الانتخابات التركية..وثقل كتلة معارضة المعارضة

في الإنتخابات التركية الأخيرة، خاض مرشح “تحالف الأجداد” في تركيا، سنان أوغان، سباق الرئاسة حاملاً معه آمال كبيرة بقدرته على حصاد عدد كبير من الأصوات، بعد اعتماده وحليفه حزب “النصر” الذي يترأسه “أوميت أوزداغ”، على ملف ترحيل اللاجئين خاصةً السوريين منهم كحامل انتخابي؛ لأجل الترويج لحملته الانتخابية.

وقد مارس الحزب حملات متنوعة على مدار السنوات الماضية لجذب الشارع التركي واستقطابه بالترافق مع أزمة اقتصادية تعيشها البلاد وارتفاع الاحتقان من سياسات اللجوء، ومن ثم الزلزال الذي ضرب سورية وتركيا مخلفاً آثار كبيرة عززت من قدرة الحزب على الاستثمار في ملف اللاجئين.

تناقضات الانتماء واللجوء

لم يكن من المفاجئ دفعُ حزب النصر لأوغان كمرشح رئاسي في الانتخابات، بكونه يحمل ذات التوجهات اليمينية وذات الطابع الطوراني شديدة القومية وما بعد محلية، خاصةً وأنّه ينحدر من أصول أذربيجانية وسبق له وأن قضى شبابه وحياته الأكاديمية في أذربيجان.

مع ذلك يحمل توجهات معادية للاجئين مما يثير الحفيظة حول تناقضات انحداره من أصول غير تركية والعداء للاجئين في ذات التوقيت.

مع ذلك، يعتبر سنان شخصية متزنة سياسياً مقارنةً بأوزداغ، ولديه تحصيل أكاديمي ناهيك عن تحدثه للغة الروسية بجانب التركية، وقربه من عمر الشباب مقارنةً بالمرشحين الأخرين فهو يصغر أقرب المرشحين له من حيث العمر بعقدين على الأقل.

انصبّ تركيز حزب النصر خلال الانتخابات على هدفين: الأول، العمل الحثيث على محاولة تجاوز “العتبة الانتخابية” المطلوبة في الانتخابات البرلمانية بعد التعديلات الأخيرة خلال العام ٢٠٢٢ لتصبح ٧٪ بينما الهدف الثاني، تجسّد بمحاولة عرقلة قدرة طرفي الانتخابات أي المعارضة والموالاة على حسم النتائج من الجولة الأولى، لأجل المساومة على بعض الملفات أو إثارة الجدل وإعادة التذكير بحجم الحزب ضمن المعادلة التركية وضرورة عدم الاستخفاف به، ولطالما حرص أوغان على ضرورة التعامل معه بكونه مرشحاً للرئاسة وقادراً على التأثير في خارطة التموضع السياسي في تركيا.

سعى “حزب النصر” خلال المرحلة التحضيرية لتوسيع قاعدة تحالفاته مستغلاً بعض تناقضات المعارضة التركية ضمن الطاولة السداسية أو المقربين منها، عبر استقطابه لحزب البلد الذي سبق وأن أسسه محرم إنجه -منافس الرئيس أردوغان في انتخابات العام ٢٠١٨- لكن معطيات الحياة السياسية التركية التي تفرض تغييرات سريعة تمنع من الاستقرار المطلوب، سيما ضمن الأحزاب الصغيرة التي تبقى رهينة التحولات في المشهد الحزبي العام.

وقد عوّل سنان خلال حملته الانتخابية على استعطاف عدة فئات منها بناءً على الأيديولوجيا وعداء اللاجئين، والأخرى على أساس الشريحة العمرية، وقد طوّر حملته الانتخابية بالتأكيد على رفض التحالف الحكومي، كذلك شمّل المعارضة التي يعتبرها أكبر مفرزات الحياة السياسية السابقة ومساهمة بشكل مباشر في صناعة شكل طبيعة تركيا السياسية، فكما يرفض التحالف الحكومي بسبب سياسات اللجوء، يوجه نقداً لاذعاً للمعارضة، سيما بعد تحالفها مع حزب الشعوب الديمقراطي، لأجل استمالة الشرائح القومية والشبابية وتوسيع قواعده الانتخابية.

وهم حسم الانتخابات وإدارة الوقت

جاء مرشح تحالف الأجداد في المرتبة الثالثة في الانتخابات الرئاسية يوم 14 أيار/ مايو 2023، بنسبة 5,1% وبواقع مليونين و800 ألف صوت وهو عدد الناخبين الذي يكفي المرشَحينِ الأخرين لحسم الانتخابات من الجولة الأولى.

لم يكن تحالف الأجداد يتوقع قدرة مرشحه الحصول على هذا الكم من الأصوات على الأقل للإدراك بحجم تيار اليمين المتشدد في التموضع ضمن الخارطة الحزبية في تركيا، لذا يمكن اعتبار النتائج مفاجئة وحالت دون حسم السباق من الجولة الأولى، وقد ولّد ذلك شعور الثقل لدى حزب النصر ومرشحه أوغان الذي خرج خلال الانتخابات محذراً من التلاعب بالنتائج ومؤكّداً على الانتقال للجولة الثانية، باعتبار أن النتيجة مرضية له وستساعده على وضع شروط على طاولة التحالفات وقد تمهد لممارسته دوراً سياسياً في مستقبل تركيا.

الحقيقة، ينبع الاستغراب من النتائج التي حصل عليها أوغان في الانتخابات الرئاسية عند مقارنتها بتلك البرلمانية التي لم تصل لعتبة 2,50% أي أقل من النصف، وهذا يدفع للاعتقاد بأنّ الأصوات التي حاز عليها تتوزع على ٤ شرائح وهي: فئة اليمين القومي المتشدد وهي كتلة صلبة تعتبر حامل الحزب الأساسي، بينما الفئة الثانية هي تلك التي يطلق عليها “Z kuşağı” أي فئة الشباب والتي استطاع أوغان استقطابها لسببين، الأول لاعتباره أصغر المرشحين ولطالما عرّج على أهمية العمر والقرب من متوسط العمر لدى رئيس الدولة، والثاني انسحاب محرم إنجه الذي يملك قاعدة شبابية جيدة من الانتخابات، أمّا الفئة الثالثة فهي معارضة المعارضة التي ترفض التصويت أو معترضة على ترشيح الطاولة السداسية لكمال كيلتيشيدار أوغلو، بذات السوية معارضة للتحالف الحكومي، أمّا الفئة الأخيرة فهي شريحة محرم إنجه من غير الشباب التي رفضت التصويت للمعارضة السداسية والتحالف الحكومي.

يعمل أوغان على الإيحاء بأنّه يملك القدرة على توجيه تلك الشرائح خلال الانتخابات القادمة، معتبراً أن الأصوات الصافية التي حاز عليها تمثله كشخص وتحصّلَ عليها بناءً على قناعة الناخب، وليس لاستثماره في تناقضات كثيرة في الحياة الحزبية التركية.

فيما يمكن القول إنّ ما يقدمه أوغان من قدرته على حسم السجال في الجولة الثانية عبر التوجيه فيه مبالغة لحد ما، وفي الغالب ما تدرك الأطراف ذلك.

قد يستطيع توجيه الشريحة اليمينية لأجل التصويت لمرشح معين بما فيها الشباب، لكن يبقى هناك شك بامتلاكه أوراق يمكن عبرها التأثير على الشرائح الأخرى، خاصة تلك التي يملكها إنجه أو التي صوتت له لرفضها التصويت للمرشحين الأخرين، كما ليس من المتوقع حفاظ أوغان على ثقة شريحته اليمينية في حال وجهها للتصويت لتحالف المعارضة أو الحكومة لما قد يخلفه التوجه من تصدعات متعلقة بفقدان الثقة بالوعود الانتخابية التي يطرحها، كذلك المجازفة بمستقبله السياسي كونه يعمل على تقديم نفسه كممثل تيار اليمين في مستقبل تركيا.

مع ذلك، قدّم أوغان شروطه لتوجيه ناخبيه في الجولة الثانية أبرزها: الحفاظ على المواد الدستورية الصلبة، محاربة التنظيمات الإرهابية، وإعادة اللاجئين، والتعامل مع التضخم الاقتصادي.

ويضع أوغان ملف اللاجئين على طاولة تحالف الجمهور، بينما يضع ملف التنظيمات الإرهابية على طاولة المعارضة التركية، فيما يبدو أنها تحديات كبيرة يصعب تحقيقها، فلا تحالف الجمهور يرغب بإعادة اللاجئين وفق مقاربة حزب الظفر رغم تقديمه وعود بإعادة مليون سوري، وليس لدى الطاولة السداسية الرغبة بالتراجع عن سياساتها الماضية بعد تقاربها مع حزب الشعوب الديمقراطي.

يدلل ذلك على صعوبة حسم موقع كتلته في الانتخابات القادمة وقد يكون من غير المستبعد ترك الخيار للناخبين، وإدارة الوقت بتحصيل أكبر مكاسب ممكنة منها الدعاية الكبيرة التي يقوم بها أو اللقاءات منها تلك في 19 أيار/ مايو 2023، التي جمعت أوغان بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أو أوزداغ بمرشح المعارضة كمال كيلتيشدار أوغلو، الأخير الذي حوّل حملته الانتخابية لتركزَ على اللاجئين السوريين بما يتسق مع خطاب “حزب النصر”، على أمل أن تجلب تلك الحملة أصوات كتلة اليمين.

أخيراً، ليس من الكافي الاعتماد على معطيات النتائج السابقة لتشكيل الصورة العامة عن الجولة الثانية، فلكل مرحلة ظروفها وسياقها ومتطلباتها وشروطها الموضوعية، فربما ارتفاع الاقبال على انتخابات الجولة الثانية وحده يشكل فارق أو ضبط الأصوات المبطلة التي تجاوزت المليون صوت في الجولة الأولى أو تغيير وجهات نظر الناخبين لدى التحالفات، قد تكون هذه العوامل وحدها كافية لحسم السباق الانتخابي دون النظر لكتلة أوغان، الذي فيما يبدو سيكون حريصاً على عدم خسارة الحوافز التي ستقدم له بالاتساق مع المحافظة على القواعد الشعبية، ولا يقلل ذلك من أهمية وتأثير القاعدة التي يمتلكها أوغان على انتخابات الإعادة بكونها ستشكل فارقاً مهماً وترفع من حظوظ المرشحين لكنها ليست العامل الوحيد والحاسم.

المصدر السورية.نت


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا