الاستيراد في سوريا..ماذا تعني الآلية الجديدة؟

في الأيام القليلة الفائتة، صدرت عشرات العناوين التي تفيد بإلغاء منصة تمويل المستوردات، سيئة الصيت، في سوريا. وتطلب الأمر، بضعة أيام، حتى بدأ خبراء يوضحون أن القرار الجديد، الصادر عن المركزي السوري، والذي حمل الرقم 970، عدّل آلية تمويل المستوردات التي احتواها القرار السابق، ولم يُلغها.

وعلى مدى نحو سنتين، تلقى القرار 1070، الصادر نهاية آب/أغسطس 2021، الكثير من الإدانة من جانب الأوساط التجارية والصناعية الناشطة في سوريا. إذ تم تحميله وزرَ معظم مشكلات الحركة التجارية والإنتاجية في البلاد. لذا، لقِي القرار الجديد ترحيباً متسرّعاً في الأيام الأولى لصدوره.

فما الفروق بين القرارين؟ وكيف ستنعكس على الأسواق وعلى سعر الصرف بصورة خاصة؟

لا تختلف المادة الأولى في القرارين، والتي تحدد مصادر تمويل مستوردات القطاعين الخاص والمشترك، إلا في ديباجة البند الرابع فقط. إذ أنها تحصر مصادر التمويل في أربعة أقنية مسموح بها: حساب المستورد بالقطع الأجنبي لدى أحد المصارف العاملة في سوريا، أو بيع القطع الأجنبي للمستورد عن طريق أحد المصارف العاملة في سوريا، أو بيع القطع الأجنبي للمستورد عن طريق إحدى شركات الصرافة المُرخّصة. وأخيراً، يأتي المصدر الرابع. وفي حين كانت ديباجة القرار السابق تحدده بـ “حسابات المستورد في الخارج”، وسّع القرار الجديد هذا المصدر بهذه الديباجة: “كافة الموارد المتاحة للمستورد من القطع الأجنبي خارج سوريا”. وحدد لذلك شروطاً. إذ يطلب القرار من المستورد تأكيد شرعية مصادره الخارجية من القطع الأجنبي، بوثائق قانونية. وهكذا، لا فارق جوهرياً بين القرارين السابق والجديد، على صعيد مصادر تمويل المستوردات.

أما في البنود اللاحقة، فيظهر فارقان مهمان. الأول يتضح في البنود التي تعالج دور شركات الصرافة في تمويل المستوردات، التي ستعمل عبر “منصة تمويل” جديدة. ويُلزم القرار هذه الشركات بقبول كافة طلبات تمويل المستوردات من المواد التي صنّفها المركزي ضمن “أولويات التمويل”، وأبرزها (حليب الأطفال، الأدوية، المستلزمات الطبية، المواد الزراعية، الأرز، الشاي..). ووفق نص القرار، يتوجب على شركات الصرافة تثبيت سعر بيع القطع الأجنبي للمستورد بتاريخ تسديده لكامل القيمة المعادلة بالليرة السورية. وبذلك حُلت جزئياً، تلك المشكلة التي لطالما أرّقت المستوردين، نتيجة القرار السابق. إذ كان تنفيذ عملية تمويلهم بالدولار يتأخر في بعض الأحيان، لأشهر، بعد دفعهم القيمة المعادلة بالليرة. ومع التراجع المستمر في سعر صرف الليرة، كانت النتيجة خسائر محتملة للمستوردين، كانت تدفعهم إلى “التحوط”، عبر رفع أسعار بيع البضائع المستوردة وفق تلك الآلية، بصورة تقيهم من الخسارة، فتكون الحصيلة على حساب المستهلك النهائي، الذي أُنشئت هذه الآلية أساساً، للحد من ارتفاع أسعار السلع الأساسية المُباعة له.

ولهذا التعديل اللافت في آلية تمويل المستوردات، ثلاث دلالات يجب التوقف عندها. فإلزام شركات الصرافة بقبول كافة طلبات تمويل مستوردات السلع ذات الأولوية، تعني أن تلك الشركات باتت تملك إيرادات دولارية تسمح لها بذلك. أي أن سياسة المركزي المُتبعة منذ شهر شباط/فبراير الفائت، والتي انتُقدت كثيراً، والقائمة على رفع سعر صرف “دولار الحوالات” ليلاحق سعر السوق السوداء، هذه السياسة تحقق أهدافها جزئياً، عبر تحويل جانب من حوالات السوريين إلى القنوات المرتبطة بالمركزي. لكن الدلالة الثانية التي تنتقص من إيجابية الأولى، هي أن المركزي مضطر للاستمرار في ملاحقة سعر السوق السوداء، بنشرة “الحوالات والصرافة” الصادرة عنه بصورة شبه يومية. وهي النشرة ذاتها التي ستُعتمد في تحديد سعر الدولار الذي يتم به تمويل المستورد. فإن لم يستمر المركزي برفع سعر الدولار وفق تلك النشرة، بما يتماشى مع سعر السوق السوداء، فإنه سيخسر القناة التي تجذب جزءاً من حوالات السوريين، والتي من خلالها أصبح قادراً على تمويل المستوردات الأكثر إلحاحاً. أما الدلالة الثالثة، فهي أن تمويل المستوردات التي صنّفها المركزي بـ (غير ذات أولوية في التمويل)، سيكون وفق الإمكانات المتاحة لدى شركات الصرافة. أي أن هذه الأخيرة قد تعجز عن تنفيذ عملية التمويل. والمواد المدرجة في هذه القائمة، في معظمها مواد أولية تدخل في الصناعة، أو مواد مُصنّعة. وهو ما يؤكد أن دولارات الحوالات التي اجتذبها المركزي نحو القنوات المُرخّصة، لا تغطي كل حاجات سوريا من المستوردات. مما يعني أن المستوردات التي تدخل في النشاطات الصناعية لن تحظى بفرص مرتفعة للتمويل بسعر دولار تفضيلي (وفق نشرة الحوالات والصرافة).

أما الفارق الثاني بين القرارين، فهو تمديد زمن الاستحقاق الآجل لتمويل المستوردات التي يتم جلبها (بالدَين)، من شهر إلى ستة أشهر. وهو ما يعطي هامش مرونة أكبر في تنفيذ عملية الاستيراد.

وبناء على الفارقين الرئيسيين بين القرار القديم والجديد، يمكن أن نتوقع، في المدى المنظور، انسيابية مقبولة في توفر السلع الأساسية في الأسواق، فيما تبقى أسعارها مرتبطة بتطورات سعر الصرف. في المقابل، ستبقى الاختناقات وحالات الانقطاع في توفر السلع الأخرى، الصناعية منها تحديداً، أمراً قائماً في المدى المنظور.

أما بالنسبة لسعر الصرف، فلن يكون للقرار الجديد أثر في استقراره، بل على العكس، فهو يكرّس مبدأ ملاحقة السعر الرسمي لسعر السوق السوداء من جهة، ويقرّ بالعجز عن تمويل كامل احتياجات سوريا بأسعار دولار تفضيلية، من جهة أخرى. وهكذا ستبقى الكلمة العليا، في الفترة القادمة، للسوق السوداء.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا