الأمم المتحدة تغذي آلة القتل في سوريا

ما زالت الأمم المتحدة تقدم الأموال المخصصة لدعم الشعب السوري لنظام الأسد، بدلاً من المتضررين، عبر واجهات اقتصادية يصطنعها النظام بشكل دوري. ووفقاً لتقارير المنظمة الدولية للمشتريات، فقد أنفقت في سوريا ما مجموعه 173 مليون دولار أميركي العام الماضي، و206.90 مليون دولار العام 2020، و199.40 مليون دولار العام 2019، ومبالغ مشابهة في الأعوام السابقة لهذه التواريخ، كلها منحت لمقاولين مرتبطين على نحو مباشر بالنظام.

ومع أن معظم المتعاقدين مع وكالات الأمم المتحدة، خاضعون لعقوبات أميركية وأوروبية لدورهم الداعم لقوات النظام في الحرب السورية، إلا أن المنظمة الدولية لا تعترف سوى بلائحتها الخاصة للعقوبات والتي لا تتضمن أياً من هؤلاء المستفيدين ولا الواجهات الجديدة التي تنشأ بهدف تفادي عقوبات محتملة.

تتبع أجهزة النظام أساليب متنوعة لتفادي العقوبات عبر وكلائها التجاريين، سواء لامتصاص الإعانات الدولية المقدمة للفئات الأكثر تضرراً من الصراع، أو لتمرير الصفقات التجارية لبيع ما تبقى من الثروات المحلية مثل الفوسفات وبعض المنتجات الزراعية. ومِن الحيَل أيضاً شراء رجال أعمال يديرون أموال عائلة الأسد، حصصاً كبيرة في مؤسسات غير خاضعة للعقوبات، مثل الشركة السعودية السورية للاستثمارات السياحية المالكة لفندق “فورسيزنز”، عبر الواجهة التجارية، سامر الفوز، الذي يتملك معظم أسهم الشركة. ودفعت المنظمة الدولية للشركة 9.4 ملايين دولار لها، وأنفقت 2.20 مليون دولار في فندق “فورسيزنز” التابع لها، ولم تمنع العقوبات الأوروبية والأميركية المطبقة على الفوز من التعاقد مع شركته خلال السنوات السابقة أيضاً، حيث بلغت تعاقدات الأمم المتحدة مع هذه الشركة وفق بياناتها المعلنة 75 مليون دولار في السنوات الخمس السابقة فقط.

تعمد الآلة المالية التابعة للنظام أيضاً إلى تبديل الأدوار بين شركات ورجال أعمال غير خاضعين للعقوبات أو حتى الشبهات، لعدم وجود أنشطة معروفة لهم، وغالبية هذه الشركات ذات صفة عائلية، مثل شركة زيت الزيتون السوري التي أنشأتها عائلة حبيب بيتنجانة الداعمة بشدة للنظام منذ العام 2011، لكن إدارة الشركة مُنحت لشخص في العائلة غير مُعاقَب وبعيد من الأنظار، هو أياد، تفادياً لإقحام اسم المدير الفعلي للشركة، وهو شقيقه أنطون بيتنجانة، الداعم العلني لبشار الأسد ونظامه وشريك رئيسي في الاستثمارات الروسيّة في صناعة الفوسفات في سوريا التي تهيمن عليها شركة فاغنر سيئة الصيت، وهو مساهم في شركة زيت الزيتون السوري بنسبة 40% من قيمة أسهمها. وقد حصدت هذه الشركة نصيب الأسد من المنح الغذائية المقدمة من الأمم المتحدة للشعب السوري، وفازت بعقود بقيمة 20.60 مليون دولار أميركي، وحصدت في السنوات الخمس الماضية ما مجموعه 55.5 مليون دولار من مساعدات الأمم المتحدة. والأمر عينه ينطبق على رجال الأعمال وعضو مجلس الشعب عن محافظة طرطوس، علي مرعي، نجل المتمول المعروف وهيب مرعي المقرب جداً من عائلة الأسد، الذي حصد في السنوات الخمس السابقة 14.2 مليون دولار. كما ينطبق على عائلة القاطرجي الخاضعة لكل أنواع العقوبات الغربية، والتي فازت بـ24 مليون دولار، وذلك وفق بيانات الأمم المتحدة ذاتها.

من بين الأساليب التي يلجأ إليها النظام للإفلات من العقوبات وجني أموال الأمم المتحدة، أو الاستثمار في مجالات أخرى خارج سوريا، هو إنشاء شركات لأشخاص لم يُعرف لهم أي نشاط سابق، لا اقتصادي ولا سياسي ولا اجتماعي حتى. وهم يظهرون في الساحة فجأة مع الكثير من الأموال التي يبدأون باستثمارها داخل سوريا وخارجها. ويعلم كافة المتعاملين معهم أنهم مجرد “مدراء” لهذه الأموال، لصالح شخصيات أو جهات متنفذة داخل النظام. ومن بين هذه الواجهات شخص يدعى رامي حنا قبلان، الذي حصد من الأمم المتحدة عقوداً بقيمة 42 مليون دولار، علماً أن مؤسسته المسماة رامي قبلان للتجارة تأسست مطلع العام 2020.

وعلى المنوال ذاته، تَرِد في سجلات الأمم المتحدة عشرات الأسماء ممن لم يُسمع بهم سابقاً على الاطلاق في الأوساط الاقتصادية السورية، مثل منذر نزها الذي ظهر في مجال الاستثمار السياحي العام 2013، عندما استولى النظام على فندق “سميراميس” الشهير من مستثمر سابق، ومنحه لنزها لتحويله إلى مكاتب ومقرات للمنظمات غير الحكومية ومنظمات الأمم المتحدة مع ضمانات أمنية. ومعلوم أن أنشطة وتحركات المنظمات الدولية خاضعة لرقابة أمنية شديدة، وتخصيص نزها بهذا الاستثمار يدل على قرب شديد من الدوائر الضيقة للنظام. ويُعتقد على نطاق واسع بين رجال الأعمال، أن نزها ذراع لماهر الأسد، وقد حصد السنة الماضية ما لا يقل عن 4 ملايين دولار من أموال الأمم المتحدة، فيما تكشف البيانات السابقة حصوله على 30.7 مليون دولار من هذه الأموال، في السنوات الخمس الماضية.

الجدير بالذكر إن هذه المبالغ التي نتحدث عن الوجهة النهائية لها، ليست سوى جزء من الكلفة التشغيلية للمنظمة الدولية ووكالاتها، أي أننا نتحدث عن رأس جبل الجليد فقط. فالمبالغ الكبرى هي ما يتم إنفاقه عبر هذه القنوات على المتضررين المفترضين، وهي مبالغ خيالية. فمؤتمر بروكسل السادس حول “دعم مستقبل سوريا والمنطقة”، حشد مبلغ 6,4 مليارات دولار لدعم الشعب السوري، يُعتقد أن ثلثها على الأقل يُنفق في مناطق سيطرة النظام، وهي بالتأكيد تذهب في المسارب ذاتها التي كشفت عنها سجلات الأمم المتحدة الرسمية، أي إلى خزينة نظام الأسد حيث يتم تدوير المساعدات الأممية لتتحول إلى رصاص وقذائف ورواتب و”ميزات” لأمراء الحرب الذين يهيمنون على البلاد، وهو أمر يتكرر منذ نحو عشر سنوات على الأقل، من دون أي بوادر لمراجعة هذا المسار الأممي وتصحيحه.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا