الأسد في الجامعة وسورية خارجها

صار في وسع رئيس النظام السوري، بشّار الأسد، أن يعتبر نفسه خارج العزلة العربية. وبعد أن طوت قمة جدّة قرار المقاطعة الذي دام نحو 12 عاما، يمكن له أن يتحرّك في الأجواء العربية بحرّية، وصار بمقدور المسؤولين العرب أن يقصدوا دمشق بلا حرج رسمي. ومهما يكن من أمر، ذهبت صفحة الجفاء العلني بين النظام السوري وأغلبية الدول العربية أدراج الرياح، غير أنه بدا من خلال الشكل والمضمون، وما ورد في البيان الذي صدر عن القمّة، أن ما جرى هو عودة الأسد إلى المؤسّسة العربية الرسمية من بوابة القمّة، بينما بقيت المسألة السورية معلقة، تنتظر الحل، الذي يشكل مفتاح العودة الطوعية لملايين اللاجئين، وتسوية ملفّ أكثر من مائة ألف معتقل، وإعادة الإعمار. وعلى هذا الأساس، ستبقى العودة إلى الجامعة بمثابة خطوة لرفع حالة العزلة عن النظام، ولم تذهب بعيدا إلى عمق المشكلة، وهناك أسباب كثيرة، منها أن فتح الباب العربي الرسمي أمام النظام لم يتم في إطار تسوية سياسية للمسألة السورية، وجرى التركيز على إنهاء عزلة الأسد، وإهمال بقية الملفّات، وهذا أمر مقصود من القائمين على العملية الذين يبدون غير قادرين، وعاجزين عن علاج جذور المشكلة، وليس لديهم قابلية لاتخاذ موقف يضعهم في خلاف وخصومة مع النظام وداعميه روسيا وإيران، خصوصا وأن النظام رفض التجاوب مع كل المبادرات التي تقدّمت بها الدول العربية للقبول بتسويةٍ حتى في الحدود الدنيا، بل تصرّف على عكس ما شاع في بعض الأوساط، من أنه سيقابل انفتاح الدول العربية عليه، بخطواتٍ رمزيةٍ توحي بأنه مستعدٌّ لحل سياسي للقضية. وجاء خطاب بشّار الأسد في القمّة تعبيرا صريحا عن غير هذا الموقف.

وبالتالي، تشكل العودة إلى جامعة الدول العربية عملية قفز على القرارات الدولية والعربية، ولها عواقب خطيرة، ليس على مستوى التهرّب من مسؤولية الحلّ فقط، بل على صعيد ما سيترتّب على تمييع القضية، وإدارة الظهر لمطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة، وترك ملايين السوريين لاجئين في داخل سورية وخارجها يعيشون أوضاعا مأساوية، بالإضافة إلى ما تعانيه سورية من تقسيم إلى مناطق نفوذ دولية، ووجود قواتٍ أجنبيةٍ على مساحاتٍ واسعةٍ من أراضيها، تمثل صراع المصالح والنفوذ بين كل من الولايات المتحدة، روسيا، إيران، وتركيا.

أخطر ما يترتّب على الوضع الجديد ليس عودة النظام إلى جامعة الدول العربية من دون أن يلتزم بأي خطوة مقابل فتح الأبواب العربية أمامه، بل هو أن يعتبر بعض العرب أنه رفع عن نفسه حرج ومسؤولية مساندة سورية وشعبها من أجل حلٍّ سياسي، وإعادة تعميرها. وهذا أمر لن يضرّ بسورية وقضية شعبها فقط، بل بالعالم العربي غير المحصّن ضد التدخّلات الأجنبية، وخصوصا الإيرانية. وهنا تجدر الإشارة إلى نقطةٍ مهمةٍ تتعلق بدور طهران في عودة الأسد ضمن الاتفاق مع الرياض، الأمر الذي يوحي بتفاهماتٍ على حساب السوريين.

الشعب السوري الذي أحسّ بالخذلان والإهانة من استقبال الأسد في جدّة أعطى بلا حدود من أجل الحرية، ولكنه لم يتلق المساعدة الكافية من أجل تحقيق هذا الهدف. صحيحٌ أنه حصل على دعم كبير، عربي وعالمي، إلا أن المخصّص من أجل الخلاص من النظام القاتل كان محدودا. ولذلك لم يتمكّن من الوصول إلى ما كان يطمح إليه بمواجهة نظام عسكري وأمني لديه عدّة رهيبة، بما فيها الأسلحة الكيماوية التي لم يتردّد في استعمالها رغم أنها محرّمة دوليا، هذا بالإضافة إلى مساندة إيران وروسيا له بكل ما تملكانه من إمكانات عسكرية واقتصادية وسياسية، وهو ما جعله يظلّ على قيد الحياة أكثر من عقد، بعد أن خسر موارده الداخلية.

المصدر العربي الجديد


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا