أسباب وآثار قرار تركيا بحظر التجارة مع إسرائيل

يثير القرار الذي اتخذته وزارة التجارة التركية بحظر التجارة مع إسرائيل أسئلة تتعلق بالأسباب التي تقف وراء هذا القرار الآن وآثاره المحددة بالأرقام في المرحلة المقبلة.

وجاء في بيان الوزارة الذي نشر الجمعة أن “تركيا ستنفذ إجراءات جديدة حتى تسمح الحكومة الإسرائيلية بتدفق غير متقطع وكاف للمساعدات الإنسانية إلى غزة”.

وبعد انتقاده لإسرائيل في بيانه بعد صلاة الجمعة، قال الرئيس، رجب طيب أردوغان: “كان هناك حجم تجارة بيننا قدره 9.5 مليار دولار”.

وأضاف مستدركاً: “لقد أغلقنا هذا الباب بافتراض أن حجم التجارة هذا غير موجود”.

“مرحلة ثانية”

وكانت العلاقات التجارية بين إسرائيل وتركيا أحد الموضوعات المهمة للنقاش بين الجمهور في تركيا، بعد الحرب التي اندلعت في غزة، في أكتوبر 2023.

واستمرت هذه المناقشات خلال عملية الانتخابات المحلية.

وقبل عملية تنظيمها انتقدت بعض الأحزاب السياسية، وخاصة حزب “الرفاه من جديد” الحكومة لعدم اتخاذ الخطوات اللازمة بشأن هذه القضية.

وبعد الانتخابات أعلنت الحكومة في 9 أبريل/نيسان أنها فرضت قيوداً على تصدير 54 مجموعة منتجات إلى إسرائيل.

ومع البيان الأخير يوم الجمعة، تم توسيع هذه القيود لتشمل جميع منتجات التصدير والاستيراد.

وقال أردوغان في بيانه حول هذه القضية إن بعض الأحزاب “استخدمت هذه القضية بوحشية شديدة” خلال أجواء الانتخابات.

وأضاف في تصريحات سابقة: “أردنا تقييم هذه العملية دون تسرع.. والآن انتهت الانتخابات واتخذنا هذه الخطوة”.

لماذا الآن؟

وجاء في بيان وزارة التجارة أن قرار تقييد الصادرات اتخذ في 9 نيسان/أبريل، لكن إسرائيل لم تغير موقفها بشأن سبب قطع العلاقات التجارية بشكل كامل الآن.

ومن الملاحظ أن الحكومة الإسرائيلية تواصل موقفها العدواني وأن المأساة الإنسانية في فلسطين تتفاقم، حسب الوزارة.

وفي هذا الصدد، بدأت المرحلة الثانية من الإجراءات المتخذة على مستوى الدولة، وتم إيقاف معاملات التصدير والاستيراد المتعلقة بإسرائيل، والتي تشمل جميع المنتجات.

ويقول أوغوزهان تشاغليان، الباحث المتخصص بالشأن الإسرائيلي لـ“بي بي سي تورك” إن “السياسة الداخلية لها تأثير كبير على عملية صنع القرار في الحكومة وتوقيت هذه القرارات”.

ويرى تشاغليان أن “الضغوط الناجمة عن دعوة حزب الرفاه من جديد لقطع التجارة مع إسرائيل كان لها تأثير أيضاً”.

ويقول: “حتى لو تمت الانتخابات المحلية، فقد تكون هناك عملية استفتاء أمام تركيا، وسيكون تصويت حزب الرفاه، الذي وصل إلى أكثر من 6 بالمائة من الأصوات في 31 مارس، مهماً أيضاً في مثل هذا الوضع”.

وأكدت الخبيرة التركية، سيلين ناسي من كلية لندن للاقتصاد في إنجلترا أن هناك نمطاً متكرراً في العلاقات التركية الإسرائيلية منذ هجوم مافي مرمرة، ولكن الآن هناك تغيير في الموقف.

وتذكّر الباحثة بأنه “عندما تباعدت الدولتان بسبب مشاكل القضية الفلسطينية، استخدمت أنقرة خطاباً قاسياً ضد إسرائيل”.

ومع ذلك “تجنبت اتخاذ خطوات من شأنها أن تلحق ضرراً دائماً بالعلاقات الثنائية”.

وتتابع ناسي: “رغم تبادل الرسائل القاسية بين القادة، إلا أن التعاون الاستخباراتي في المجال الأمني استمر بسبب المصالح المشتركة بين البلدين”.

واستمرت التجارة دون أن تتأثر بهذه الصراعات السياسية والتوترات السياسية، وكان لدينا نموذج للعلاقة التي أعطى مظهر المقص بين الخطابة والممارسة”، حسب الباحثة.

“ردود فعل”

وتشرح ناسي سبب تغير الموقف بعد الانتخابات المحلية على النحو التالي:

“عندما اجتمع الوضع السياسي الذي نشأ بعد الانتخابات المحلية مع ردود الفعل الناجمة عن الدمار الذي خلفته الحرب في غزة، أصبح استمرار هذا الوضع الراهن أكثر تكلفة بالنسبة أردوغان”.

واعتبرت أيضاً أن “تأثير الخطاب المناهض لإسرائيل في الانتخابات المحلية سبباً جانبياً”.

وتتابع: “تكشف نتائج استطلاع متروبول الجديد أن سياسة الحكومة الإسرائيلية ليست عاملاً مهماً في تحديد سلوك الناخبين التصويتي”.

وبرأيها كان العامل الرئيسي وراء التحول في الأصوات لصالح حزب “العدالة والتنمية” هو بالتأكيد تكلفة المعيشة.

ومع ذلك، تعتقد الباحثة أن الخطاب المناهض لإسرائيل كان بالتأكيد جذاباً للناخبين المحافظين والمتدينين الذين كانوا يبحثون عن حزب بديل، رغم أنها تؤكد أنه “سبب جانبي”.

وتعتقد أيضاً أن تغيير موقف أنقرة تجاه إسرائيل لم يتأثر فقط بالتطورات في السياسة الداخلية، بل أيضاً بالخيار الأيديولوجي.

“يرتبط هذا التغيير في الموقف ارتباطاً وثيقاً بكيفية قراءة وتفسير صناع السياسة في أنقرة لديناميكيات القوة في المنطقة وكيف يريدون وضع تركيا”، وفق قولها.

ومنذ الحرب في غزة تحاول أنقرة وضع تركيا كقوة إقليمية مستقلة ودولة قادرة على لعب دور وساطة في المنطقة.

ومع ذلك “كان هناك خيبة أمل خطيرة لأن محاولات الوساطة لم تتم مكافأتها. وقد لعبت خيبة الأمل هذه دوراً في تحديد لهجة أكثر صرامة ضد إسرائيل”، حسب الباحثة التركية.

ما هي العواقب؟

ونظراً لثقل الصادرات في حجم التجارة بين البلدين، فمن المتوقع أن يؤثر القرار الأخير بشكل أساسي على الصادرات إلى إسرائيل.

وبحسب بيانات معهد الإحصاء التركي (TUIK)، بلغت صادرات تركيا إلى إسرائيل في عام 2023 5.2 مليار دولار، كما بلغت وارداتها من إسرائيل 1.6 مليار دولار.

وخلال فترة العام الواحد هذه، بلغ حجم التجارة بين البلدين حوالي 6.8 مليار دولار.

وبحسب بيانات معهد الإحصاء التركي، احتلت إسرائيل المرتبة 13 على قائمة صادرات تركيا بصادرات بلغت 5.4 مليار دولار في عام 2023.

وانخفضت الصادرات إلى إسرائيل في عام 2023 بنحو 23 بالمئة مقارنة بالعام السابق.

ووفقاً لبيانات جمعية المصدرين الأتراك (TİM)، انخفضت صادرات تركيا إلى إسرائيل بنسبة 21.6 بالمئة في الربع الأول من عام 2024.

وبالمقارنة مع الربع نفسه من العام السابق، فقد بلغت نسبة الانخفاض حوالي 28 بالمائة.

ومن بين البضائع المصدرة من تركيا إلى إسرائيل الصلب والمعادن والآلات والبلاستيك ومنتجات الأسمنت والمنسوجات والسيارات.

ما الأصداء في تركيا؟

وفي حديثهم لوكالة “رويترز” بعد القرار الأخير، قال أصحاب شركات التصدير إنهم فوجئوا بقرار تركيا وقف التجارة الثنائية، وإن شركات التصدير التركية تبحث عن طرق لإرسال طلباتها إلى إسرائيل عبر دولة ثالثة.

وصرح مصدر للسلع المنزلية حضر المؤتمر الصحفي لوزير التجارة، عمر بولات أن البضائع محفوظة في الجمارك وعليهم البحث عن طرق بديلة.

وقال مصدر تركي لرويترز: “تعاملنا مع الجمارك طوال اليوم ولم نفهم ما هي المشكلة.

وأضاف: “تم إغلاق النظام قبل إعلان قرار المنع”.

وقال أحد مصدري الشوكولاتة والحلويات أيضاً إن شركته لديها منتجات منتجة خصيصاً للسوق الإسرائيلية، وتغليفها بالكامل باللغة العبرية.

واعتبر المصدر أن القرار يشكل خسارة مالية كبيرة لهم.

وقال: “هناك شركات في إسرائيل نحن دائنون ومدينون لها. ماذا سيحدث لهذه المستحقات عندما تتوقف التجارة؟”.

وأضاف المصدر نفسه أنهم سيبحثون عن حل بعد الاجتماع مع شركائهم التجاريين في إسرائيل.

ويقول الباحث تشاغليان إن “أحد مخاوف إسرائيل هو أن تكون مقاطعة تركيا قدوة للدول الأخرى”، وأن “هناك مشاكل خاصة مع النرويج وإيرلندا”.

المصدر السورية.نت
قد يعجبك أيضا