الجبهة اللبنانيّة -الإسرائيليّة تتمايل على حافّة الهاوية وقرار الحرب عاد إلى تل أبيب!

فقَد “حزب الله” قدرة التحكم بالجبهة اللبنانيّة – الإسرائيليّة، وانتقلت المبادرة إلى الجانب الإسرائيلي.

من الصعب تحديد التوقيت الذي انتقل فيه قرار توسعة الحرب من الحزب إلى تل أبيب، لأنّ حقائق هذه الحرب التي سيقال عنها الكثير ولسنوات طويلة لا تزال قيد السريّة التامة، لكنّ المراقبين يعتقدون بأنّ التحوّل حصل في تلك اللحظة التي أكمل فيها الجيش الإسرائيلي استعداداته لحرب متزامنة في الشمال وفي الجنوب، وإعطاء المستوى السياسي في إسرائيل الأدلة إلى أنّه مستعد لدفع ثمن “تقليم أظافر حزب الله” في الجنوب اللبناني بعدما تبيّن له أنّ “اليونيفيل” والجيش اللبناني لم يقوما بالأدوار الملقاة على عاتقيهما بموجب القرار 1701، وذلك في مقابل تقديم الحزب إشارات إلى أنّه يريد البقاء ضمن “جبهات المساندة”، وسط ضغط لبناني كبير عليه بوجوب حصر الحرب ما أمكن لأنّ البلاد المنهارة اقتصاديًّا وماليًّا لن يمكنها أن تقوم من تحت رماد حرب كتلك التي شهدتها في عام 2006.

وهذا يعني أنّ “حزب الله” فَقَد المبادرة في تلك اللحظة التي ظهر فيها “عقلانيًّا” بالمقارنة مع “الاستشهاديّة” التي أظهرت فيها إسرائيل نفسها.

ولم يعد سرًّا الدخول الأميركي المتواصل على الخط الإسرائيلي لمنع تل أبيب من توسيع الحرب ضد “حزب الله”، بعدما تأكد لواشنطن أنّ وزارة الدفاع في الكيان العبري وضعت خطط حرب واسعة قد تصل مفاعيلها التدميريّة إلى عمق بيروت.

ولكن، لماذا، والحالة هذه، يزخم “حزب الله” من استهدافاته للمواقع العسكرية في شمال إسرائيل مستعملًا، حتى تاريخه، ثلاثة صواريخ بركان شديدة التدمير؟

في الواقع، يحاول “حزب الله” أن يعيد قواعد الاشتباك التي كان معمولًا بها، بعد حرب عام 2006 إلى المعادلة الحدوديّة، بعدما كسرتها إسرائيل، مرارًا وتكرارًا، لا سيّما عندما أغارت، في حدثين متباعدين، على بيك آب في عمق منطقة الزهراني وعلى معمل ألمنيوم يتبع لشركة مدرجة في قائمة العقوبات الأميركية بسبب صلتها بالحرس الثوري الإيراني.

ولإعادة قواعد الاشتباك هذه أهمية خاصة عند “حزب الله”، لأنّها تمهّد، بعد انتهاء الحرب في الجنوب الإسرائيلي ضد قطاع غزّة،  لإعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل “طوفان الأقصى”، وتمنع، بالتالي، استغلال إسرائيل للتهدئة المقبلة على جبهة الجنوب لتصعيد الحرب على جبهة الشمال، خصوصًا في ظل الضغوط القوية التي تتعرض لها الحكومة الإسرائيليّة من سكان المناطق الحدوديّة مع لبنان، من أجل العمل، بكل الإمكانات المتوافرة عسكريًّا وسياسيًّا ودبلوماسيًّا، لإبعاد موثوق به لمقاتلي “حزب الله ” وترسانته العسكريّة باتجاه الداخل اللبناني.

وقد أوجدت عملية “طوفان الأقصى” التي شنّتها “حركة حماس” ضد غلاف غزة عقيدة “دفاعيّة” جديدة في إسرائيل، بحيث لم يعد ممكنًا الاطمئنان إلى التعايش مع كيان معاد على الحدود، كما لم يعد مقبولًا إقامة تفاهمات ضمنيّة معه، وفق ما كانت عليه بين إسرائيل من جهة و”حركة حماس” من جهة أخرى، قبل هجوم “طوفان الأقصى”.

وما لم يقله الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصر الله في خطابيه الأخيرين تولّاه رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، يوم الأحد الماضي، عندما أعلن هدف “حزب الله” من الحرب التي يخوضها في الجنوب.

في هذا الهدف غيّب رعد، وهو أوّل من كان قد أعطى الإشارة إلى أنّ “حزب الله” لا يريد توسيع الحرب، مساندة غزة وجعلها تضامنًا، واستحضر حزبه ولبنان.

وقال رعد: “لا يخيفنكم أيّها الناس التصعيد الذي يحصل. هذا التصعيد محسوب حتى يتيقن العدو أنّه لا مفر له من أن يذعن لإرادة المقاومة في الساحة اللبنانية. نحن نحفظ أمننا وندافع عن بلدنا ونتضامن مع أبناء قضيتنا قضية القدس وفلسطين وبحسابات مدروسة تجعل يدنا هي العليا”.

ولكنّ إسرائيل رفضت، أقلّه حتى تاريخه، الانضباط حيث يريد “حزب الله”، وهي ماضية في توسيع رقعة الرد ونوعيّته، بحيث انتقلت إلى استهداف عدد من المنازل والممتلكات المدنيّة.

وبذلك هى لا تعطي إشارة إلى إصرارها على ضرب قواعد الاشتباك التي استجدت بعد حرب عام 2006 بل تكاد تصل إلى المس حتى بـ”تفاهم نيسان” الذي وُضع بعد حرب بين “حزب الله” وإسرائيل في عام 1996 ولعب فيه الرئيس الشهيد رفيق الحريري دورًا رياديًّا.

ويبدو أنّ البيت الأبيض تدخل مجدّدًا بحيث أوفد إلى تل أبيب المستشار الرئاسي آموس هوكشتاين الذي لا تتفق المصادر اللغوية على كتابة موحّدة لاسمه بالعربيّة، ولكنّ الطبقتين الحاكمتين في إسرائيل ولبنان توافقتا معه على ترسيم الحدود البحريّة بينهما.

بنيامين نتنياهو، وقبل دروس “طوفان الأقصى”، كان ضد النتائج التي توصل إليها هوكشتاين مع حكومة خصمه يائير لبيد، وهو، على الأرجح، لن يقبل بالمعطيات “السلمية” التي يحملها معه، وهي تقوم على إعادة المعادلات إلى ما كانت عليه سابقًا، وفق المعطيات التي يحملها معه من زيارته الأخيرة للبنان.

وفي هذه الحالة، فإنّ الضغوط العسكريّة من طرفي “حزب الله” والجيش الإسرائيلي سوف تتصاعد، ولا أحد يضمن عدم وصولها إلى نقطة الانفجار، خصوصًا أنّ آخر تقييم للوضع على الجبهة اللبنانيّة – الإسرائيليّة وضعه في خانة “الخطر للغاية”.

إذًا، يتحكم بلبنان حاليًا هدفان متناقضان. الأوّل يعمل “حزب الله” من أجله، وهو إعادة الحال إلى ما كانت عليها، قبل “طوفان الأقصى”، والثاني تتطلّع إليه إسرائيل وهو إلحاق جنوب لبنان، استراتيجيًّا، بالضوابط المطلوبة في قطاع غزّة.

المصدر النهار العربي


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا