خلط أوراق على الحدود التركية العراقية السورية

ملف “حزب العمال الكردستاني” في العلاقات التركية العراقية معقّد وشائك ويتضمن أكثر من شق: شكل التنسيق العسكري المحتمل بين أنقرة وبغداد، وجود عناصر حزب العمال في سوريا والعراق وتحرك مجموعات قسد عبر المناطق الحدودية السورية العراقية، هذا إلى جانب البعد الإقليمي خصوصا الإيراني والأميركي في التعامل مع هذه المسائل.

لا يكفي القول إن حسم موضوع مجموعات حزب العمال في شمالي سوريا والعراق هو بيد أنقرة وبغداد ودمشق وحدهم، بل يحتاج إلى توافق ودعم وضوء أخضر لأكثر من لاعب محلي وإقليمي مؤثر في الملف مثل طهران وواشنطن وموسكو، إلى جانب الإصغاء لما تقوله قيادات أربيل في إقليم كردستان، ودون إغفال حصة السليمانية في العامين الأخيرين.

زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العراق بعد 13 عاما، لكنه قبل الزيارة كان هناك 13 لقاء متعدد الجوانب والأطراف بين القيادات في البلدين استعدادا للمرحلة الجديدة، التي وصفها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بأنها ستكون مختلفة ومغايرة عن السابق.

الشق الأمني في الزيارة كان له الأولوية خصوصاً بعد لقاءات تحضيرية مكثفة على خط أنقرة-بغداد، آخرها هو زيارة وفد تركي رفيع ضم هاكان فيدان ويشار غولر وإبراهيم كالن إلى العاصمة العراقية في آذار المنصرم.

ما الذي تبحث عنه تركيا في شمالي العراق: القضاء على عناصر حزب العمال التي تتخذ من تلك المنطقة ساحة تهديد لأمنها؟ أم إنشاء منطقة آمنة/ عازلة بعمق عشرات الكيلومترات على غرار ما تريده في الشمال السوري؟

وهل الهدف هو تفكيك بنية هذه المجموعات الإرهابية من خلال عملية عسكرية تلوح أنقرة بها منذ أشهر؟ أم إبعادها عن الحدود بعد تعهد عراقي بنزع سلاحها كما حدث مع الجانب الإيراني وانطلاقا مما قيل حول اقتراب موعد استكمال الدائرة وتأمين نهائي للحدود في الصيف المقبل؟

يحمل ملف وجود مجموعات حزب العمال الكردستاني في شمالي العراق والاستجابة لمطلب تركيا بإنهاء وجود هذا الخطر الذي يهدد أمن واستقرار البلدين، ومتطلبات المسار الجديد في العلاقات بين أنقرة وبغداد أكثر من مادة نقاش ببعد محلي وإقليمي تنتظر إجابات عليها:

– شكل الخطط العسكرية والأمنية الجديدة المشتركة لمواجهة عناصر حزب العمال وتوغلها في شمالي العراق.
– موقف القوى والأحزاب الكردية العراقية على خط أربيل- السليمانية حيال ما يجري.
– بدائل واشنطن وطريقة تعاملها مع ما تريده تركيا من إغلاق سريع لمناطق الحدود العراقية السورية في وجه تحركات قسد بين جانبي الحدود بدون مراقبة أو مساءلة، وهل هناك فعلا نوايا أميركية لسحب قواتها من العراق وسوريا ولمن ستوكل عملية ملء الفراغ؟
– دور ميليشيات “الحشد الشعبي” التي تنسق مع إيران في خطط التفاهمات التركية العراقية الجديدة وكيف ستتصرف طهران نفسها التي تنافس واشنطن على ورقة الإمساك بالسليمانية؟
– كيف سترد تركيا على تصريحات صدرت مؤخراً عن سياسيين وإعلاميين عراقيين في بغداد وأربيل تقول أن أساس المشكلة هو في الداخل التركي، وأنه على أنقرة أن تطرح بدائل سياسية جديدة في التعامل مع الملف؟
– قرار إعادة التموضع التركي العراقي في رسم معالم العلاقات الجديدة بين البلدين، هو تحت تأثير أكثر من عامل سياسي وأمني واقتصادي داخلي وخارجي.

رياح التغيير تعصف في بغداد وأنقرة، لكن أصوات الاعتراض والتحفظ قد تأتي من طهران وواشنطن عندما تتعارض مصالحهما وحساباتهما في هذه الملفات وتلتقي وتتوحد في مواجهة الرغبة التركية العراقية.

لم تعد المسألة بالنسبة لأنقرة وهي تتحدث عن أمن حدودها مع العراق مجرد حماية هذه البقعة الجغرافية بين البلدين، بل ضرورة حسم الوضع الأمني القائم على الحدود العراقية السورية وتحركات مجموعات “قوات سوريا الديمقراطية-قسد” وعناصر حزب العمال الكردستاني على خط القامشلي-السليمانية على مرأى ومسمع الجميع.

وهذا ما ناقشه رئيس الوزراء العراقي في واشنطن مع المسؤولين الأميركيين قبل قدوم الرئيس التركي إلى بغداد لبحث تفاصيل خارطة الطريق الجديدة المنتظر اعتمادها.

مهم حتما معرفة شكل الضمانات الأمنية والسياسية التي ستقدمها بغداد لأنقرة لاقناعها بالتخلي عن “الصيف الساخن” الذي يدور الحديث عنه وبسحب قواتها من شمالي العراق، لكن المهم كذلك هو معرفة إذا ما كانت واشنطن وطهران وبالتالي أربيل والسليمانية سيلتزمون بهذه الضمانات أم لا؟

يريد البعض في بغداد تكرار سيناريو التفاهمات الحدودية العراقية الإيرانية مع الجانب التركي هذه المرة، أنقرة تريد أكثر من ذلك، لن يكفيها الإعلان عن سحب مجموعات حزب العمال الكردستاني بعيداً عن حدودها الى الداخل العراقي لتبقى هناك “بحصة” منسية تستخدم عند اللزوم.

بقدر ما تقلق خطط التقارب والانفتاح التركي العراقي قيادات السليمانية، فهي تقلق أربيل أيضاً من احتمال حدوث تفاهمات ثنائية على حسابها حتى ولو قصدها أردوغان للطمأنة، الاستقواء بواشنطن مهم للطرفين الكرديين، لكن زيارة السوداني الأخيرة إلى أميركا تشير إلى احتمال اقتناعها مثل أنقرة تماما بأهمية الإصغاء أولا لما تقوله وتريده السلطة المركزية في العراق.

بين أهداف واشنطن على ضوء التقارب التركي العراقي الأخير، المحافظة على الهدوء الإقليمي في التعامل مع الملف الكردي، حتى ولو تمسكت أنقرة بعمليتها العسكرية في شمالي العراق وسوريا.

لا تبحث أنقرة عن إنشاء منطقة آمنة أو عازلة في شمالي العراق لحماية حدودها، بقدر ما تبحث عن حسم موضوع وجود عناصر حزب العمال الكردستاني والحؤول دون انتقالهم إلى مناطق جديدة في العمق العراقي بغطاء سياسي هذه المرة.

تحتاج بغداد في المقابل وبحسب الدستور العراقي إلى تفاهمات واضحة مع أربيل عند حسم موضوع التنسيق العسكري مع أنقرة وقرار المشاركة في العمليات العسكرية ضد عناصر حزب العمال.. كيف ستتصرف أربيل هنا أمام سيناريو الصيف الساخن في شمالي العراق؟

هدف أنقرة الآخر هو إنهاء خط التواصل الجغرافي الذي تتجاهله بغداد وطهران بين شرق سوريا وشمالي العراق لتسهيل تحرك مجموعات “قسد” بإشراف السليمانية وبمعرفة أميركا، أربيل قد تكون الداعم للطرح والتصور التركي هنا لأكثر من سبب سياسي وأمني.

بقدر ما يدور الحديث عن عملية إعادة تموضع تركي في التعامل مع الكثير من الملفات الخارجية بقدر ما ينطبق الأمر على سياسة حكومة السوداني في العراق التي تقرأ مسارات التحول والتغيير في الإقليم بالمزيد من الواقعية والبراغماتية التي تتطلب المناورات والمقايضات الدائمة على طريق الوصول إلى الهدف، حزب العمال مجموعات محظورة خارجة عن القانون في العراق، لا يقل قيمة عن توصيفها بالإرهابية بالنسبة لأنقرة.

تريد أنقرة من بغداد أن تحسم موقفها وما الذي ستقوله حيال المطالب التركية، لكن المحير هو أنه:

– إذا كانت التفاهمات تسير بالإتجاه المطلوب.
– وإذا ما كان أحد المسؤولين في وزارة الدفاع التركية يعلن أن أنقرة تجري مباحثات مع العراق بخصوص توفير مساعدة تقنية لتعزيز أمن الحدود العراقية بهدف منع تحركات عناصر حزب العمال.
– وإذا ما كان المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي يكشف النقاب أمام الشاشات العراقية الرسمية عن الاقتراب من “الوصول إلى حافة التفاهم النهائي” بين العراق وتركيا بقوله إن “مجلس الأمن العراقي وصف حزب العمال بأنه حزب محظور داخل العراق، وهذا يترتب عليه شيء، أن الموجدين داخل العراق لا يحق لهم رفع السلاح وممارسة العمل السياسي.
– نفس الخطط التي تم التفاهم عليها مع إيران هي التي ستطبق.
فلماذا يرى البعض في الداخل التركي أنّ أردوغان عاد إلى بلاده محمّلاً بانتصار كبير وهو تفويض عراقي لشنّ عملية عسكرية ضد عناصر حزب العمال الكردستاني، وضمن عمق يصل إلى 40 كيلومتراً في شمالي العراق؟

المصدر تلفزيون.سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا