“السيادة” و”الخلافات” تحكمان قبول المغرب مساعدات الزلزال

على خلاف ما كان متوقعاً، بدت المساعدات الدولية للمغرب عقب كارثة الزلزال التي حلت به، “ضئيلة” نسبياً ومحصورة ضمن أربع دول، رغم الدمار الذي خلفه الزلزال والعدد الكبير من الضحايا.

قد يبدو الأمر وكأنه تقاعسٌ من قبل بعض الدول، خاصةً الجارة منها، في تقديم المساعدة للمغرب بهذه الكارثة غير المتوقعة، التي خلفت قرابة 3 آلاف وفاة وأكثر من 5500 إصابة، أكثرها خطيرة.

لكن من منظور آخر، قيّدت نقاطٌ عدة السلطات المغربية في إمكانية طلب المساعدة الدولية، وأبرزها: مبدأ السيادة الذي يجب أن يتنازل المغرب عن جزء منه مقابل دخول المساعدات، والأخرى: خلافات المغرب مع بعض الدول التي عرضت المساعدة، ومن بينها الجزائر وفرنسا.

هل كان المغرب “انتقائياً”؟

منذ وقوع زلزال المغرب، السبت الماضي، توالت العروض من دول العالم من أجل تقديم المساعدة في عمليات الإنقاذ والإغاثة، لكن المغرب كان “انتقائياً” وأعلن قبوله المساعدات من أربع دول فقط، تحت مسمى “الدول الصديقة”.

وهذه الدول هي: الإمارات وقطر وبريطانيا وإسبانيا.

وبررت الداخلية المغربية ذلك بأنه يأتي في إطار التحكم بعمليات الإنقاذ والإغاثة، وتجنب حدوث “فوضى ميدانية” قد تؤدي لنتائج عكسية.

ونقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن مصدر رسمي مغربي قوله إن “قبول المساعدات من كل من الإمارات وإسبانيا والمملكة المتحدة وقطر، راجع بالأساس إلى كون المساعدات التي عرضتها هذه الدول ذات طبيعة تقنية، خاصة فيما يتعلق بتقنيات البحث تحت الأنقاض”.

لافتاً إلى أن معظم الدول عرضت مساعدات غذائية ودوائية، وهو أمر استطاعت السلطات المغربية توفيره محلياً بدعم من المجتمع المدني.

وأضاف: “الرباط لم تتعامل بصيغة انتقائية سلبية مع عروض المساعدات، وإنما قاربتها من زاوية احتياجاتها على المستوى التقني”.

ويعتبر المغرب أن لديه “خبرة كافية” في التعامل مع الكوراث الطبيعية والأزمات، وفقاً لما صرح به مسؤولو البلاد.

كما يؤكد على أن مؤسساته الحكومية “قادرة” على احتواء كارثة الزلزال، الذي يعتبر “الأعنف” بتاريخ البلاد.

وبخصوص ذلك، قال المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، حسام الشرقاوي، إن استجابة المغرب للزلزال كانت “رائعة”.

وأضاف في حديثه لـ”هيئة الإذاعة البريطانية” (BBC)، “لقد كانت الاستجابة المحلية رائعة حتى الآن، لكنهم استنفدوا في اليوم الثالث وسيحتاجون إلى مساعدة إضافية”.

يشار إلى أن دولاً كثيرة عرضت المساعدة على المغرب في عمليات البحث والإنقاذ.

ومن بينها الولايات المتحدة وفرنسا وسويسرا وبلجيكا وإيطاليا وتركيا وبولندا وإسرائيل، إلى جانب المنظمات الدولية.

خلافات أم سيادة؟

يرى محللون أن الخلافات السياسية كان لها تأثير كبير على قرار الملك المغربي بطلب المساعدة الدولية، إلى جانب مبدأ السيادة الذي فضل الملك عدم التنازل عنه.

وتم التوصل إلى تلك النتيجة عقب إعلان الجزائر أن المغرب رفض رسمياً تلقي أي مساعدات إنسانية منه.

وقالت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان أن المغرب أبلغ القنصل الجزائري أنه “وبعد التقييم، فإن المملكة المغربية ليست بحاجة إلى المساعدات الإنسانية المقترحة من قبل الجزائر”.

وتشهد العلاقات المغربية- الجزائرية خلافات منذ عقود، بسبب قضية الصحراء الغربية المتنازع عليها.

لكن الخلافات تطورت خلال العامين الماضيين، ووصلت حد قطع العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين.

بموازاة ذلك، اتجهت الأنظار نحو الرفض المغربي لمساعدات فرنسا، والخلفيات التي تقف وراءه.

واعتبر محللون أن سبب ذلك الرفض هو التقارب الفرنسي مع الجزائر، وما تبعه من فتور في العلاقات بين فرنسا والمغرب.

لكن فرنسا نفت تلك التبريرات، وأرجعت سبب الرفض إلى قرار المغرب بالحفاظ على سيادته.

وفي مقطع مصور نشره الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عبر حسابه في منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، عبّر فيه عن تضامنه مع الشعب المغربي في هذه المحنة.

وقال إن بلاده لديها الإمكانيات اللازمة لتقديم المساعدات الإنسانية المباشرة للمغرب.

مضيفاً أن فرنسا تترك لملك المغرب والحكومة المغربية “أن يقوما على نحو سيادي بالكامل بتنظيم المساعدة الدولية”.

وتابع: “نحن جاهزون لخيارهم السيادي”.

ودعا ماكرون إلى عدم الاكتراث لما أسماها “التعليقات المثيرة للجدل التي تفرّق وتعقّد الأمور في هذا الوقت المأساوي للغاية”.

ورغم تمسك المغرب بمبدأ السيادة وحرصه على ضبط جهود الإغاثة، وفق الداخلية المغربية، إلا أن تقارير غربية اتهمت ملك المغرب بوضع السياسة قبل الاحتياجات الإنسانية.

ووجه ناشطون مغربيون انتقادات لحكومتهم ومن بينهم الناشط معطي منجب، الذي قال “أعتقد أنه من الخطأ حقاً الإصرار على السيادة والكبرياء الوطني”.

مضيفاً “هذه ليست لحظة الرفض لأن المساعدات ضرورية، حتى الدول المتقدمة تقبل المساعدة الخارجية في الكوارث”.

ماذا يقول القانون الدولي ؟

في جميع الكوراث والحروب التي تخلف ضحايا مدنيين، يطرح ملف المساعدات الإنسانية، التي تقدمها الدول بشكل منفرد أو عبر منظمات دولية، باعتباره ملف جدلي يمس سيادة الدولة المعنية.

وهذه المساعدات تنظمها وتحكمها نصوص وقوانين دولية، وخاصة القانون الدولي الإنساني.

إذ نصت العديد من القرارات واللوائح الأممية على أن “سيادة الدولة مبدأ ثابت لا يمكن المساس به”، كما أكدت عليه الأحكام القضائية ومنها محكمة العدل الدولية في العديد من قضاياها.

وورد في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 43/ 131 أن “السيادة الوطنية كأولوية تسمو على المبادئ والقيم الإنسانية، ويجب الأخذ بالاعتبار قبل أي شيء آخر سيادة الدولة وسلامتها الإقليمية ووحدتها الوطنية”.

لكن القرار يرى أن “المسؤولية تقع على كل دولة في المقام الأول، في أن تعنى بضحايا الكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ المماثلة التي تحدث على أراضيها”.

وبالتالي فإن مشروعية تقديم المساعدة لدولة ما مرهون بموافقة تلك الدولة على تلقي المساعدة.

إلا أن القانون الدولي فرض على الدولة التي تحتاج إلى مساعدة الإلتزام بقبولها، في حال عجزت مؤسسات تلك الدولة عن احتواء الكارثة، أو في حال تعمدت تجويع المدنيين.

وتنص المادة “08/02 ب” من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن “الإنكار المتعمد للمساعدة الإنسانية كما هو منصوص عليه في اتفاقيات جنيف يشكل جريمة حرب”.

ويجب على الدولة التي تتلقى المساعدة أن تلتزم بواجبات عدة، من بينها تسهيل وصول المساعدة لمستحقيها، وضمان أمن وسلامة الأفراد العاملين في المجال الإنساني.

ولها أيضاً حقوق تتعلق بقبول أو رفض هذه المساعدة، والحق في تنسيق ورقابة أنشطة المساعدة.

على أن يتم كل ذلك مع احترام سيادة الدولة التي تتلقى المساعدة.

المصدر السورية نت
قد يعجبك أيضا