الأسدُ وبَعثُه يرون الجميع بعينٍ واحدة

منذ أن انطلقت الثورة في سورية، عمل نظام البعث في دمشق، على تفعيل معادلات العداءات والخلافات المجتمعية، التي زرعها خلال نصف قرنٍ من حكمه.

فصل المدن عن الأرياف، إثارة النعرات الطائفية، إثارة الخلافات القومية.

ما وصلت إليه الثورة اليوم يشير لنجاح البعث في جني جزء مهم من محصوله الذي ذرعه وسقاه بدماء السوريين، نجح البعث بفعلته لكنه فقد الدولة، و تحول لهيكلٍ يقوم بأدوارٍ تُسند له من قوى إقليمية ودولية، ووصل بخارطة سورية اليوم، لجغرافية مُقسمة فعلياً سياسياً وعسكرياً، والأخطر مجتمعياً.

التدخل الدولي والإقليمي قام بتثبيت المآسي المجتمعية كحدودٍ سياسية تتغير بتغير مصالح الدول، وتُغير معها مواقف المجتمعات المحلية رهبة وأحياناً رغبةً.

منطقتان بقيتا خارج سيطرة الآلة العسكرية للنظام إلى الآن؛ شرق الفرات، ومناطق سيطرة المعارضة أو المسيطر عليها تركياً.

تعيش اليوم منطقة إدلب أو ما تبقى منها، على أشباه أحلام تدور حول احتمالية التزام النظام وروسيا، بهدنة ” خطوط التماس” المعلنة على مضض بين موسكو وأنقرة، ولم تكن إلا محاولة من الطرفين لعدم الانجرار لحرب مباشرة بين جيشهما.

تعيش مناطق شرق الفرات أيامها وكأنها لاعبٌ ينظر لعجلة الحظ، وهو مدرك أن حظوظه كانت سيئة، على خلاف فترة نشوة الاستتباب والاستقرار القصيرة.

بين ضفتي النهر ولسنواتٍ عدة تم تقاذف التشفي؛ من الغرب: تخلوا عنكم الأمريكان بعد استخدامكم، ومن شرقه: تخلت عنكم أنقرة بعد استخدامكم.

والحقيقة لم يعد هناك أطرافٌ محلية في سورية لا تُستخدم، ومن يفترض أن يكون الأكثر تماسكاً وهو النظام، ظهر خلال معركة ادلب بوضوح أكبر لحقيقة تقاسم إيران وروسيا له فيزيائياً، لدرجة إن القتال بين المعارضة والنظام المدعومين من موسكو وأنقرة، إلا أن الصراخ والعويل والتهديد الحقيقي كان يعلو من طهران وليس من موسكو. “حصدونا حصد”: قالها عنصر حزب الله اللبناني.

العين على ما تبقى خارج قبضة دمشق

بقاء منطقتي شرق وغرب الفرات(شمالاً)، خارج سيطرة النظام، وبقائها ضمن أوراق مصالح الدول الفاعلة عليها، سيبقيها مناطق هشة بعيدة عن الحلم بأشهر لا بل بأيامٍ معدودة على ذات السوية الأمنية والمعيشية.

المنطقتان على تعميق استعدائهما، إلا أن مصيرهما لحدٍ كبير متعلقٍ ببعضه البعض اليوم، فبمجرد أخذ آلة الأسد الحربية لاستراحة قصيرة في إدلب، أطلق رأس النظام تصريحه:

“لا يوجد شيء اسمه القضية الكردية في سورية”

“تلك المجموعات التي قدمت إلى الشمال أتت خلال القرن الماضي “

“استضفناهم في سورية”

” في سورية أخذوا الجنسية وهم لم يكونوا سوريين بالأساس”

” ما تسمى بالقضية الكردية عبارة عن عنوان وهمي كاذب”

عبارات الأسد عن الكُرد، يمكن نقلها مع وسم ” الإرهابيين ” عند تحدثه عن بقية مناطق المعارضة، فهو لا يرى فيها سوريين، وهم من قوميته العربية، بل يراهم رقماً يقارب 3 ملايين ويزيد، ويجب التخلص منهم عبر القتل ودفعهم للنزوح باتجاه الشمال أقصى ما باستطاعته، فهي عملية تحرير من شعبٍ أسقط سلطته فيها.

ترى قيادة دمشق كافة الأطراف الخارجة عن سيطرتها سواءً جزئياً او كلياً، بعينٍ واحدة، كأطراف عاقة يجب معاقبتها، إما بالاستئصال او الضرب بالسوط، لتعود لبيت الطاعة، سواءً كان شرق الفرات أو غربه، فالاثنية لا تشكل طوق نجاة لأصحابها، لا بل ستكون في الحالة الكُردية عاملاً لزيادة الخنق إذ ما استطاعت دمشق السيطرة على كامل إدلب وشمال حلب، فالبعث سيلجئ لسلاحه الذي لم يتخلى عنه منذ انقلابه على الحكم في سورية، وسيحاول العودة لسحق الكُرد بسلاح أنهم دعاة انفصال واعداء للدولة، وعنصرٌ خارجي قدم لسورية لاجئاً.

ولا يمكن الاستهانة بحجم تقبل وتقمص الكثيرين ممن لبسوا لباس الثورة بمقولة البعث حول الكُرد.

فالكثير من العسكريين “المعارضين”، كشفوا إن طريق دمشق يمر في المناطق الكُردية، وهو أحد عوامل خسارتهم لمدنهم وبلداتهم التي سيطروا عليها بدماء الشباب السوري.

لن تكون مناطق شرق الفرات منفصلة عن غربه، لا في حسابات البعث، ولا في حسابات الدول الإقليمية والكبرى، وسيتم المساومة بينهم على تنفيذ عملياتٍ ضد من يمثل تهديداً لأمنهم ولمصالحهم، وهو أمرٌ كان وسيبقى في سياسات الدول، فماذا عن المجتمعات المحلية والجهات المسلحة فيها غربا وشرقاً، وهي حطب نيران هذه المصالح، هل ستستفيق من نشوة الاستعداء المتبادل ام ستكون مصرة على تبني حدودٍ رسمها الغير بينهم؟

المصدر السورية.نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا