تعويم النظام السوري من بوابة لبنان

لم تكن ارتكابات حرب سوريا عادية على الإطلاق. مروحة متكاملة من الجرائم تشمل التدمير الممنهج للمدن والمناطق المعارضة والقصف الكيماوي لأهداف مدنية، والحصار والتجويع والاغتصاب والتهجير الجماعي، إلى الاعتقالات التعسفية والتعذيب والقتل في سجون النظام السوري.

عملياً، مثّلت الحرب السورية صدمة وصلت أصداؤها لكل أبناء المنطقة، وتحديداً في المشرق ومنهم لبنان والأردن حيث يُقيم أكثر من مليوني لاجئ سوري أغلبهم من المعارضين للنظام. المصالحة مع مثل هذا السجل من الجرائم بدعوى ضرورة التعامل مع الأمر الواقع، تفتح الباب أمام تكرار المأساة في حال الحاجة لذلك. ذلك أننا في المنطقة أمام نموذجين من الأنظمة. تلك التي أظهرت ضعفاً واستعداداً للتفاوض مع الشارع والقبول ببعض التنازلات، كما حدث في مصر وتونس. وهذه انتهت عملياً باستمرار التظاهرات وسقوط رأس النظام. وهناك أيضاً نموذج النظام السوري الذي رفض التنازل قيد أنملة، ولجأ الى العنف المفرط والمواجهة العسكرية بين جيش مدعوم روسياً وايرانياً، من جهة، ومجموعات تسليحها ضعيف غالباً ولا تملك أدنى مقومات الصمود.

جمع النظام بين استخدام القوة النارية ضد تجمعات مدنية، وبين التعذيب والتهجير على مستوى جماعي، ولم يُظهر اكتراثاً أمام إقفال السفارات والعقوبات وغيرها من تحركات المجتمع الدولي. كانت الفكرة الأساسية لدى النظام، أن الوقت عامل رابح، وأن على المحيط قبول الأمر الواقع المتمثل بالعائلة الأسدية المالكة. وهو بالتالي قادر على فرض شروطه من دون أدنى تنازلات. لم يقبل حتى بأي إصلاحات سياسية وأي تسوية داخلية تُعيد اللاجئين وتحل قضايا أساسية تمهيداً لإعادة الإعمار.

اليوم، يلعب الأردن دوراً رئيسياً في إعادة تعويم النظام السوري، اقليمياً، أولاً من خلال بوابة مشروع إيصال الغاز المصري والكهرباء الأردنية الى لبنان من خلال الأراضي السورية. وهذه عملية تتطلب موافقة أميركية (حصلت) وكذلك تعاوناً من الجانب السوري الذي اشترط لقاءات على المستوى الوزاري بين الأطراف المختلفة.

عملياً، هناك توكيل أميركي لعمان بإطلاق هذا المسار، لكن من غير الواضح إن كانت واشنطن معنية باتساع إطار التطبيع العربي مع النظام، أم أنها أرادت فحسب عملية قيصرية لتقديم حلول في مجال الطاقة للبنان، مع فوائد اقتصادية ومالية للأردن.

لكن من الواضح أن المسار اتسع بغض النظر عن القصد الأول له، إذ عُقدت لقاءات أبعد من مستوى الطاقة. بعد شهور على زيارة وزيري النفط والكهرباء السوريين إلى الأردن، التقى فيها وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش السوري العماد علي أيوب رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردني اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي في عمان لـ”تنسيق الجهود لضمان أمن الحدود.. والأوضاع في الجنوب السوري ومكافحة الإرهاب.. ومواجهة عمليات التهريب عبر الحدود وخاصة تهريب المخدرات”، وفقاً لوكالة الأنباء الأردنية.

وشهدت الأسابيع الماضية لقاءات على المستوى الوزاري من نيويورك الى عمان ودمشق، تُوحي بأن عصر العزلة للنظام السوري شارف على النهاية، انطلاقاً من بوابة الأزمة اللبنانية. لكن ذلك مرتبط بشكل كامل بالرغبة الأميركية في ذلك، إذ أن سيف العقوبات ما زال مسلطاً، وقد يكون السماح بمشروع الطاقة والغاز، محدود الصلاحية، وهو ما زال غير رسمي، بما يشي بإبقاء الاحتمال مفتوحاً أمام تبدل في السياسة الأميركية أو عقوبات مُحددة ضد المخالفين في حال اتساع رقعة التطبيع والتعاون مع النظام.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا