التلويح بمطار دمشق “الإيراني”

“مصادر وثيقة في وزارة النقل، تتحفظ على كشف هويتها، تكشف عن شريك خاص، رفضت الإفصاح عنه، سيحظى باستثمار مطار دمشق الدولي بنسبة 49%”: هذا “الكشف” تم عن طريق صحيفة “البعث”. إنه “تسريب” كما وصفته خبيرة اقتصادية موالية. لكنه “تسريب” غير معتاد.

اعتدنا أن تحصل تسريبات مماثلة عبر صحيفة “الوطن” المقرّبة من النظام. ورغم أن خلفية “الوطن” وتوجهاتها، معروفة للجميع، إلا أنها تبقى – نظرياً على الأقل- إعلاماً خاصاً. بينما “البعث”، هي إحدى الصحف الرسمية، الناطقة باسم النظام. وهنا مكمن الغرابة، فمنذ متى تقوم صحيفة رسمية في سوريا، بالحصول على معلومات “حسّاسة” من “مصادر” في مؤسسة حكومية، عن قضية تخص مرفقاً حيوياً بحجم مطار دمشق، بطريقة “التسريب” الإعلامي؟!

وكأن معدّي “التسريب” أرادوا التفكير “بصوت مرتفع”، مع أطراف محددة، بخصوص مصير مخطط استثمار مطار دمشق. إذ أن “تسريب” “البعث”، يتحدث عن “دراسات وصيغ قانونية يتم التباحث بشأن عقودها”، في إشارة إلى أن الصفقة مع الشريك “مجهول الهوية”، لم تتم بعد. بطبيعة الحال، فإن تلك الأطراف لا تشمل السوريين، الذين يُعتبر مطار دمشق أحد أبرز البنى التحتية لـ “دولتهم”. فـ “التسريب” موجّه لجهات خارجية يهمها مصير المطار، الذي أصبح منذ أكثر من ثلاث سنوات، أشبه بثكنة إيرانية.

النقطة الأخيرة، إلى جانب تصاعد الإصرار الإيراني على استرداد الديون من نظام الأسد، مؤخراً، خلق حالة أشبه بالإجماع بين المحللين الذين تناولوا خبر “البعث”، مفاده، أن شركة إيرانية هي الشريك الذي لم يتم الكشف عن هويته. لكن، ووسط هذا الإجماع، ندُرت النقاشات التي تناولت نتائج هكذا سيناريو. أي، شرعنة الاستيلاء الإيراني القائم فعلياً، على المطار، عبر عقد استثمار مع شركة “واجهة” تتبع للحرس الثوري الإيراني، كما هو حاصل في المشغل الثالث للخليوي، “وفا تيليكوم”.

هناك “فيتو” إسرائيلي على تعزيز النفوذ الإيراني على مرافق المطارات والموانئ السورية. وسبق أن قصفت إسرائيل مطار دمشق، عدة مرات، وخرج المطار عن الخدمة، مرتين على الأقل. وفي حزيران/يونيو 2022، وبعيد قصف إسرائيلي تسبب بخروج مطار دمشق عن الخدمة، مرر المسؤولون الإسرائيليون عبر صحيفة “يديعوت أحرنوت”، رسالة إلى نظام الأسد أن خضوعه للخطط الإيرانية وإتاحة الفرصة لنقل الأسلحة والمعدات إلى حزب الله والميليشيات الإيرانية، سيُكلّف النظام السوري، ثمناً باهظاً. وهي تهديدات سبق أن نفذتها إسرائيل بخصوص مرفأ اللاذقية، حينما اقتربت إيران من شرعنة سيطرتها عليه. أي أن منح استثمار مطار دمشق لشركة إيرانية، يعني ازدياد وتيرة تعرضه للقصف الإسرائيلي، وتعطيل خدماته المدنية.

ومن جانب آخر، فإن العقوبات الغربية المفروضة على مؤسسة الطيران الرسمية -وهي الطرف الذي يمثّل القطاع العام في الشراكة بمطار دمشق وفق تقرير “البعث”- تمنع أي طرف خارجي من التورط في استثمار كهذا، لأنها تجهض أية مساعٍ للخروج بالمطار من مشكلاته الراهنة، الناتجة في جانب كبير منها، عن هذه العقوبات، أساساً. فما بالك، لو كان الطرف الآخر في هذه الشراكة، إيرانياً. فهذا أدعى لأن تتعرض هذه الشراكة لعقوبات أكثر شدة.

وهكذا لا يبدو أن استثماراً إيرانياً لمطار دمشق، في المدى المنظور على الأقل، هو الوصفة الأفضل لاسترداد الديون المترتبة على النظام، إذا نظرنا للأمر من جانب المصلحة الإيرانية. كما أنه ليس المدخل المناسب لتجاوز “الظروف الخانقة التي يتعرض لها قطاع الطيران المدني في سوريا”، بصورة تتيح “تعزيز حركة المطار العريق”، وفق وصف “البعث”، إذا نظرنا للأمر من وجهة نظر “الدولة السورية”.

والغريب أكثر في تقرير “البعث”، أنه يتحدث عن هذه الشراكة، بوصفها المخرج لكل مشكلات العجز عن شراء وإيجار الطائرات، وتنظيم الرحلات الجوية، وأخذ الوكالات عن شركات الطيران، والصيانة والتأهيل.. إلخ. وكأن العقوبات الغربية التي تعيق الكثير من هذه الأعمال والخدمات، ما عادت قائمة. أو بالأحرى، كأن “تسريب البعث”، أشبه باستدراج عروض لمناقصة دولية. استدراج يحدد المأمول تقديمه من “العارضين”. وكأن “الشريك مجهول الهوية”، هو طرف خارجي مُنتظر. طرف خارجي قادر على تجاوز كل عقبات العقوبات الغربية، وإعادة الحياة لقطاع الطيران المدني السوري، من مدخل المطار الأكبر في سوريا. وإلا فإن البديل، موجود. فإيران التي تسيطر على المطار، أمنياً، وتتواجد في محيطه، عسكرياً، قد تصبح المستثمر الرسمي له أيضاً.

هو استدراج عروض عبر صحيفة ناطقة باسم النظام، يستهدف دولاً خليجية تعتقد أن الاستثمار في سوريا، مدخلٌ للحد من النفوذ الإيراني فيها. استدراج لو أُتيح له أن يؤتي ثماره، كما يأمل معدّو “تسريب البعث”، فإن مستثمراً خليجياً سيكون الغطاء لنشاط أمني إيراني يغلي بكثافة عبر أبرز مرافق سوريا الجوية، بصورة قد تقيه من القصف الإسرائيلي. أما إن لم يُـتح لهذا الاستدراج، أن يحقق أية نتائج، فسيبقى مجرد تلويح من جانب نظام الأسد، بمطار دمشق “الإيراني”، يبتز به المعنيين في دول الجوار، كما يبتزهم بشحنات الكبتاغون اليومية.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا