغاز السوري.

ومن أكثر تلك الاستثمارات غموضاً، صلة مالك “فاغنر” بشركتَي “ميركوري” و”فيلادا”، اللتين حصلتا على عقود تنقيب عن النفط في سوريا، صدّق عليها مجلس الشعب الخاضع للنظام، نهاية العام 2019. ووفق صحيفة “نوفايا غازيتا”، الروسية المستقلة، فإن الشركتين تعودان لـ بريغوجين. ووفق تقرير لها نُشر مطلع العام 2020، فإن شركات بريغوجين كانت تحصد حوالي 20 مليون دولار شهرياً من استخراج الموارد الطبيعية في سوريا، خلال العام 2018.

وعُرفت “فاغنر” في سوريا، بأدوارها في استعادة حقول نفط وغاز من مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية – داعش”، بين عامَي 2016 و2018. وتولت لاحقاً، مهام تأمين تلك الحقول، خاصة في ريف دير الزور. إلى جانب تأمين حقول الفوسفات في البادية السورية. وهي مهام ما تزال تضطلع بها الميليشيا، حتى الآن، في بعض المواقع.

وكان المكتب الصحافي لـ بريغوجين، قد نفى عام 2020، أي صلة له بشركتَي “فيلادا” و”ميركوري”. وبطبيعة الحال، لا يمكن اعتماد نفي الرجل، الذي يفتقد للمصداقية، بعد أن بقي ينفي صلته بشركة فاغنر، منذ تأسيسها عام 2014، حتى أيلول/سبتمبر عام 2022، عندما أقرّ بأنه المؤسس لها. قبل أن يظهر مع مقاتليها في ميدان المعارك بأوكرانيا، خلال العام الحالي.

وفيما يُظهر موقع شركة “ميركوري” أنها تأسست عام 1963، ولها نشاطات في التعدين والطاقة والصناعات الثقيلة في عشر دول، ومنذ السبعينات، يُظهر سجل شركة “فيلادا” أنها تأسست فقط في حزيران/يونيو 2018. أي قبل نحو سنة من توقيع عقدها مع وزارة النفط السورية. وحصلت الشركتان على حقول التنقيب في مواقع بالمنطقة الشرقية، وفي المنطقة الوسطى شمال العاصمة دمشق.

لكن أَوضَح استثمار لـ بريغوجين، كان ذاك العقد الذي وقّعته شركة النفط الحكومية السورية مع شركة “إيفروبوليس”، عام 2018، والذي قضى بحصول الشركة على ما نسبته 25% من أرباح مصافي النفط التي يتم استعادتها من “داعش”. وقد تأسست الشركة قبل أشهر فقط من توقيع العقد، كواجهة لنشاط “فاغنر” الاستثماري.

وفي ربيع العام 2021، صادَق رأس النظام، بشار الأسد، على اتفاق مُبرم مع شركة روسية غير معروفة، حملت اسم “كابيتال”، ومُنحت حق التنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط. وقد تم اكتشاف صلات مؤكدة بين “كابيتال” وبين “إيفروبوليس” التابعة لـ “فاغنر”. إذ اتضح أن المدير العام للأولى، مُدرج بوصفه كبير الجيولوجيين في الثانية. مما يؤكد أن “كابيتال”، كانت واجهة جديدة لاستثمارات بريغوجين في قطاع النفط السوري.

ومنذ العام 2021، لا يمكن الوقوع على أي معلومة موثّقة حول نشاطات الشركات المشار إليها أعلاه، في سوريا. وفي حين، ما تزال “فاغنر” مستمرة في تأمين مواقع نفط وغاز وفوسفات، على تخوم البادية السورية في الشرق والوسط، يصعب الحصول على أي معطيات حول النشاط التنقيبي أو الإنتاجي، للشركات المرتبطة بالميليشيا. مما يعني أن النشاط الوحيد الذي يعود بالأموال على “فاغنر” في سوريا، ما يزال محصوراً بعمليات تأمين حقول الموارد الطبيعية. وهي عمليات يصعب تصوّر الاستغناء عنها، في وقتٍ قريب. حتى لو كانت هناك رغبة لدى الكرملين في تحييد بريغوجين عن أية مصادر للثروة أو القوة، في الدول التي تنشط فيها “فاغنر”. إذ أن أسباب استعانة الكرملين بمرتزقة “فاغنر” في سوريا، ما تزال قائمة، بل ربما، أصبحت أكثر إلحاحاً، مع سحب جانب كبير من قوة الجيش الروسي إلى ساحة القتال بأوكرانيا، والخشية من الترقب الإيراني لملء أي فراغ قد يتركه سحب الميليشيا الروسية من أية مواقع للموارد الطبيعية السورية التي اعتُبرت من حصّة روسيا، بعد العام 2018.

وهكذا يبدو أن فلاديمير بوتين في موقف حرج، حيال كيفية التعامل مع نفوذ بريغوجين في الدول التي كان فيها ذراعاً للسطوة الروسية غير الرسمية على مدار سنوات. وقد يكون خيار الرئيس الروسي، الأفضل، هو إعادة لجم “فاغنر”، إلى أدوارها التي كانت تقوم بها، بين عامي 2015 و2022، وهي القتال لصالح روسيا، بشكل غير رسمي، في الدول والمواقع التي لا يريد الكرملين توريط مؤسسته العسكرية الرسمية فيها، بعيداً عن التراب الروسي، وربما أيضاً، الأوكراني. مما يرجّح أن تبقى “فاغنر” في سوريا، على حالها اليوم. وأن تبقى استثمارات بريغوجين الغامضة فيها، على حالها أيضاً.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا