تحقيق: كيف دمرت روسيا القطاع الطبي في سورية ثم استثمرت فيه؟

كشف تحقيق صحفي، اليوم الخميس، عن السياسة التي اتبعتها روسيا في سورية، والتي تمثلت بقصف وتدمير القطاع الطبي، ثم استثمار الأموال الروسية لإعادة تأهيله.

التحقيق الذي نشرته صحيفة “العربي الجديد” بنسختها الإنجليزية، بالاشتراك مع شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)، وإذاعة “روزنة”، كشف عن التغييرات التي طالت القطاع الطبي في سورية بعد عام 2011، وما تعرض له من دمار.

كما تناول دور الشركات الروسية المقربة من الكرملين في ضخ الأموال بهذا القطاع والاستثمار فيه بعد تدميره.

وجاء فيه أن “حليف الأسد الذي ساعد بتدمير قطاع الرعاية الصحية في سورية، أصبح الآن مستثمراً حاسماً في مستقبله”.

شركات روسية تستفيد

بحسب التحقيق، كانت صناعة الأدوية مزدهرة في سورية عام 2009، حين غطت 90% من الاحتياجات المحلية، وصدرت منتجاتها إقليمياً وعالمياً.

كما كانت العيادات السورية مقصداً للمرضى القادمين من الخارج، والباحثين عن خدمات عالية الجودة بسعر منخفض.

لكن ما حدث بعد عام 2011 هو قيام النظام السوري وروسيا بتدمير البنية التحتية الطبية، واستهداف العاملين في هذا القطاع بالقصف والقتل والتعذيب والاعتقال، ما دفع عشرات الآلاف من الأطباء والممرضين إلى مغادرة البلاد.

وتشير مجموعة Diligencia Groupوهي شركة استخباراتية للشركات، إلى أن “معدل الإنتاج الإجمالي لصناعة الأدوية السورية انخفض بنسبة 75% في دمشق وريفها”.

ثم أثبتت الأحداث المتلاحقة أن شركات روسية مقربة من الكرملين قامت بالاستفادة من إعادة إعمار القطاع الطبي، بعد مساعدة النظام بتدميره.

وبحسب المجموعة كانت روسيا من بين الموردين الرئيسيين للمنتجات الطبية إلى سورية، بعد فرض عقوبات على النظام السوري عام 2015.

مشيرة إلى أن إيران احتلت أكبر حصة في السوق بنسبة 35% من إجمالي الواردات، تلتها روسيا وبيلاروسيا بنسبة 25%، ثمّ قفزت روسيا إلى المقدمة.

وفي أبريل/نيسان 2016، وقّع الأسد اتفاقيات على هيئة قروض بقيمة مليار دولار من روسيا.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، منح الأسد الأولوية لروسيا في سلسلة من العقود الاقتصادية والتجارية، كما عرضت روسيا رعاية جهود الأسد في إحياء القطاع الطبي، وفق التحقيق.

أما في سبتمبر/ أيلول 2017، أعلنت روسيا الانتهاء من إعادة بناء مصنع أدوية كبيرة في ضواحي دمشق، وهو “ميرسي فارما/ الرحمة”.

وكذلك في نهاية عام 2018، أعلنت شركة “ديماس”، إحدى أكبر شركات الأدوية السورية والمملوكة جزئياً للنظام، أنها ستبني ثلاثة خطوط إنتاج جديدة، لإنتاج المضادات الحيوية ومسكنات الألم، للتصدير إلى روسيا.

في الوقت نفسه، ارتفعت صادرات الأدوية الروسية إلى سورية، وكان هذا السوق محط اهتمام كبير في منتدى الأعمال الروسي- السوري، الذي عقد في موسكو في شباط/فبراير 2018.

وقال حينها نائب وزير التنمية الاقتصادية الروسي إن الشركات الروسية التي تقدمت بطلب لتسجيل المنتجات الطبية في سورية تتلقى “الدعم”، ووعد بالمزيد منه.

استمرار القصف والتدمير

يشير التحقيق إلى أنه في الوقت الذي كانت فيه روسيا تستثمر في القطاع الطبي بسورية، استمرت أيضاً باستهداف المنشآت الطبية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري.

وخلال يونيو/ حزيران 2019، وثقت المنظمات الإنسانية قصف النظام وروسيا 25 منشأة طبية شمال غرب سورية، خلال شهر واحد.

وأضافت أن جميع المستشفيات التي شارك الأطباء إحداثياتها مع الأمم المتحدة استُهدفت بشكل مباشر.

ثم ذكرت صحيفة “إندبندنت” عقبها أن الأطباء في إدلب لن يشاركوا إحداثيات المستشفيات مع الأمم المتحدة، إثر هجمات متكررة من القوات الروسية وقوات الأسد.

وندد العاملون في المجال الطبي بـ”هذا الاستهداف المتعمّد والمنهجي لمنشآت الرعاية الصحية والطواقم الطبية”، وقالوا إنه “انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي”.

“التغلغل الروسي يتسع”

كشف التحقيق أنه خلال السنوات الثلاث الماضية زادت الاستثمارات الروسية في القطاع الطبي، خاصة أثناء انتشار جائحة “كورونا”.

ففي عام 2020، تدفّقت المزيد من القروض الروسية إلى سورية، ولكن هذه المرة بشرط استخدامها حصرياً بغرض الدفع لشركات روسية محددة، خلال فترة ستة أشهر، مع فرض غرامة على أي أموال غير مستخدمة بعد ذلك.

ونقل التحقيق عن وثائق مسربة، نشرها موقع newslinesmag.com المستقل، أنه من بين منتجات متعددة، قدّم الروس “عشرين منتجاً من الأدوية الصيدلانية والمواد الطبية”.

وأضاف: “جاءت جائحة كورونا لتعزز البصمة الروسية في القطاع الطبي السوري”.

موضحاً أن روسيا “قدمت مليون جرعة من لقاح سبوتنيك لسورية بسعر يقارب الـ10 دولارات للجرعة الواحدة، حيث وصلت قيمة هذه الصفقة إلى نحو 10 ملايين دولار”.

واستمر التغلغل الروسي في النظام الصحي السوري بالاتساع، بعد أن نشرت وكالة أنباء النظام “سانا” منتصف عام 2022 خبراً عن “اتفاقية تعاون ثنائي مرتقب، في مجال تصنيع الأدوية والمعدّات الطبية، فضلاً عن توقيع اتفاقية جديدة، بشأن تدريب الأطباء السوريين في روسيا”.

ولا يبدو أن الاتساع قد ينحسر، بحسب التحقيق، ففي 16 آذار/مارس من عام 2023، أجرى الأسد مقابلة مع وكالة الأنباء الروسية (ريا نوفوستي)، وصف فيها توسيع الوجود الروسي في بلاده بالأمر “الجيد”.

وختم التحقيق بالقول: “لم تنحسر أزمة الرعاية الصحية في سورية حتى الآن، ما تغيّر فقط هو أن الحليف الذي ساعد في تدمير القطاع الطبي، أصبح الآن مستثمراً حاسماً في مستقبله”.

المصدر السورية نت
قد يعجبك أيضا