الـ10 آلاف ليرة سورية..المُنتظرة

لا يمكن لوم أولئك الذين يقرأون تصريحات خبراء اقتصاديين وتقارير وسائل إعلام موالية، حول الحاجة لطرح ورقة نقدية من فئة الـ 10 آلاف ليرة سورية، على أنها “بالون اختبار”. إذ، ومنذ ربيع العام 2021، تشيع نظرية مفادها أن إدارة النقد في سوريا باتت في قبضة مجموعة مختارة تتبع للمخابرات والمكتب الاقتصادي في القصر الجمهوري، أكثر مما تتبع للمصرف المركزي. واستناداً لهذه النظرية، فإن ما يبدو أنه “ترويج” لـ 10 آلاف ليرة، القادمة قريباً، عبر الإعلام الموالي، هو نتاج توجيهات مخابراتية.

لكن، بعيداً عن مدى صدقِية هذه النظرية، لنناقش الحجج التي استند إليها القائلون بالحاجة لورقة الـ 10 آلاف. وكيف عالجوا آثارها التضخمية المرجّحة؟

من أبرز من تحدث بهذا الصدد، وزيرة الاقتصاد السابقة، لمياء عاصي، ورئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية، عابد فضيلة. والأخير، بدا وكأنه “المتحدث الرسمي” باسم الـ 10 آلاف ليرة المُنتظرة، إذ تحدث لثلاث وسائل إعلام موالية، على الأقل، مبرزاً مبررات الحاجة لطرحها. إلى جانب ما سبق، ظهر تقرير لافت في موقع “سيرياستيبس”، المعروف بصلاته الاستخباراتية، تحدث عن “كراتين وأكياس الأوراق النقدية المنقولة” التي يمكن مشاهدتها أمام المصارف العامة والخاصة أو أمام المشافي الخاصة، بغية تسديد التزامات مالية. مشيراً إلى أن “الأموال المنقولة بكتل كبيرة أثارت انتباه وشهية المجرمين وتسببت بحالات قتل”.

لكن، ماذا عن الآثار التضخمية لخطوة كهذه؟ موقع “سيرياستيبس” ضرب “التضخم” المرتقب بعرض الحائط، فـ “سواء أكان الأمر ضخ فئات نقدية جديدة أم استبدالاً للأوراق المالية التالفة فالأمر أصبح ضرورة للتخفيف من الآثار السلبية والمخاطر العالية لنقل وتداول كميات كبيرة من الأموال”.

وللتخفيف من وطأة هذا الطرح، يتحدث الموقع عن مرور عملية طرح ورقة الـ 5000 ليرة مطلع العام الفائت، بسلام، دون أية آثار ملموسة، حسب وصفه. وهنا يبدو أن تحليق تكاليف المعيشة، والذي حدث في الربع الثاني من العام 2021، ليس من ضمن الآثار “الملموسة”، وفق الموقع المشار إليه!

المضمون نفسه، نجده في تصريحات عابد فضيلة، وإن برصانة أكبر، تليق بخبير اقتصادي، اشترط للنجاة من الآثار التضخمية، ألا يتم طبع مبلغ يزيد على التالف من العملة القديمة. وهو الشرط الذي طرحته، لمياء عاصي.

لكن، هل هذا ما حدث فعلاً، بعيد طرح الـ 5000 ليرة، مطلع العام الفائت؟ يومها، كانت لمياء عاصي قد أيدت بيان المركزي، والذي قال إن هذه الخطوة لن تؤثر على سعر الصرف أو تزيد من معدل التضخم، فالكتلة النقدية المطروحة، ستكون مقابل سحب عملة تالفة أو قديمة.

لكن الوزيرة السابقة ذاتها، وبعد 20 يوماً فقط من طرح الـ 5000 ليرة، أقرّت برصد زيادة في الأسعار، تؤكد أن زيادة في الكتلة النقدية قد حدثت في الأسواق، بالفعل. أي أن المركزي، كذب حينما تحدث عن استبدالٍ، وليس ضخٍ للنقد، في السوق. أو أنه لا يملك معطيات دقيقة حول حجم النقد التالف والقديم المتداول. وفي الحالتين، فإن ذلك مدعاة لانهيار الثقة بين السوريين ومصرفهم المركزي، وهو ما يؤدي إلى آثار نفسية تضخمية، لأي طرح نقدي جديد.

وهو ما فهمته إدارة المركزي، التي داومت على نفي شائعة طرح الـ 10 آلاف ليرة، نحو 4 مرات على الأقل، على مدار عامٍ. رغم أن المركزي ذاته كان قد أقرّ، بعيد إصدار ورقة الـ 5000، أنه يدرس الإصدار التالي بقيمة 10 آلاف، بالفعل. ولأن المركزي كان قد نفى صدور ورقة الـ 5000، قبل أشهر قليلة من صدورها بالفعل، بات نفي المركزي محل تشكيك مضاف.

ويكفي التذكير بما حدث لسعر الصرف بعيد طرح الـ 5000، في 24 كانون الثاني/يناير 2021. فقد هوت الليرة من 2920 مقابل الدولار، إلى 4700. وكافح النظام، باستخدام أدواته الأمنية، لإعادة لجم ذلك الانهيار، ثلاثة أشهر، قبل أن ينجح في ضبط سعر الصرف ليستقر ما بين 3100 و3200 مقابل الدولار، في نهاية الربع الثاني من العام 2021. أي أن الليرة خسرت من قيمتها نحو 10%، كنتيجة لطرح ورقة الـ 5000. وقد يكون ذاك الأثر مقبولاً، لو كان يعبّر عن تحركات أسعار المستهلك. فخلال الربع الثاني من العام 2021، تحركت تكاليف احتياجات الأسرة المكونة من 4 أفراد، من 550 ألف ليرة سورية شهرياً، لتصبح بـ 766 ألف ليرة. أي أن وسطي التضخم ارتفع بنسبة تقترب من 40%. قبل أن تقفز هذه النسبة إلى نحو 97%، في النصف الثاني من العام ذاته، بدفعٍ من رفع النظام لأسعار حوامل الطاقة، والسلع الغذائية المدعومة.

وهكذا، فإن الحديث من جانب “خبراء” عن أن طرح ورقة جديدة من فئة الـ 10 آلاف ليرة، لن يزيد نسب التضخم، يبدو كلاماً مفرطاً في التبسيط “التنظيري”، إن أحسنا النوايا. أما إن أسأناها، فإن ذلك التزامن في الحديث عن الحاجة لورقة نقدية أكبر، موجه مخابراتياً، كنتيجة لتوجه ما في أروقة القصر الجمهوري، يدفع نحو خفض قيمة العملة المحلية، كي تكفي الدولارات الشحيحة المتبقية في خزائن المركزي لتغطية التكاليف الجارية لمؤسسات “الدولة”.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا