السوريون والطاقة الشمسية: لا كهرباء للفقراء

لم تقنع عشرات التصريحات لمن يُوصفون بالخبراء، ناهيك عن المسؤولين، وصولاً إلى رأس النظام شخصياً، في إقناع غالبية السوريين بأن خيار الطاقة البديلة، الذي قررت حكومتهم، بصورة مفاجئة، اعتماده، يجب أن تقع تكاليفه على عاتقهم. ولم يكونوا بحاجة لخبراء “مضادين”، ليكشفوا لهم عن حقيقة أن هذا الخيار، تقوم به دول، وليس من مسؤولية المواطنين، إلا في نطاق ضيق للغاية، لا يغيّر بصورة جذرية من الواقع الكهربائي للبلاد.

لكن النظام لا ييأس بسهولة. لذا كان سلاح التقنين، وسيلته لمزيد من الضغط. فعلى من يريد من السوريين، أن يرى الضوء، في عتمة ليالي دمشق وحلب، فليقنع أقرباءه في الخارج، كي يرسلوا له تكاليف تركيب ألواح الطاقة الشمسية، التي قد تتكفل بإنارة وتشغيل كهربائي محدود، لمنزله. وهكذا انتعش سوق منظومات الطاقة الشمسية، بصورة غير مسبوقة، في المدن السورية الخاضعة لسيطرة النظام، بعد أن وصلت ساعات قطع الكهرباء في بعض المناطق إلى 20 ساعة يومياً. وانتعشت معه فئات محددة من التجار. وتلك كانت غاية النظام الأساسية، حسبما يعتقد الكثيرون من السوريين القابعين تحت سيطرته.. فهل هذا مجرد سوء ظن؟!

تكشف التصريحات المتناقضة للمسؤولين عن القطاع الكهربائي بسوريا، مؤخراً، عن حلقة مفرغة من المشكلات، تجعل المتابع لهم يعجز عن تحديد سبب التقنين الكهربائي المضاعف الذي ألمّ بالبلاد في الآونة الأخيرة. فوزير الكهرباء تحدث عن عطل طارئ بمحطة تشرين الحرارية. فيما تحدث مدير الإنتاج بالمؤسسة العامة لتوليد الكهرباء عن انخفاض كميات الغاز الواردة إلى محطات التوليد. وتحدث مسؤول ثالث عن حدوث عطل في محطة توليد “دير علي” بريف دمشق.

لكن التصريحات السابقة بكفّة، وما نقلته صحيفة “البعث” الناطقة باسم الحزب الحاكم، عن مصدر مسؤول في وزارة الكهرباء، بكفّة أخرى. فالمسؤول الذي لم تكشف الصحيفة عن اسمه، قال إن قطاع الكهرباء بسوريا قد يعجز عن تلبية متطلبات الاستهلاك ولو بالحدود الدنيا، وذلك نتيجة قِدم محطات التوليد بسوريا، وانتهاء عمرها الاستثماري وبالتالي جدواها الاقتصادية. وقال المسؤول للصحيفة، إن قطاع الكهرباء يحتاج إلى 15 مليار دولار أمريكي، ككُلف تأسيسية، حتى العام 2030.

ورغم نفي وزارة الكهرباء، رسمياً، لصحة المعلومات الأخيرة، إلا أن الرسالة التي أراد النظام إيصالها للجمهور، عبر صحيفة “البعث” التي “لا تنطق عن الهوى”، خاصة حينما تنقل معلوماتها عن مصدرٍ “مجهول”، هي أن مشكلات الكهرباء ستستمر، بل وستتفاقم، وأنها ليست نتيجة اختناقات مؤقتة في توريدات الغاز، أو أعطال طارئة في بعض محطات التوليد. بل هي مشكلة مُستدامة، يريد النظام من السوريين التعايش معها.

وبما أنه لا يوجد حتى الآن، أي بصيص أمل، بانطلاق مسيرة إعادة الإعمار في البلاد، وضخ الاستثمارات فيها. وبما أن إعادة تأهيل القطاع الكهربائي يتطلب 15 مليار دولار، وفق صحيفة “البعث”، فالحل كان ترقيعياً. وجاء من أعلى هرم النظام، الذي تحدث عن اللجوء لخيار الطاقة البديلة، في خطاب “القسم” في 17 تموز/يوليو الفائت. وكانت تلك صافرة الانطلاق لحملة ترويج مكثّفة قادها إعلام النظام ومسؤولوه، لإقناع السوريين بضرورة التحول إلى هذا الخيار. وعملية الإقناع تلك لا تتعلق بجدوى الطاقة البديلة بيئياً مثلاً، بل تتعلق بجدواها اقتصادياً، باعتبار أن تكاليفها ستقع على عاتق المواطنين أنفسهم، نظراً لأن الدولة، لا تستطيع القيام بهذه المسؤولية الكبرى!

وهكذا مثلاً، روّجت صفحة “يوميات قذيفة هاون في دمشق” -وهي صفحة فيسبوكية مُتابعة بكثافة في الداخل السوري- لخيار الطاقة البديلة في فيديو يشرح كيف أن سكان مدينة حلب ينفقون 2.4 مليار ليرة سورية على كهرباء الأمبيرات شهرياً، وكيف أن هذا الرقم كفيل بتأسيس محطة لتوليد الطاقة البديلة. الفيديو الذي حمل رسالة واضحة، مفادها، أن “عليكم تمويل الانتقال للطاقة البديلة”، فُهم جيداً من المتابعين، فازدحمت خانة التعليقات تحت الفيديو برفض الانتقال لهذا الخيار الطاقوي، على حساب جيوب السوريين، مع التذكير بأن هذه المسؤولية يجب أن تكون على عاتق الدولة، وليس المواطن.

لكن، وبغض النظر عن اقتناع غالبية السوريين بهذا الخيار أم لا. فالأمر يتعلق بفرض أمرٍ واقعٍ. فالنظام الذي زاد من ساعات التقنين، بذرائع عدّيدة، في ظروف حرٍّ مُلتهب، أرسل رسالته “الميدانية” بالتزامن مع رسائله الإعلامية. وتلقاها السوريون المغلوبون على أمرهم، فنشطت سوق ألواح الطاقة الشمسية. وهي سوق ستواصل اتساعها في المستقبل القريب. فالواقع الكهربائي المتردي، يذهب للأسوأ، يوماً تلو الآخر، كما تكشف تجربة السنوات الثلاث الأخيرة. بالتزامن مع اختناقات توريدات المحروقات، التي جعلت مازوت مولدات الكهرباء، سلعة ثمينة للغاية، بصورة تجعل الجدوى الاقتصادية لكهرباء الأمبيرات، تتراجع تدريجياً لصالح نظيرتها المتمثلة بكهرباء الألواح الشمسية.

هذا الواقع المرتقب، سيفاقم الفروق الطبقية الكبيرة في البلاد، ويضيف الكهرباء إلى قائمة تلك الفروق، بصورة نهائية. فكهرباء الأمبيرات، كانت إلى وقتٍ قريبٍ، تحديداً قبل تفاقم أزمات الوقود في سوريا، متاحة لمعظم شرائح السوريين. أما ألواح الطاقة الشمسية، فكلفتها التأسيسية تجعلها غير متاحة للغالبية.

إذ تتراوح كلفة تركيب منظومة الطاقة الشمسية اللازمة لتغطية منزل، ما بين 6 إلى 12 مليون ليرة سورية. وإذا اعتمدنا الرقم الأصغر، 6 ملايين ليرة سورية، ورغم محدودية هذا الرقم بالمعايير العالمية (بحدود 1830 دولار)، إلا أنه رقم كبير جداً، بالنسبة لغالبية السوريين. فهو يعادل أجور 6 سنوات من العمل، بالاستناد إلى الحد الأدنى للأجور بسوريا (72 ألف ليرة سورية). ويعادل أجور أكثر من ثلاث سنوات من العمل، بالاستناد إلى وسطي الأجور (150 ألف ليرة سورية).

ما سبق يعني أن استقرار الاتجاه نحو الاعتماد على كهرباء الطاقة الشمسية، منزلياً، وفق ما تريد حكومة النظام، بالتزامن مع خروج كهرباء الأمبيرات من نطاق الجدوى الاقتصادية المقبولة لدى غالبية السوريين، جراء شح المازوت وتحليق أسعاره، يعني أن فقراء السوريين لن ينعموا بالكهرباء، مطلقاً. أو سيحصلون على دفقات محدودة للغاية، منها. ويبقى الرهان في هذه الحالة، مجدداً، على مهجّري سوريا، كي ينقذوا أهلهم في الداخل من العتمة، عبر حوالاتهم المالية. أما من يقف وراء تجار ألواح الطاقة الشمسية ومنظوماتها بالسوق السورية، فتلك قصة أخرى، تبقى في غياهب عالم النظام، وعتمة كواليسه.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا