البحث في مصير الأسد.. “سوريا” مؤجلة

تضارب في المواقف نقل عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. نقل عن الرجل قوله، إنه لا يمكن إجراء انتخابات رئاسية في سوريا من دون التوصل إلى دستور جديد. سريعاً تم تصحيح الموقف، ونسبه إلى خطأ في الترجمة، ليأتي التوضيح بأن ما قصده وزير الخارجية الروسي هو أن لا إلزام قانوني بالاتفاق على الصيغة الدستورية قبل إجراء الانتخابات الرئاسية.

الإصرار على هذا الموقف يعني أن موسكو لا تزال عند موقفها الثابت وهو عدم مناقشة رحيل بشار الأسد عن السلطة، وتأكيد على أن الانتخابات ستجري في موعدها. تعلم موسكو علم اليقين أن هذه الانتخابات لن تكون إلا عنواناً انقساميا جديداً، لن يحظى بإجماع داخلي ولا دولي. بل إطالة أمد الاستنزاف والخراب السوري، بانتظار لحظة البازار الكبير.

يلقى الموقف الروسي دعماً إسرائيلياً، وفي بعض الأوساط الغربية والأميركية، فهؤلاء قد استسلموا لفكرة إيجاد بديل لبشار الأسد، ولا ويريدون الخوض في عناء البحث عن حلول سياسية طالما أن الاستعصاء السوري يؤدي النتائج المطلوبة، وطالما أن المصلحة الاستراتيجية الإسرائيلية مؤمنة، من خلال حماية الجبهة الجنوبية، وبما أن الصراع على المعابر والممرات والمرافئ مستمر، في مثل هذا الصراع، لا تحتاج الدول إلى سلطة حديثة قادرة على لملمة أشلاء وطن تدثر. وحتى لو وصلت أي سلطة جديدة ولو كان قوامها بين المعارضة والنظام ومن مشارب مختلفة إما أنها لن تكون مؤهلة على لجم التدهور وضبط الساحة وشوائبها، أو أنها ستكون ذات توجهات متعِبة فتنتج أزمات متعددة بدلاً من أزمة واحدة، أزمة، يتم التعامل معها حالياً من خلال توسيع نطاق النفوذ على الجغرافيا السورية بين جهات متعددة، كل واحدة منها قادرة على ضبط الحيّز الجغرافي لمنطقة نفوذها.

صحة هذا الكلام تتأكد من تصريح للخارجية الأميركية حول أن واشنطن لا تسعى لهندسة تؤدي إلى تغيير النظام، ولكنها تؤكد وجوب محاسبته على ما ارتكبته بحق الشعب السوري وتحميله المسؤولية الكاملة. إنه موقف ليس فيه وضوح يشتهيه السوريون الطامحون إلى تغيير النظام وإلى موقف دولي يغيّر المعادلة برمتها. لكنه أيضاً بنفس الوقت لا يشفي غليل موسكو ولا طهران ولا نظام بشار الأسد الذي لن يتمكن من التهرب من مسؤوليته أو محاسبته. لكنه تصريح يطيل أمد الأزمة، ويبقي سوريا مفتوحة على صراعات مديدة، وسط نقاش عقيم حول اللجنة الدستورية التي لم تنتج ولن تنتج بناء على قرار واضح من قبل النظام.

يشبه كلام الخارجية الأميركية، مواقف أميركية سابقة صدرت أيام إدارة باراك أوباما عن أنه لا مستقبل لبشار الأسد في سوريا، هذا أمر ثابت، ولكن السؤال هو متى يحين موعد هذا المستقبل؟

هنا المسألة تبدو في غاية التعقيد، والأزمة مفتوحة على زمن غير محدد بعد، إلّا أن الأكيد هو استحالة إعادة تعويم بشار الأسد. وما نقل عن لسان لافروف ولو كان خاطئاً فهو لا يعني أنه لم يكن فكرة متداولة وبقوة في مرحلة سابقة، وهي التي ستكون المخرج الأساسي من الأزمة عندما يحين وقت الخروج منها. ما نقل عن لسان لافروف هو عبارة عن فكرة جرت مناقشتها دولياً على مراحل، وصلت إلى حدّ التفكير بتأجيل الانتخابات الرئاسية السورية لسنة ريثما يتم وضع اتفاق دولي شامل وواضح المعالم، بذلك يكون الأسد قد كسب سنة إضافية في الحكم وبعدها يتم الاتفاق على صيغة بديلة من مجلس حكم انتقالي أو حكومة انتقالية.

رفضت روسيا هذه الفكرة، وطرحت فكرة مضادة، وهي توفير انتخاب بشار الأسد لولاية رئاسية جديدة، أي 7 سنوات، وبعد الانتخابات بسنة يبدأ العمل على بلورة اتفاق سياسي ودستوري برعاية دولية، يسحب صلاحيات رئيس النظام ويبقيه صورياً لتنتقل الصلاحيات إلى حكومة انتقالية تضم شخصيات موالية ومعارضة متوزعة على جماعات المعارضة المتعددة والمتنوعة. لم يتم التوصل إلى اتفاق حول أي من الفكرتين، لكن الفكرة هي الصيغة التي سيكون وفقها المخرج متاحاً فيما بعد. بينما السؤال الأساسي يبقى حول قدرة موسكو على الاستمرار في حالة الاستنزاف وما يمكن لها أن تحققه من تنازلات غربية. مقابل تقديمها لتنازلات في المقابل.

العقدة الأساسية في هذا المسار هي إيران، إطالة أمد الأسد يعني توسيع هامش الفوضى في سوريا، وهو أكثر ما تنجح طهران باستثماره، بينما تسعى موسكو مع طهران ومع حزب الله لإعادة رسم قواعد جغرافية لمناطق ومواقع نفوذهم في سوريا، وذلك في محاولة لتجنب مزيد من الضربات الإسرائيلية والتصعيد الأميركي، والموقف الخليجي المتشدد من وجود إيران وحلفائها على الأراضي السورية. هنا تؤكد المعلومات أن روسيا قدمت طرحاً مكتوباً للطرفين أي لإيران وحزب الله حول ضرورة إجراء عملية إعادة تموضع، مقابل إعطاء ضمانات حول حفظ مصالح طهران في سوريا، لم يأت الجواب الإيراني بعد، ولكن على أساسه ستحاول موسكو تقديم برنامج عمل أو مبادرة جديدة بعد الانتخابات السورية وإعادة انتخاب الأسد، من شأن هذا البرنامج أن يمثل خطة عمل مشتركة مع المجتمعين العربي والدولي للمرحلة المقبلة.

المصدر تلفزيون سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا