التصعيد بين إيران والغرب.. لعب على حافة اللااتفاق

في مراقبة ما يجري بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، أو بين حزب الله وإسرائيل، ثمة سؤال طفولي يبرز عند كل حدث أو تطور ينذر بالتصعيد بين الطرفين. وربما هذا السؤال يرافق الجميع، ويستمر طويلاً بما أن لعبة التفاوض والتصعيد ستبقى مستمرة. السؤال هو:” هل يعقل حصول هذه الضربات أو المناوشات أو التصعيدات العسكرية بدون الوصول إلى حرب في ظل مواقف عدائية معلنة بشكل كبير وبشكل يومي؟” ويمتد السؤال أكثر:” هل يمكن لجهة ما أن تنصح إيران مثلاً بتوجيه ضربة لاستهداف المصالح الأميركية، أو لضرب الملاحة البحرية والتأثير عليها سلباً، مع وجود تطمينات بأن ذلك لن يؤدي إلى ردّ كبير؟ فتأخذ طهران صورة الطرف القوي في مواجهة خصوم ضعفاء غير قادرين على الردّ عليها أو يخشون التصعيد العسكري معها؟ كل هذه الأسئلة تطرح نفسها بشكل يبتعد فيه المرء عن قراءة المعطيات السياسية والوقائع الموجودة أمامه.

وما ينطبق على إيران، ينطبق على ما شهده جنوب لبنان في الأيام الماضية لجهة التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، فيوجه الطرفان ضربات لبعضهما بعضا وسط تأكيدات بأنها لن تتطور إلى مواجهة مباشرة ولا إلى معركة واسعة. إنما يعاد ترسيخ منطق ضربة مقابل ضربة، وكل ذلك يجري على حساب الدولة ومؤسساتها، وعلى حساب الشعب، وهو السيناريو نفسه الذي رسخته إيران في العراق وفي سوريا. ولكن كل هذه التطورات وإن لم تكن تؤدي إلى تغيير في قواعد اللعبة الإقليمية والدولية، إلا أن مآثرها على الواقع الداخلي كثيرة.

فلبنان مثلاً يعيش انقساماً عمودياً شعبياً خطيراً جداً، بعكس التحالفات السياسية التي تنسجها القوى بين بعضها بعضاً بحكم الأمر الواقع. وهذ يعكس اختلافاً جذرياً بين القواعد الشعبية والتمثيل السياسي الذي يفترض أنه يمثلها. وهو أمر مشابه لما كان عليه الوضع في سوريا قبل الثورة، حيث إن بعض التحالفات نسجها النظام مع شخصيات اقتصادية أو تجارية أو لها توجه سياسي، ويستمر هذا الانقسام في سوريا إلى اليوم، إذ إن النظام يسعى إلى تعزيز وضعه مع بعض الوجهاء أو النافذين مع البيئات الاجتماعية المختلفة عنه، وحتى داخل بيئته الحاضنة، بينما تتعالى أصوات كثيرة ومن قلب البطانة رافضة لاستمرار الواقع المتدهور على مختلف الصعد وأهمها المعيشية. فما كان يمكن أن يشكل عناصر انصهارية بين النظام وعسكره مع فئات اجتماعية كثيرة، أيام الحرب والمعارك لا يمكن أن يستمر في حالة انعدام أدنى مقومات الحياة. هذه كلها سيكون لها أثرها الكبير لاحقاً بانفجارات متوالية، بغض النظر عن المسار الذي ستسلكه طريق المفاوضات الإقليمية، وإعادة توزيع النفوذ بين القوى المتخاصمة.

تأخذ التهديدات الإسرائيلية بعداً جدياً، مختلفاً عن أيام نتنياهو الذي لم يكن يميل إلى الحرب بل إلى التسويات والضربات المحدودة. إلا أن الإدارة الإسرائيلية الجديدة تسعى إلى تثبيت قوتها من خلال رفع سقف التهديدات، إلى الحدّ الذي يدفع السفير الإسرائيلي في أميركا إلى التحريض على ضرب حزب الله ومواقعه داخل لبنان واستهداف مخازن صواريخه الدقيقة، ما يعني استنساخ التجربة التي ينتهجها الإسرائيلي في سوريا بالداخل اللبناني.

كل ذلك يحصل على وقع التصعيد الإسرائيلي الإيراني، وسط تحشيد إسرائيلي كبير لتوجيه ضربة إلى البحرية الإيرانية بعد الاعتداء على السفينة، في ظل عملية نقل السفن البحرية إلى بحر العرب، فيتم سريعاً إخماد أي محاولة للتصعيد في جنوب لبنان ربما تحسباً لحصول شيء أكبر في المنطقة ومع إيران بالتحديد. لكن ذلك كله لن يقود إلى تغيير جذري في موازين القوى على الأرض، إنما هدفه العودة إلى مفاوضات بعد رفع الأسقف وصولاً إلى اللعب على حافة الحرب ليطرح ملف النفوذ الإقليمي الإيراني على طاولة المفاوضات أيضاً، سواء في صلب المفاوضات النووية أم كجانب تفاوضي جديد يكون ملحقاً بالاتفاق النووي.

المصدر تلفزيون سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا