بوتين وسنواته الست كحاكم انتداب لسوريا

في زيارة غير معلنة في الثالث عشر من هذا الشهر، التقى رئيس النظام السوري بشار الأسد بنظيره الروسي فلاديمير، ولم يرشح عن أسباب هذه الزيارة، ولا عن فحوى المحادثات بينهما، إذ لم يعقدا مؤتمرا صحافيا، ولم يصرحا عن شيء سوى بعض المجاملات “اللطيفة”: قال الأسد لنظيره: “حقق الجيشان السوري والروسي إنجازات كبيرة ليس فقط من خلال تحرير الأراضي أو من خلال إعادة اللاجئين إلى قراهم ومدنهم ولكن أيضا من خلال حماية مواطنين أبرياء كثر في هذا العالم”. ليرد عليه بوتين في مجاملة أقرب إلى السخرية إذ هنأه بفوزه في الانتخابات التي حصد فيها أكثر من 95 في المئة من الأصوات:

“هذه النتيجة تأكد أن الشعب يثق بك ورغم صعوبات السنوات الماضية والمآسي التي شهدتها تلك السنوات، فإن الناس لا تزال تربط عمليتي التعافي والعودة إلى الحياة الطبيعية، بك”

ورسم بشار الأسد ابتسامة رضى على شفتيه لإخفاء الشعور بالسخرية منه من قبل راعيه وحاميه لأنه يدرك تماما أنها عارية عن الصحة وفيها استغفال للشعب السوري.

الرئيس الروسي أرجع سبب الأزمة في تواجد قوات أجنبية على الأرض السورية ويقصد القوات الإيرانية والأمريكية بشكل خاص، والتركية بشكل عام. وطلب من الأسد الانفتاح على المعارضة.

الزيارة الأولى

سنوات ست مضت على زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد السرية إلى موسكو في طائرة شحن ليطلب العون من حليف قديم ينقذ نظامه من السقوط ورأسه كما سقطت رؤوس قبله في دول عربية أخرى هبت عليها ريح الربيع العاتية. الزيارة جاءت بعد أن خاب أمله من حليفه الفارسي الذي استنجد به قبلا ولم يقو على صد المعارضة المسلحة، رغم كل الميليشيات المرتزقة التي جلبها من أفغانستان، وباكستان بشحذ طائفي (حسب تسمياتها فاطميون، زينبيون، أبو فضل العباس)، بالإضافة إلى الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله اللبناني، وببعض ميليشيات طائفية عراقية “كعصائب الحق” وسواها التي منيت جميعها بهزائم كبيرة وبخسارات بشرية فادحة.

شروط بوتين

خلال هذه الزيارة وضع بوتين شروطه: توسيع القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، بناء قواعد عسكرية برية، أكبرها قاعدة حميميم الجوية والتعاقد مع النظام السوري لاستمرارها على الأراضي السورية لنصف قرن مقبل، جلب مرتزقة ” فاغنر” لتضاف إلى الميليشيات الطائفية الأخرى التي ترتكب أبشع المجازر بالشعب السوري، إعطاء الضوء الأخضر للجيش الروسي باستخدام كل أسلحته وتجربتها في قصف السوريين، ( القصف الروسي قتل آلاف المدنيين منهم مئات الأطفال، ونجم عنه تدمير منشآت طبيه ومدارس وأبنية سكنية) توكيل روسيا بأي مفاوضات تتعلق بسوريا خارجيا، ووضع خططها للقضاء على المعارضة المسلحة داخليا بلغة الحيلة حينا (حيلة مناطق خفض التصعيد)، وبلغة الرصاص، والسوخوي أحيانا. (اعترف وزير الدفاع الروسي بتجريب مئتي سلاح جديد في سوريا) وبعدم التعرض للجيش الروسي من قبل السلطات والقوات السورية تحت أي ظرف.

هذه الشروط المجحفة بحق سوريا وسيادتها، وبحق الشعب السوري، قبلها رئيس النظام السوري برحابة صدر، وأثبتت السنوات الست الماضية أن بوتين يتصرف بسوريا كمقاطعة روسية، يهبط في قاعدة حميميم دون إعلام السلطات السورية ويستدعي رئيس النظام بمكالمة هاتفية.

ويكفي التذكير بزيارة بوتين إلى مطار حميميم أواخر 2017، وكيف تعمد الكرملين تسريب شريط فيديو مهين أظهر كيف قام حرس بوتين بمنع الأسد من مرافقته أثناء مراسم قام بها الجيش الروسي لتدشين القاعدة.

وموسكو وجدت في طلب إنقاذ نظام الأسد “بيضة ذهبية” لم تكن تتوقعها فهي تعود إلى الساحة الدولية عبر البوابة السورية، وتضمن تواجدا دائما في المياه الدافئة السورية، وتستفيد شركاتها من إعادة الإعمار، وترويج بيع أسلحتها.

إعادة تدوير النظام

حديث بشار الأسد عن الإنجازات والانتصارات التي حققها الجيشان السوري والروسي في “تحرير الأراضي وإعادة اللاجئين” تذكر بمقولة والده بعد هزيمته في حرب حزيران- يونيو 67 أن النظام البعثي انتصر في هذه الحرب على إسرائيل وتفسيره لهذا الانتصار الكبير هو أن هدف إسرائيل كان إسقاط نظام البعث في سوريا، وبما أنها أخفقت في مسعاها وصمد النظام للهزة العنيفة للهزيمة على الأرض وخسارة الجولان فإنه يعد هذا انتصارا لهذا النظام الصنديد.

واليوم يعتبر وريثه بشار أنه حقق انتصارا ما بعده انتصار رغم أن الواقع على الأرض يوازي انتدابا متعدد الجنسيات مع هيمنة سياسية وعسكرية ودبلوماسية روسية، مع فقدان أدنى مستوى من السيادة الوطنية السورية التي كانت تتميز بها فيما سبق. لكن الانتصار لم يكتمل بعد إلا بإعادة تدوير النظام وفتح قنوات الاتصال معه إقليميا ودوليا، وعلى دبلوماسية قيصر روسيا لعب هذا الدور الذي بدأه وزير الخارجية سيرغي لافروف مع بعض الأنظمة العربية، ورحب بها العاهل الأردني ودعا إليها في زيارته لواشنطن لعلها تزيل عقوبة “قيصرها” عن النظام السوري.

وتعززت العلاقات بزيارة وزير دفاع نظام الأسد إلى عمان وقد جرى خلال اللقاء “بحث العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها تنسيق الجهود لضمان أمن الحدود المشتركة بين البلدين، والأوضاع في الجنوب السوري، ومكافحة الإرهاب والجهود المشتركة لمواجهة عمليات التهريب عبر الحدود وخاصة تهريب المخدرات.

وكانت عمان تقف مع الثورة سابقا. كما أثار محللون سياسيون سبب زيارة وزير خارجية إسرائيل يائير لابيد إلى موسكو في الفترة نفسها وإثارة الأزمة السورية وتواجد القوات الإيرانية وحزب الله التي ترى فيها تهديدا لأمن إسرائيل. بمعنى آخر أن إسرائيل تطلب من الروس الضغط على النظام السوري للاستغناء عن الحليف الإيراني وميليشياته، وهذا قرار صعب التحقيق فإيران نشرت ميليشياتها في كل مكان، واستثمرت في النظام مبالغ ضخمة منذ اندلاع الثورة ولن تتخلى عنها بهذه السهولة وإلا تحولت عدوا محتملا ضد النظام. فأمام إرضاء قيصر موسكو، وإغضاب ولاية الفقيه هما أمران أحلاهما مر.

المصدر القدس العربي


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا