الموالي إذ يتفرج على انتخاب رئيسه

ربما، مثل معظم الذين اطلعوا على الخبر، عرف الموالي الأسدي بوجود شخص اسمه حمودة صباغ، يشغل منصب “رئيس مجلس الشعب”، وهو الذي أعلن باسم المجلس عن إجراء الانتخابات الرئاسية في السادس والعشرين من الشهر المقبل. في الأصل، ذلك الموالي ليس من البلاهة بحيث يكترث بحفظ اسم رئيس صوري لمجلس شعب صوري، والأكثر نفعاً له “على سبيل الاطلاع ليس إلا” أن يعرف أسماء ضباط المخابرات الكبار، وأن يستذكر أسماء وزراء مسؤولين عن الخدمات المقطوعة، أو اسم رئيس الحكومة، عندما يود التذمر من الأوضاع المعيشية المتردية.

لدى الموالي حدس جيد إزاء مراكز القوى الفعلية، لذا قد ينسى اسم حمودة الصباغ بعد حين من ذلك الإعلان قبل يومين، وقد ينسى مجلس الشعب برمته. الأكثر حماساً بين الموالين هو ذاك السعيد بوجود مجلس شعب لا قيمة له، ومهمته الأولى والأخيرة التنكيل بفكرة الشعب والبرلمان، أما نظيره الموالي “فقط لأن تفكيره لا يصل إلى أبعد من ذلك” فهو يرى التنكيل من طبيعة الأمور، ولا يرى نفسه أهلاً لما يسمع به من حريات وديموقراطية تحدث في أمكنة أخرى.

بفضل الثورة، كانت انتخابات الرئاسة عام2014 أول انتخابات يقترع فيها الموالي، الأمر لا يتصل بتغيير اسم العملية من استفتاء على “مرشح” وحيد إلى “انتخاب” يتنافس فيه شكلياً عدة مرشحين. أيضاً يدرك الموالي أن تغيير اسم العملية بموجب التعديلات الدستورية لا يغير من جوهرها، فالنتيجة معروفة سلفاً، بل من المحتمل جداً أن تكون مقررة بالنسب والأرقام قبل أن يعلن آنذاك رئيس مجلس الشعب “من يذكر اسمه؟” عن موعد الانتخابات في الثالث من حزيران. فكرة اقتراع الموالي حينها مرتبطة بتمايزه في اتخاذ القرار المختلف عن سوريين آخرين قرروا الثورة على العائلة الحاكمة، واقتراعه كان تأكيداً على موقفه وعلى اصطفافه في الحرب على أولئك المخالفين.

خلال أربعة عقود ونصف من حكم الأسدَيْن كانت النسبة الساحقة من السوريين تُساق إلى ما كان يُسمى “تجديد البيعة”، ولم يكن هناك تمايز بين الموالي الذاهب ليجدد البيعة بإرادته وذاك الذاهب ليجددها غصباً عن إرادته، ولا يندر أن يُظهر الثاني حماساً يفوق الأول بداعي الخوف من ميوله المضطر إلى كبتها. كان ثمة مساواة في الظاهر، ومساواة في انعدام القيمة ضمن مزرعة الأسد، لتأتي الثورة وتمنح الموالي تلك القيمة التي لم يكن يتمتع بها من قبل بنظر الأسد وحلقته الضيقة. في حزيران2014، كان للموالي قيمة واعتبار من أجل تشجيعه على الاستمرار في الحرب، وكانت قوات الأسد والميليشيات الشيعية الحليفة تسيطر على أقل من نصف سوريا، وهي بحاجة إلى الخزان البشري الموالي، الحاجة التي ستنخفض فيما بعد مع دخول الطيران العسكري الروسي لترجيح ميزان القوى لصالح الأسد، ما سيعيد الموالي إلى قيمته المتدنية السابقة.

فقد الموالي قيمته التي اكتسبها مؤقتاً، وفي السنوات السبع المنقضية على “الانتخابات” الماضية صارت هيمنة حلفاء الأسد واضحة أكثر من ذي قبل، وصارت التفاهمات الدولية الخاصة بسوريا أوضح من قبل أيضاً. لذا لا يفوت الموالي، كما لا يفوت غيره من السوريين، أن “الانتخابات” المقبلة ما كانت لتحدث لو وُجدت نية دولية حقيقية لإطاحة الأسد. بعبارة أخرى، مجرد إجراء الانتخابات هو دلالة على أن القوى الفاعلة اقترعت وانتخبت بقاء بشار في السلطة. عطفاً على ذلك، لن يذهب الموالي ليقترع متحدياً “المؤامرة الكونية” على زعيمه، ولن يقترع متحدياً سوريين تجرأوا على الثورة، لن يكون لصوته تلك القيمة التي اكتسبها يوماً بفعل عدائه للثورة ومكافأة على عدم انضمامه إليها.

سيذهب الموالي إلى الاقتراع كما كان الحال قبل عام2011، سيقترع شكلاً بعدما اقترع الناخبون الكبار الفعليون، سيكون جزءاً من الفرجة المحلية المبتذلة التي تترجم الإرادة الدولية، سيكون متفرجاً “لا فاعلاً” والفرجةَ في وقت واحد. وفوق أنه سيبتلع الإهانة المعتادة قبل ذلك التاريخ، سيقترع هذه المرة وهو في أسوأ حال على الإطلاق، وسيؤخذ تدهور معيشته واقتراعه لمن تسبب في مأساته معاً كمؤشر أقوى على موالاته، سيتاجر بشار وأزلامه بتجديد الولاء الذي يأتي في شروط معيشية غير مسبوقة بقسوتها، وبعد مضي سنوات تكفي لإحصاء دماء الموالين التي أُريقت قرباناً له.

إلا أن ما يقلل من شأن المقترعين، ويجعل منهم مجرد فرجة مبتذلة، ينسحب على العملية برمتها. فبشار الأسد لن يكون هذه المرة في موقع القوي، أو الحاكم الفعلي، الذي يدخل الانتخابات ليستهزئ بالديموقراطية. هو أيضاً، بضعفه وتبعيته، جزء من المهزلة التي سيفوز بنتيجتها. هو أيضاً في منزلة الموالي، وإن اختلفت التكهنات حول موالاته موسكو أو طهران، أو التنقل بينهما. بينما يظهر بشار أقوى مما كان عليه في 2014، يعلم الجميع أن الانتصارات تُحسب لحلفائه أولاً، بل تُحسب حتى لحلفاء المعارضة الذين أعادوا له السيطرة على بعض المناطق فلا يتبقى شيء ليُحسب لكفاءته الشخصية.

قد يقتضي استكمال النفاق تصريح أكثر من مسؤول غربي أو إقليمي للطعن بشرعية الانتخابات المقبلة وعدم القبول بها، حدث شيء مشابه قبل سبع سنوات، ولعل أعزّ آمال بشار أن يحدث هذا بعد سبع سنوات، وأن يتكرر منطوياً على القبول ببقائه. لكن ما يعلمه بشار، ويعلمه ذاك الموالي وعموم السوريين الذي لا يد لهم في تقرير مصيرهم، ويعلمه عموم المتفرجين، أن إجراء الانتخابات لا تترتب عليه أية آثار ذات قيمة. الحقيقة الوحيدة التي يسوّقها حلفاء بشار في الخفاء، ويسوّقها الغرب في الكواليس أيضاً، مفادها: ليفزْ بشار في الانتخابات وفق الدستور الذي فصّله على قياسه، فعندما تحين ساعة الجد لا قيمة لوجوده بانتخابات أو من دونها، القرار سيكون لأولئك “الناخبين الكبار” الذين يقررون مصيره. هؤلاء كما نعلم لا يبايعون أحداً، إنهم يتقنون البيع.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا