بين فك العزلة وإعادة الإعمار.. ماذا يتوقع الغرب من زيارة الأسد للصين؟

أولت تقارير وصحف غربية اهتماماً ملحوظاً بزيارة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، للصين اليوم الخميس، في ظل توجه بكين لتعزيز وجودها في الشرق الأوسط من جهة، والحديث عن إعادة تأهيل الأسد سياسياً واقتصادياً من جهة أخرى.

ورغم العلاقات الوثيقة التي حرصت الصين على الحفاظ عليها مع نظام الأسد، عبر دعمه سياسياً وسط العزلة الدولية التي استمرت لسنوات، إلا أن الزيارة تحمل دلالات أخرى قد ترتبط بالاقتصاد وإعادة الإعمار، وفق ما تحدثت عنه تقارير غربية.

“الصين تريد النفوذ لا الاستثمار”

صحيفة “فايننشال تايمز” قالت في تقرير لها، اليوم الخميس، إن زيارة الأسد للصين تأتي في الوقت الذي تسعى فيه بكين إلى زيادة نفوذها الدبلوماسي في الشرق الأوسط.

كما جاء في وقت يتم فيه الترحيب “مبدئياً” بعودة النظام إلى الساحة من قبل القوى الإقليمية التي كانت تدعم المعارضة السورية سابقاً.

لكن، وبحسب الصحيفة البريطانية، لا يزال الأسد يعامل باعتباره منبوذاً لدى الغرب، ونادراً ما يسافر إلى الخارج، باستثناء الدول التي يعتبرها “صديقة”، إلى جانب الدول العربية التي طبعت معه مؤخراً، ومن بينها الإمارات والسعودية.

وتحدث التقرير عن “تكهنات منذ فترة طويلة بأن سورية ستسعى للحصول على دعم بكين في المهمة التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات لإعادة إعمار الدولة التي دمرتها الحرب”.

لكن الصين “كانت مترددة بالاستثمار في الدولة العربية الفقيرة التي تخضع لعقوبات شديدة من القوى الغربية”.

ومن المتوقع أن يتم طرح موضوع إعادة الإعمار عندما يلتقي الأسد بالرئيس الصيني شي جين بينغ، وفق التقرير.

ونقل عن أليساندرو أردوينو، المحاضر المنتسب في معهد “لاو تشاينا” بكلية كينجز في لندن، أن إعادة الإعمار ستكون مطروحة على الطاولة عندما يجتمع الأسد مع شي.

لكنه اعتبر أن هذا “أقل جاذبية” بالنسبة للصين مما يعتقده الكثيرون، خاصة مع تأثر الشركات الصينية بالتباطؤ الاقتصادي في سوقها المحلي.

وقال أردوينو إنه بدلاً من ذلك، تنظر الصين لزيارة الأسد على أنها فرصة لبكين لزيادة مكانتها الدبلوماسية في الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي تعتمد عليها في الكثير من وارداتها من النفط والغاز.

وأضاف: “لقد ركزت الصين تقليدياً على شراكاتها التجارية المتوسعة في المنطقة وتجنبت التورط في السياسة. لكنها فاجأت الكثيرين في مارس/آذار بالتوسط في اتفاق بين السعودية وإيران أدى إلى موافقة الخصمين الإقليميين على استعادة العلاقات الدبلوماسية”.

ويرى محللون أن ذلك علامة على رغبة الصين بتوسيع نفوذها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حيث كانت الولايات المتحدة تقليدياً القوة الأجنبية المهيمنة هناك.

الأسد يريد الأموال

وكذلك، يرى موقع “المونتور” أن الزيارة تأتي في وقت تسعى فيه الصين لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط، فيما يسعى الأسد لتثبيت صورته خارج الحدود.

ونقلت عن لينا الخطيب، مديرة معهد الشرق الأوسط في جامعة SOAS في لندن، أن “الأسد يعتزم من زيارته للصين نقل إحساس بالشرعية الدولية لنظامه، ورسم صورة للدعم الصيني الذي يلوح في الأفق لإعادة الإعمار في سورية”

وأشارت الخطيب إلى أن التوقيت “مهم”، حيث يواجه الأسد الآن احتجاجات تطالب بتغيير النظام في السويداء جنوب سورية.

وبحسب الموقع، من المتوقع أن تركز زيارة الأسد للصين جزئياً على الأموال المخصصة لإعادة الإعمار.

خاصة بعد أن وقع نظام الأسد على مبادرة الحزام والطريق الصينية الواسعة للتجارة والبنية التحتية في يناير 2022.

وكتب حايد حايد، زميل استشاري في “تشاتام هاوس” بلندن، على موقع  “إكس” إنه “من المتوقع أن يتمحور تركيز هذا الاجتماع حول إقناع الصين بمساعدة التعافي الاقتصادي في سورية”.

وأشار حايد إلى أن الصين تعهدت باستثمارات بقيمة ملياري دولار في سورية في عام 2017، إلا أن ذلك “لم يتحقق بعد”.

وأضاف أنه بالنسبة للنظام فإن الانضمام إلى المبادرة “لم يسفر عن استثمارات صينية كبيرة في سورية، سواء من الحكومة الصينية أو القطاع الخاص”.

واعتبر أنه “على الرغم من زيادة اهتمام الصين بالعودة إلى العمل في سورية، إلا أن غياب البيئة الاستثمارية المحفزة، حتى بعد زيارة الأسد، سيلعب دوراً حاسماً في منع بكين من تنفيذ وعودها الاقتصادية أو لعب دور اقتصادي كبير فيها”.

هل من عودة لسوق النفط؟

تعتبر الصين واحدة من عدد قليل من الدول خارج الشرق الأوسط التي زارها الأسد، منذ انطلاق الاحتجاجات ضد نظام حكمه عام 2011.

ويعتبر الأسد أيضاً الأحدث في سلسلة من “الزعماء المنبوذين” من الغرب، الذين تكرمهم الصين، حيث زارها الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي هذا العام، بالإضافة إلى كبار المسؤولين الروس.

وبحسب وكالة “رويترز“، فإن ظهور الأسد إلى جانب الرئيس الصيني في تجمع إقليمي من شأنه أن يضيف مزيداً من “الشرعية” لنظامه للعودة ببطء إلى المسرح العالمي.

وبالأخص بعد انضمام النظام السوري لمبادرة الحزام والطريق الصينية عام 2022، وقبوله مرة أخرى في جامعة الدول العربية في مايو/ أيار الماضي.

وتتمتع سورية بأهمية استراتيجية بالنسبة للصين، بحسب الوكالة، لأنها تقع بين العراق الذي يوفر نحو عشر نفط الصين، وتركيا، محطة الممرات الاقتصادية الممتدة عبر آسيا إلى أوروبا، والأردن، الذي كثيراً ما يتوسط في النزاعات الإقليمية.

وفي حين أن سورية منتج صغير نسبياً للنفط، إلا أن إيراداتها تعتبر محورية لنظام الأسد.

وبين عامي 2008 و2009، استثمرت شركات الطاقة الصينية الكبرى “سينوبك كورب” و”سينوكيم” و”سي إن بي سي” ما مجموعه 3 مليارات دولار في سورية، مدفوعة بدعوة من بكين للاستحواذ على أصول النفط والغاز العالمية.

لكن شركة “سينوكيم” أوقفت عملياتها في سورية عام 2011، وفقاً لشريكتها شركة “جولف ساندز بتروليوم”.

وقال مسؤولون في الشركة إنه في عام 2014 تقريباً، توقفت شركة النفط الوطنية الصينية، التي كانت تشارك في إنتاج النفط في عدة كتل صغيرة، عن الإنتاج أيضاً، في أعقاب عقوبات الاتحاد الأوروبي ونشر القوات الأمريكية في سورية لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

ويقول حايد حايد، إن شركات صينية كثيرة أبدت اهتماماً قوياً بالاستثمار في سورية، لكن هذه المساعي لم تسفر عن أي نتائج ملموسة بسبب الظروف الاقتصادية غير المواتية.

وأضاف في مقال له: “في حين أن الإغراء بإعادة الانخراط في قطاع النفط السوري أمرٌ جليّ، فالطريق الذي يُفضي إلى التقدم بالنسبة لشركة سينوبك، وغيرها من الاستثمارات الصينية، إنما هو طريق وعر”.

الصين وعقدة الدعم

حافظت الصين، مثل روسيا وإيران، على علاقاتها مع نظام الأسد، حتى في الوقت الذي عزلت فيه دول أخرى الأسد بسبب قمعه المظاهرات المناهضة للحكومة والتي اندلعت عام 2011.

ورغم أنها لم تدعمه عسكرياً، إلا أنها قدمت الدعم الدبلوماسي له، خاصة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حيث تتمتع بعضوية دائمة.

إذ استخدمت الصين حق النقض (الفيتو) في الأمم المتحدة ثماني مرات لوقف القرارات ضد نظام الأسد، آخرها في يوليو/تموز 2020.

كما قام مسؤولون من كلا البلدين بزيارات على مر السنين، أبرزها زيارة وزير الخارجية الصيني لدمشق عام 2021.

وكانت آخر زيارة للأسد للصين في عام 2004 للقاء الرئيس الصيني آنذاك هو جين تاو.

وكانت حينها الزيارة الأولى لرئيس دولة سوري منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1956.

وستكون رحلة الأسد الحالية، التي تستغرق أياماً، إلى الصين إحدى أطول فترات غيابه الرسمية عن سورية منذ عام 2011.

المصدر السورية نت
قد يعجبك أيضا