“التمدد” الإيراني مستمر في دير الزور..أين وصل وما أدواته؟

كثّفت إيران منذ عام 2017، وجودها في محافظة دير الزور، دون أن يقتصر هذا “الامتداد” على الجانب العسكري، بل يشمل جوانب عديدة، خاصة منها ما حمل الوجه الاقتصادي، وآخر ثقافي، وثالث ديني.

تنقسم محافظة دير الزور إلى منطقتي نفوذ، الأولى تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والقوات الأمريكية (شرق الفرات)، والثانية لصالح قوات نظام الأسد والميليشيات الإيرانية، إلى جانب القوات الروسية (غرب الفرات)، وتشمل بلدات وقرى عدة، إلى جانب مدن دير الزور والميادين والبوكمال.

وتسعى إيران عبر ميليشياتها، إلى تعزيز تواجدها العسكري في عدة مناطق سورية، خاصة محافظة دير الزور، إضافة إلى محيط دمشق وأرياف حلب وحمص وحماة.

وإضافة إلى الجانب العسكري، تعمل إيران في دير الزور على استمالة سكان المنطقة، عبر العديد من الأنشطة الثقافية والتربوية، والأعمال الإغاثية وتوزيع السلال الغذائية.

وتعتبر مدينتا البوكمال والميادين في ريف دير الزور الشرقي، من المناطق التي تلقى اهتماماً خاصاً من طهران، نظراً لموقعها الجغرافي المحاذي للحدود العراقية، وتسيطر داخلهما على أحياء كاملة، حصرت دخولها والسكن فيها، لعناصر من قواتها وميليشياتها مع عائلاتهم.

مشروع قديم

الاهتمام الإيراني بدير الزور ليس بالجديد، بل أطلقته قبل عقودة عدة، وتحديداً عام 1988، عندما بدأت محاولاتها لكسب تأييد أبناء المحافظة من خلال شخصيات عشائرية، في قرية حطلة بريف مدينة دير الزور.

استغلت طهران الأبواب في تلك الفترة، المفتوحة أمامها من قبل النظام، ناهيك عن الحالة المعيشية الصعبة لسكان قرى وبلدات عدة في ريف المحافظة، وقدمت إيران الأموال ورواتب لكل من يدخل المذهب الشيعي أو يساعد على ترويجه، لتشهد قرى أخرى امتدادات هذه المشروع، مثل الصعوة وحوايج بومصعة وزغير جزيرة.

وبعد سنوات من بدء نشاط إيران، بنت طهران 3 حسينيات، واحدة في قرية الصعوة وأخرى في حوايج بومصعة، إضافة إلى الحسينيات الموجودة في قرية حطلة.

محاولات لوأد المشروع

بالمقابل، جوبهت التحركات الإيرانية بداية بمحاولات لوأدها من أبناء المحافظة، لكن القبضة الأمنية لنظام الأسد، والبطش بكل من يحاول الوقوف ضد المشروع، سمح لإيران بالاستمرار في محاولاتها، ورغم ذلك لم تتمكن على مدار عقود ثلاثة، من التوسع إلا لعدة قرى وبلدات في الريف.

فيما يتعلق بمقاومة أبناء المحافظة لمحاولات إيران في المنطقة، يستذكر الشيخ أحمد يساوي الذي عمل خطيباً لمساجد عدة في دير الزور، أنه “في عام 2006 خرجت إشاعة عن وجود نية لبناء مسجد (شيغي)في حي الجورة غرب المدينة، وينفذه أحد الأشخاص المقربين من نائب رئيس فرع المخابرات العسكرية بدير الزور آنذاك، جامع جامع، ليتحرك عدد من أئمة المساجد كنتُ بينهم، مطالبين مدير أوقاف دير الزور آنذاك إياد النقشبندي بعدم الموافقة على المشروع”.  

واستدرك في حديث سابق لـ”السورية.نت”: “جهودنا لم تثمر في إقناع مدير الأوقاف، الذي وصف الأمر بأنه يحمل الكثير من المبالغة، لتتم الموافقة على بناء المسجد، وأطلق عليه اسم الحسن والحسين”.

ويتابع يساوي: “هذا المسجد حمل طرازاً غير معتاد في مدينة دير الزور، من حيث هندسته وطرازه العمراني وديكوره وملحقاته ومرافقه، وضم أقساماً مستقلة مثل عيادات ومستوصف صحي، بزعم أنه مشروع ديني وخيري”.

ويضيف: “بعد مضي كل هذه السنوات، وإلى أن وصلنا إلى يومنا هذا، أصبحت مخاوفنا السابقة حقيقة، مع اتخاذ الإيرانيين الذين ساندوا الأسد في حملته العسكرية على دير الزور، مسجد الحسن والحسين مقراً رئيساً لهم، ومركزاً لنشر المذهب الشيعي في مدينة دير الزور”.

رفض “التمدد” الإيراني، شهد مؤخراً تصاعداً في دير الزور وفق مصادر متقاطعة من داخل المحافظة، وفي بداية أبريل/ نيسان الفائت، استنفرت الأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد والميليشيات الموالية له، على خلفية انتشار عبارات مناوئة لإيران على جدران أبنية بمدينة دير الزور.

وتضمنت بعض الصور، عبارات: “إيران عدو الشعب السوري”، و”لا للتغير الديموغرافي في سورية”. لتعمد الأجهزة الأمنية إلى مسح تلك العبارات، ونشر دوريات وحواجز متنقلة في شوارع المدينة، أعقبها حملة اعتقالات.

العشائر وسيلة لـ”الولاء”

بعد طرد تنظيم “الدولة الإسلامية” من دير الزور في 2017، لجأت طهران إلى شخصيات عشائرية بهدف كسب أكبر قاعدة لها في ريف المحافظة، مدركة حجم تأثير هذه الشخصيات على محيطها، وكان في مقدمة هؤلاء، المعارض السابق لنظام الأسد، نواف البشير، الذي ساهم في دعم المشروع الإيراني، ودفع الكثيرين من أبناء عشيرته إلى التطوع في ميليشيات “الباقر”، للقتال إلى جانب النظام.

أما في مدينة دير الزور، التي تخضع بشكل كامل لقوات النظام وميليشيات إيران، ولعدم وجود تأثير عشائري كبير على سكانها، أسوة بما هو عليه حال ريفها، حاولت اتباع أسلوب آخر، عبر تطويع أصحاب مناصب محلية ووجهاء وناشطيين إعلامية، لخدمة مشروعها.

وفي هذا الإطار، تُنظم أذرع إيران في المحافظة، زيارات لهذه الشخصيات المحلية إلى طهران بين الحين والآخر، حيث تستمر لأيام، بغطاء “تبادل الخبرات الإدارية”، ناهيك عن دفع بعض الموالين لها، لتسلم مناصب رسمية على مستوى المحافظة أو ضمن حكومة النظام.

محاولات

 في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، نقلت وكالة “الأناضول” عن مصادر محلية، أن قوات النظام اعتقلت الأئمة والمِؤذنين ممّن رفضوا تنفيذ قرار برفع الأذان وفق المذهب الشيعي، مضيفةً أن ذلك يأتي في إطار “محاولات تشييع تستهدف السكان ورجال الدين وموظفي الدولة بالمنطقة، من قبل مجموعات تابعة لإيران بدعم من النظام”.

المصادر أضافت في حينها للوكالة، أن فرض الأذان وفق المذهب الشيعي، شمل مدينتي “الميادين” و”البوكمال”، وبلدة “صبيخان” وعدداً من القرى والبلدات في المنطقة. كما أشارت إلى أنّ قوات النظام اعتقلت 20 إماماً ومؤذناً رفضوا النداء للصلاة وفق المذهب الشيعي.

وحسب المصدر ذاته “رفع النظام من أجور الأئمة والمؤذنين ممن وافقوا على إقامة الأذان وفق المذهب الشيعي، كما منحتهم بطاقات أمنية خاصة، تُسهل حركتهم وتيسر أمورهم في مؤسسات النظام”.

ويختلف “أذان الشيعة” عن المعهود لدى السنة، بإضافة عبارتي “أشهد أن عليا ولي الله”، و”حي على خير العمل”.

ما حال “التمدد” اليوم؟

السؤال المطروح اليوم وبعد مرور هذه السنوات، هل يوجد “تمدد” إيران حقيقي في دير الزور، ثاني أكبر المحافظات السورية مساحة (33 ألف كم)..؟ أم أن هناك مبالغة في هذه القضية؟ وإن وجد، هل نجح في مسعاه أم لا؟ 

احمد الرمضان، مدير شبكة “فرات بوست” المعنية بتغطية اخبار المنطقة الشرقية من سورية، يقول إن “التمدد الايراني في دير الزور حقيقة وليس وهماً”.

ويضيف لـ”السورية نت”، بأن أوجه هذا التمدد تنوعت ما بين شراء أراض وعقارات واستثمارها، مثل “كورنيش مدينة دير الزور، إضافة إلى إنشاء المزيد من المزارات، والتي بدأت بعين علي في القورية، لتشمل اليوم مزارات في مناطق أخرى، من بينها، جعفر الصادق في حطلة.

وفيما يتعلق بالشق الاقتصادي، أشار الرمضان إلى “تحكم ميليشيات إيران بجميع معابر المحافظة التي تربط مناطقها بمناطق سيطرة “قسد” والقوات الأمريكية، وتسيطر على عائداتها”.

أما الخطورة الكبيرة في سياق “النشاط” الإيراني في المحافظة، فيرى رمضان، أنها تتمثل في “المراكز الثقافية الإيرانية التي اقتصرت بداية على مدينة دير الزور، قبل أن تتوسع في مدن ومناطق أخرى من المحافظة، وتستهدف فئات مجتمعية عدة، خاصة الأطفال”.

دير الزور.. أهمية جيوسياسة

ساشا العلو، الباحث في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، يرى بأن الاختلاف اليوم لم يعد حول سؤال؛ هل هناك مشروع إيراني في سورية أم لا؟ مبيناً أن  “الوجود الإيراني أصبح واضحاً بعد العام 2011، وأخذت ملامحه تتبلور أكثر مع امتداد عمر الصراع، وإنما بات الحديث حول حجم هذا المشروع وأدواته ومدى نجاحه مستقبلاً، وما هي أدوات الصد المناسبة لهذه المرحلة؟”.

ويضيف العلو في حديث لـ”السورية نت”، بأنه في هذا الإطار، تتعدد الجغرافية المشمولة بنشاطات إيران، وعلى رأسها محافظة دير الزور، التي تمثل أهمية جيوسياسية بالنسبة لطريق إيران البري، وكذلك حركة مليشياتها عبر الحدود. 

وتابع: “لا تختلف أدوات إيران في دير الزور عن غيرها في باقي مناطق سورية التي تنشط ضمنها المليشيات الإيرانية، إلا أنها تبدو أوضح في جغرافية مُنهكة شهدت عدة حروب متتالية وعدة سلطات متعاقبة (النظام، تنظيم الدولة، قسد، ميليشيات إيران) خلال السنوات الفائتة، الأمر الذي أتاح هامش أوسع لمليشيات طهران للحشد والتجنيد، واستخدام أدوات اقتصادية في ظل الظروف المعيشية الضاغطة لسكان الضفة المسيطرة عليها”.

وحول أدوات إيران في تعزيز نفوذها بدير الزور، يقول العلو، بأنه “من خلال رصد النشاط الإيراني في المنطقة، يتضح أنه يستخدم عدة أدوات ويتم على مستويات مختلفة، فعلى المستوى الأمني والعسكري تقوم إيران بتعزيز مواقعها في المنطقة سواء بخبراء أو ضباط، وكذلك تعمل على رفع وتيرة عمليات التجنيد التي تؤمن للبعض دخل أفضل من ميليشيات النظام، إضافة إلى تسهيلات ونوع من الحماية وحسابها من الخدمة الإلزامية الإجبارية لدى النظام”.

أما على المستوى الاقتصادي، ينوه الباحث، إلى سعي إيراني لتفعيل ودعم بعض المنظمات الإغاثية العاملة لمصالحها وإقامة بعض النشاطات الإنسانية “التي غالباً ما ترتبط بتواريخ ذات دلالة رمزية في التقويم الشيعي، إضافة إلى تأسيس بعض الشركات حديثاً بواجهات محلية والتوسع في شراء العقارات والتدخل في تشكيل المجالس المحلية والبلديات”.

ويرى العلو، بأن هذه النشاطات، قابلتها تحركات وفعاليات ثقافية كالمنح الدراسية وتفعيل بعض المراكز الثقافية، إلى جانب إعادة ترميم بعض المساجد وتغيير أسمائها، “ناهيك عن نشاطات الدعوة إلى التشيع، والتي باتت تتم بشكل مباشر وعلني، عبر وكلاء محليين في المنطقة، أو خلال عمليات التجنيد، أو عبر استهداف بعض شيوخ وزعماء العشائر مستفيدين من ادعاء البعض النسب لآل البيت”. حسب قوله.

“لا يمكننا الأنكار”

في سؤال حول سبل مقاومة هذا المشروع، وإمكانية نجاحه، يشدد الباحث السوري، على ضرورة “عدم  إنكار أثر أدوات وسياسة ونهج إيران “على المدى القصير وضمن الظروف الموضوعية التي تشهدها المنطقة، وغياب مشروع مضاد في ظل التهجير وإفراغ المنطقة، والظروف الاقتصادية والأمنية التي تشهدها.

واستدرك: “لكن في المقابل، لا تصح أيضاً المبالغة في أثرها حتى الآن، وإلى اليوم لاتزال نتائج وآثار تلك النشاطات، خاصة على المستوى الثقافي (التشيع) محدودة النطاق، نتيجة طبيعة المنطقة بتركيبتها الديموغرافية والسياسية، حيث كانت جزءاً أساسياً في الانتفاضة ضد النظام إضافة إلى وعيها بمشاريع حلفائه، والذي ازداد عقب دخول الميليشيات الإيرانية وما فرضته من استقطاب سياسيي-طائفي شكّل بعداً جديداً من أبعاد الصراع الذي لم يحسم بعد”.

ويختم الباحث كلامه في هذا السياق، بالإشارة إلى أنه “على المدى الطويل، سيتوقف نجاح أهداف المشروع الإيراني، سواء في دير الزور أو غيرها من المناطق، على مستقبل الوجود الإيراني في سورية، الذي لايزال حتى الآن أحد أبرز عقبات الحل على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي”.

المصدر السورية نت
قد يعجبك أيضا