جذر ومآلات صراع الأسد-مخلوف..باحثون يحاولون تفكيك المشهد اقتصادياً وسياسياً

ناقش باحثون سوريون، في ندوةِ نظّمها “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، الخميس، الخلافَ الذي تتطور مُعطياته يومياً، بين رجل أعمال عائلة الأسد، رامي مخلوف، وابن عمته رئيس النظام، بشار الأسد؛ والتداعيات المحتملةِ على الملف السوري، المُشتعل أساساً بتطوراتٍ عديدة، تتزامن مع مسألة مخلوف.
وحاول الباحثون عبر مقارباتٍ من زوايا مختلفة، تفكيك مشهد الصراع القائم، وتسليط الضوء على تفاصيل جوانبه الاقتصادية، وقراءة البعد السياسي عبر التحول الحاصل، وتشريح أسباب الخلاف ومستقبله.

وافتتح الدكتور عمار قحف، المدير التنفيذي لـ”مركز عمران” الندوة، التي أدارها الباحث معن طلّاع، وشارك بها المستشار الاقتصادي، أسامة القاضي، والباحثيّينِ ساشا علو وأيمن الدسوقي.

رامي مخلوف كـ”صندوق أسود”

وقال الدكتور أسامة القاضي، المحاضر الاقتصادي في عدة جامعات، إن “واقع الحال في الخلاف الدائر الآن بين الأسد ومخلوف، مغزاه الأساسي ضرب التحالف العشائري الطائفي الاقتصادي العائلي، وضرب هذه الكتلة الصلبة شاقولياً، من منظومة الفساد المالية، لما تبقى من اقتصاد سوري”.

واعتبر الباحث الاقتصادي، أن “المشكلة بين مخلوف والأسد لم تكن ذات مغزى حقيقي، إلا بعد أن أبرزتها الصحافة الروسية، و(خاصةً) صحيفة البرافدا في 14 أبريل/نيسان، لأنها صحيفة رسمية، وواضح أنها تُعبّر بشكل واضح، عن إرادة روسية في استبدال منظومة الفساد السورية، التي يعتبر رامي هو الصندوق الأسود فيها خاصة على الصعيد الاقتصادي”، مشيراً إلى أن “الصراع مع رامي صعب، لأنه مُتمركز داخل الاقتصاد السوري، بشكل عنقودي”.

وأضاف المتحدث، أن البعض قد يعتقد “المقصود مما يجري شركة سيريتل أو شخص رامي، لكن الواقع ما يجري هو استبدال منظومة رامي مخلوف، وهذه لا تعني شخص رامي؛ فهناك 71 شخصية في شركة الشام القابضة و23 في شركة سورية القابضة”، وغيرهم، من 120 رجل اعمال يتمركزونَ  حول هذه المنظومة”، التي تم خلال السنوات الماضية “تشريع حوالي 1200 مرسوم من أجل تمتين البيئة المناسبة والحاضنة المناسبة لهذه الشركات التي تقبض على الاقتصاد السوري”.

إقصاء رامي ليس سهلاً

واعتبر القاضي، أنه “ليس بالسهولة أن يقضي بشار الأسد على منظومة رامي مخلوف(…)امبراطورية الفساد الموجود يراد استبدالها بإرادة دولية؛ وعلى الأخص روسية، من أجل التمهيد لمرحلة قادمة بوجود أو بدون الأسد، لكن ضرب هذه المنظومة ليس سهلاً”، ولكن هذه المنظومة “باتت عبئاً على كل من يتحالف مع النظام”.

كما أن منظومة الفساد المالي القابضة على مفاصل الاقتصاد الروسية، ستشكل وفق القاضي “عقبة أمام دخول استحقاقٍ(أو تحدٍ) جديد هو قانون سيزر الشهر القادم”، بالتوازي مع عدم قدرة روسيا “على إعادة الاعمار وحدها”، وبالتالي هي مضطرة لدفع العملية السياسية، وإيجاد بيئة تشجّع المجتمع الدولي “للدخول في إعادة الإعمار، ودخول روسيا بأموالها لبدء قطف جني ثمار دخولها الحرب في سبتمبر/أيلول 2015”.

تأميم روسي؟

وذهب الباحث الاقتصادي، أسامة القاضي، إلى ما هو أبعد من ذلك، من خلال اعتقاده أن هناك “تأميم روسي للثروات السورية المنهوبة، فهذا التأميم الروسي للشركات السورية، لأن سورية باتت الآن تحت منطقة النفوذ الروسي وهي الآمر الناهي في هذا المجال، ولن تسمح لأي قوة دولية أخرى لتأخذ من حصتها الاقتصادية(…)الايرانيون مثلاً حاولوا في شركة الفوسفات ولم يفلحوا رغم توقيع اتفاقية رسمية، لكن الروس وضعوا يدهم على شركة الفوسفات” وهو ما تكرر في موضوع المرافئ.

ووفق كل ذلك، فإن القاضي يعتبر أن الوضع الآن “أمام إعادة تركيب جديدة لمنظومة الفساد، بالطريقة التي تخدم مدير الاقتصاد السوري وهو الجانب الروسي”، مشيراً إلى أن ذلك سيواجه “مشكلة أكبر بعد مخلوف، في استبعاد منظومة ماهر الأسد المعني أيضاً بهذه المسألة”.

إرهاصاتٌ لانهيارٍ أو تغيّير مُحتمل

الحدث يتحمل تحليلات عدة، لكونه استثنائي، كما قال الباحث ساشا العلو، الذي أضاف بأن “الاستثنائية لم تكن فقط بظهور رامي مخلوف”، بل في “عقلية السلطةالتي لم تؤمن يوماً بمحاسبة أحد رموز النظام وتشويه سمعته..على سبيل المثال، رفعت الأسد الذي هدد بانقلاب وحاصر دمشق بالدبابات، ولكنه خرج بتسوية منحته امتيازات عديدة(…) وينطبق كذلك على غازي كنعان، و يبدو أن النظام لم يُحدث أي تعديل على هذه العقلية مع شخصيات أقل وزناً مثل عاطف نجيب”.

فـ”الخصوصية المركبة لرامي مخلوف مقابل الإجراءات التي يتخذها النظام بحقه عبر أجهزة الدولة تشير إلى ملامح تحول”، حسب العلو “لأن النظام لا يمكنه التعاطي مع مخلوف كمجرد ابن خال الرئيس ورجل الاعمال المطبق على الجزء الأكبر من الاقتصاد السوري”.

وتابع أنه ووفقاً “لذلك لا يمكن التعاطي مع رامي مخلوف في الظرف السوري كشخص عادي، وانما هو جزء من مرحلة تحول كامل رافق تولي بشار الأسد للسلطة، وتبنيه سياسيات اقتصادية جديدة(نيوليبرالية)، والتي أدى تطبيقها ضمن منظور النظام، لصعود طبقة رجال أعمال جديدة من المقربين، تغولت في السوق على حساب دور الدولة والقطاع العام”.

إخلال بتوازنات حافظ الأسد

“هذا التغول والتحول الذي مثَله رامي مخلوف أخلَّ بتوازنات حافظ الأسد”، كما يرى ساشا العلو، معتبراً أن ذلك يأتي “على مستوى تجاوز عملية التطييف للجيش والأجهزة الأمنية إلى الاطباق على الاقتصاد وتطييفه. أداة التطييف مثّلها رامي مخلوف ومجموعة من أبناء رموز نظام الأسد الأب(…)هذا أخل بتوازنات(حافظ الأسد) بفتح الفضاء الاقتصادي للنخب التقليدية من السنة والمسيحيين ضمن اطار توافقات اقتضتها ضرورات تثبيت السلطة”.

وذهب الباحث السوري، إلى أنه و”كما كان صعود رامي مخلوف جزء من مرحلة كاملة، فبالضرورة أفوله اليوم ومحاولات تحجيمه وازاحته من الساحة الاقتصادية، هي أيضاً تحول يحاول النظام إحداثه..هذا التحول يحمل سمة القسرية لأنه يأتي ضمن دوافع وسياقات معقّدة في الملف السورية؛ داخلية تتجلى بأزمات اقتصادية حادة تضرب الداخل السوري، وخارجية تتجلى بضغط الحلفاء(المتنافسين على الاقتصاد السوري)، وازدياد وتيرة العقوبات ضد النظام واقتراب تطبيق قانون قيصر”.
محاولات تكيّف لاحتواء ضغوطات

ضمن هذه الظروف الداخلية والخارجية، يأتي هذا التحول، حسب العلو، مع صعود طبقة من رجال أعمال جدد “هم وكلاء محليين لحلفاء النظام، مع تراجع دور الدولة التي تحولت لشريك أمني ميليشيوي وليس شريك ضابط للسوق(…)وبالتالي النظام يحاول التكيّف مع كل هذه المتغيرات، وكما يحاول الاستفادة من هامش المنافسة بين حلفائه، فإنه أيضاً يحاول التكيف مع ضغوطاتهم عبر مقاربة مصالحه مع مصالحهم”.

وختم الباحث العلو حديثه بالقول، إن “تحركات النظام بغطاء قد ينكشف ويتراجع  للضغط عليه، تُعطي بشكل أو بآخر إشارات لسقف وشكل التغيير في بنية النظام العائلية والطائفية. أثناء التحولات، النظام يعطي مؤشرات لنظرته للتغيير وتخيله أنه يمكن أن يعود لشكل توازنات حافظ الأسد، وفتح الفضاء الاقتصادي للسنة من الموالين، واستبعاد أي  دور للمعارضة، ولكن دون التنازل في الجيش والأجهزة الأمنية”.

التصدع والتوازنات وانفراط التحالف

ما نشهده من خلاف، يعود لتغيرات وتحولات كانت تختمر في الظل خلال الفترة الماضية، كما يقول الباحث أيمن الدسوقي، و”تأتي في سياق مساعي الأسد لإعادة مَركَزَةِ القوى في القصر الجمهوري، والتخلص من منافسين مُحتملين خاصة على مستوى الطائفة”، فضلاً عن رغبته “الحصول على ريع سريع لدفع متطلبات حلفائه، ومواجهة تبعات قانون قيصر”.

وسَرًد الدسوقي، جملة معطياتٍ اعتبرها مهدت للمشهد الحاصل اليوم، من خلال حديثه عن “تحالف غير معلن لرامي مخلوف مع بداية الاحتجاجات(سنة2011)
رامي مخلوف مع بداية الاحتجاجات(في 2011) مع الفرقة الرابعة والمخابرات الجوية، وهدف التحالف حماية النظام والطائفة الحاكمة، ولكل طرف في التحالف دور.. مخلوف يدفع الرواتب للميليشيات، المخابرات تُدرب وتُذخر، والفرقة الرابعة تُشرف على العمل العسكري والعملياتي”.

وذهب الباحث إلى أن تلك الفترة شهدت ولادة “مجموعات ميليشيوية لجمعية البستان التي لعبت دوراً متطوراً في الدفاع عن النظام، من خلال توسيع شبكاتها المحلية(…)كذلك انخرط مخلوف في اقتصاد الحرب، عن طريق تأسيس شركات للالتفاف على العقوبات، وتجارة القمح والنفط (..) وتنامت ثورته من خلال استنفاعهِ من اقتصاد الحرب”.

لكن هذا كله، بدأ يصاب بالتصدع بعد التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية، نهاية سبتمبر/أيلول 2015، وما أحدثه من ديناميات “بمعنى أن تحالف مخلوف والفرقة الرابعة والمخابرات الجوية، أصابه التصدع بعد استثمار الروس في قوات النمر وهذا أدى لتسرب عناصر من مجموعات البستان لمجموعات النمر، كما أن الفرقة الرابعة لم تعد تحمل مسؤوليةو العبئ العسكري الميداني، وبالتالي انخرطت اكثر في اقتصاد الحرب وباتت تتنافس مع البستان في الترفيق والترسيم”.

تزامن ذلك تقريباً، مع “تحول في القصر، بعد وفاة أنيسة والدة بشار، وقبل ذلك مقتل اصف شوكت. هذا أدى لخسارة آل مخلوف ثقل أنيسة، إضافة لمرض محمد مخلوف، وهذا أدى لتراجع نفوذ آل مخلوف في القصر(..) مع تشكيل أسماء الأسد مكاتب مرتبطة بها وتدخلت بتشكيل السياسة”.

تسوية أم تصعيد؟

يضيف الباحث الدسوقي، أن هناك عوامل أخرى، أدت لوصول المشهد إلى ما هو عليه الآن، فـ”ما حدث على الصعيد الاقتصادي: تدني الإيرادات العامة(…)وانهيار سعر صرف الليرة وارتفاع المعيشة، وانخفاض الإنفاق العام وتراجع الدعم الاجتماعي الحكومي، وبالتالي في ظل هذه المعطيات، أصبح النظام بحاجة لإيرادات مالية، وأسهل طريقة هي الاستحواذ على أموال رجال اعمال”.

واعتبر المتحدث، أن “مخلوف أحدث انقساماً على مستوى الطائفة(…) ترافق ذلك مع حملة روسية والكلام عن إمكانية استبدال الأسد”، متوقفاً عند  “الأوراق التي يمتلكها مخلوف”، في هذا الصراع، ومنها “أن لديه شبكات الدعم التي كان أسسها، وهو خازن الأسرار المالية للعائلة الحاكمة، وله نفوذ بمؤسسات الدولة والاجهزة الأمنية بالإضافة لشبكة ارتباطات تدعم موقفه”.

وذهب الدسوقي، إلى أن الخلاف متجه نحو كسر العظم..إن لم يصل الخلاف لتسوية، قد يذهب النظام لاغتيال مخلوف، وهو ما أشار إليه الأخير ضمناً بالفيديوهات التي ظهر بها.
ويمكنكم متابعة التسجيل الكامل للندوة عبر صفحة “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية” في “فيسبوك”.

ندوة بحثية بعنوان: "خلافات الأسد ومخلوف وتداعياتها المحتملة على الملف السوري"

البث المباشر ندوة بحثية بعنوان: "#خلافات_الأسد_ومخلوف وتداعياتها المحتملة على #الملف_السوري"المشاركون؛- الأستاذ معن طلاع، باحث في مركز عمران (مدير الجلسة).د. أسامة القاضي، باحث ومستشار اقتصادي.- الأستاذ ساشا العلو، باحث في مركز عمران.- الأستاذ أيمن الدسوقي باحث في مركز عمران.رابط المشاركة عبر منصة الزووم: https://us02web.zoom.us/j/82525799612

Posted by ‎عمران للدراسات الاستراتيجية Omran For Strategic Studies‎ on Thursday, 21 May 2020

المصدر السورية.نت
قد يعجبك أيضا