“دعاية وتسويق سياسي”..هل يتحايل النظام على الأردن بضبطه للمخدرات؟

مراد عبد الجليل – السورية.نت 

في سيناريو متكرر، يحاول نظام الأسد بعد كل اجتماع أمني مع الأردن، أن يبذل جهوداً لمكافحة تهريب المخدرات عبر إعلان ضبط شحنات متجه إلى الحدود، لكن هذا  يقتصر على إظهار كميات “متواضعة”، لا تعكس الحجم الحقيقي لهذه التجارة، وفق خبراء.

وعقب الاجتماع الرباعي الذي عقد في العاصمة الأردنية، في 17 من الشهر الجاري، بحضور وزراء داخلية نظام الأسد، والعراق ولبنان والأردن، أعلن النظام عن 4 ضبوطات في عدة محافظات.

أحد المضبوطات كان على الحدود الأردنية بعد يوم واحد فقط من الاجتماع، حيث أفادت وكالة أنباء النظام السوري “سانا” أن “الجهات المختصة ألقت القبض على ثلاثة مهربين، وضبطت 200 ألف حبة كبتاغون و210 كف حشيش، في أثناء محاولة تهريبها عبر الحدود السورية الأردنية”.

وأعقبها بأيام ضبط شحنات مخدرة في حلب واللاذقية، إضافة إلى شحنة قادمة من إحدى الدول المجاورة متجهة إلى العراق.

ورغم جهود النظام، التي يصفها محللون أردنيون بأنها “للدعاية الإعلامية”، تظل التساؤلات تُطرح حول مصداقية تحركات النظام، خاصة عندما يتبين أن شحنات التهريب نحو الأردن تعود إلى نشاطها المعتاد بعد فترة قصيرة من كل اجتماع.

“دمشق.. عندما تتذاكى على الأردن”

في 22 أغسطس/ آب العام الماضي، نشرت صحيفة “الغد” الأردنية مقالاً للكاتب مكرم أحمد الطراونة، تحت عنوان “دمشق.. عندما تتذاكى على الأردن” هاجم فيه النظام السوري ووصفه أنه “يتظاهر بالتعاون” بخصوص مكافحة التهريب عبر الحدود، إلى جانب “التحايل” في محاربة أوكار المخدرات وتجّارها.

وجاءت المقالة بعد شهر من أول اجتماع أمني بين نظام الأسد والأردن، حضره وزير الدفاع علي محمود عباس ومدير المخابرات العامة اللواء حسام لوقا، مع نظرائهم من الجانب الأردني.

وبحث الاجتماع حينها “التعاون في مواجهة خطر المخدرات ومصادرة إنتاجه وتهريبه والجهات التي تنظم وتدير وتنفذ عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود إلى الأردن”.

وعقب أيام من الاجتماع، أعلن نظام الأسد تنفيذ “عمليات تمشيط” على الحدود الأردنية من الجهة الجنوبية في درعا باعتبارها خط تحرك أساسي لتجار المخدرات.

وحسب صحيفة “الوطن” شبه الموالية فإن العملية أسفرت عن توقيف العديد من المشتبه بهم بتجارة وتعاطي المخدرات، وضبط أسلحة ومواد مخدرة، مؤكدة استمرار ملاحقة تجار المخدرات بكل المنطقة حتى القضاء عليهم.

لكن شحنات المخدرات استمرت بالوصول إلى الأردن، خلال الأشهر الماضية، مع تصاعد في عمليات التهريب براً وجواً عبر طائرات مسيرة، تطورت لاحقاً إلى حد إدخال أسلحة وذخائر، أعقبها شن الأردن غارات جوية في ريف السويداء ودرعا بالجنوب السوري.

ومع تصاعد نبرة الاستياء من قبل مسؤولين أردنيين وتصريحهم بوقوف “مجموعات مرتبطة بجهات إقليمية وجهات أخرى مسؤولة عن تهريب المخدرات عبر الحدود”، وصل العلاقات بين البلدين إلى حد السجال بين نظام الأسد والأردن عكستها بيانات وزارة الخارجية لكلا البلدين حول تبادل الاتهامات بتحمل المسؤولية.

وفي ظل هذا السجال والتوتر، جاء الاجتماع الأمني الأخير في 17 من الشهر الحالي، حضره وزير الداخلية في حكومة الأسد، محمد الرحمون، وأسفر عن اتفاق المجتمعون على “تأسيس خلية اتصال مشتركة مع العراق وسورية”، من أجل تتبع شحنات المخدرات حتى وجهتها النهائية.

وفي سيناريو متكرر للاجتماع السابق، أعلن نظام الأسد بعد يوم من الاجتماع عن ضبط كمية من مادة الحشيش المخدر والحبوب المخدرة على الحدود السورية – الأردنية، كانت معدة للتهريب عبر الحدود”.

كما أعلن عن مصادرة وحدات من قوات حرس الحدود 445 كفاً من مادة الحشيش المخدر، و120 ألف حبة “كبتاغون” في البادية السورية بالقرب من الحدود الأردنية.

وفي المقابل، أعلن الأردن بعد يوم من الاجتماع عن مقتل خمسة مهربين وإصابة 4 آخرين وضبط كميات كبيرة من المخدرات في ضبط محاولة تسلل لمهربين قادمين من الأراضي السورية.

تشكيك في نوايا النظام

ورغم تحركات النظام والهدوء القائم على الحدود الأردنية، إلا أن محللين أردنيين شككوا في نواياه واعتبروا أن هدفها “الدعاية الإعلامية والتسويق السياسي”.

ومع أهمية مبادرة النظام لضبط شحنات المخدرات المتجهة للأردن، حسب الخبير الأمني والاستراتيجي الأردني، عمر الرداد، فإن “هذه العمليات تبقى محط شكوك عميقة، إذ لا يمكن التحقق من صحتها”.

واعتبر الرداد في حديث لـ”السورية.نت” أن هذه العمليات “ربما لا تعدو أن تكون محاولة مكشوفة من النظام لتسويق نفسه، بعد اجتماع وزراء الداخلية في الأردن، بأنه يبذل جهوداً في مكافحة المخدرات”.

وأشار إلى أن النظام لو كان لديه جدية في مكافحة الظاهرة لـ”كانت ظهرت مثل هذه الإجراءات قبل الاجتماع”.

وسيبقى معيار مكافحة المخدرات من قبل نظام الأسد “مرهونة بثنائية الرغبة والقدرة، حسب الرداد، الذي أكد أن النظام “لا رغبة ولا قدرة لديه على مكافحة المخدرات، لأن قرارات المكافحة يحددها الطرف الايراني، ولا رغبة لأنها مصدر دخل في ظل انهيارات الاقتصاد السوري”.

من جانبه يرى الباحث الأردني المختص بالشأن السوري، صالح ملكاوي، أن إعلان النظام “هي نوع من الشو الإعلامي الذي يستخدمه النظام بعد كل اجتماع” أمني مع الأردن.

وقال ملكاوي لـ”السورية. نت” إن النظام يحاول أن يعلن أنه يقوم بواجبه تجاه حماية الحدود، لكن بنفس الوقت يغطي على الحجم الحقيقي لهذه التجارة”، واصفاً الكميات التي يعلن النظام ضبطها والتي لا تتجاوز 200 ألف حبة بأنه “كميات متواضعة”.

بدوره قال الوزير الأردني السابق، سميح معايطة، إن “الأردن يفضل أن يكون حل مشكلات المخدرات، من خلال التعاون مع الدولة السورية، وأن تقوم بواجبها في ضبط حدودها والسيطرة عليها، وألا تكون السيطرة لعصابات أو ميليشيات أو متعاونين معهما”.

واعتبر معايطة لـ”السورية.نت” أن تحركات النظام يأخذها الأردن “على قاعدة حسن النوايا لكن ترجمته على الأرض يجب أن يكون بتوقف محاولات التهريب للمخدرات وغيرها من سورية”.

هل يمتلك النظام القرار؟

في مقابلة مع قناة “سكاي نيوز” العربية، في 9 أغسطس/ آب العام الماضي، حمل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الدول التي دعمت “الإرهاب”، حسب وصفه، تحمل مسؤولية تهريب المخدرات.

وقال الأسد إن “تجارة المخدرات كعبور وكاستيطان هي موجودة لم تتوقف، لكن عندما تكون هناك حرب وضعف للدولة، فلا بد أن تزدهر هذه التجارة، ومن يتحمل المسؤولية في هذه الحالة هي الدول التي ساهمت في خلق الفوضى في سورية وليست الدولة السورية”.

وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، أعرب الملك الأردني، عبد الله الثاني، عن شكّه في سيطرة بشار الأسد، على بلاده، ومسؤوليته عن تهريب المخدرات إلى الأردن.

وقال، خلال قمة الشرق الأوسط العالمية في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية، إن “الرئيس بشار الأسد لا يتمتع بالسيطرة الكاملة على بلاده، في ضوء المشكلة الكبرى المتمثلة في تهريب المخدرات والأسلحة إلى الأردن”.

وطرحت تصريحات الملك الأردني تساؤلات حول إمكانية نظام الأسد وقدرته على ضبط الحدود وإيقاف تهريب المخدرات.

الوزير سميح معايطة أكد أن هناك “نفوذ للميليشيات الإيرانية والعصابات”، مشيراً إلى أن “الأمر ليس سهلاً على الحكومة السورية، لكن عليها أن تفعل مايجب لأنها تحمي شعبها وحدودها وأرضها ولا تحمي دولة أخرى”.

أما الباحث صلاح ملكاوي أكد أن مسؤولي النظام يصرحون بأنهم لا يمتلكون القدرة بالسيطرة على الجنوب، وسط عدة ادعاءات منها قاعدة التنف الأمريكية، إضافة إلى وجود فصائل محلية سابقة.

وأكد ملكاوي أن “النظام لا يمتلك القرار، ولا يريد أن يمتلك القرار، وهو قادر إن أراد، لكن هذه التجارة تدر عليه مئات الملايين، لذلك من الصعب أن يتخذ فيها قرار”.

إضافة إلى أنه “يعتبرها ورقة ضغط سياسي على الأردن ودول الخليج، ويمكن مقايضة هذه الورقة بكتل مالية ضخمة تعوض هذه التجارة”.

كما أكد أن “هناك تعاون ممنهج بين المهربين وبين المخافر الحدودية الضالعة بكل عمليات التهريب وحماية جماعة المهربين واختيار الوقت المناسب لإدخالهم”.

من جانبه يرى الخبير عمر الرداد أن هناك قناعات مستندة لمعلومات سرية، يتم تداولها في أوساط المتابعين، أن “هذا الملف برمته تتم إدارته وتوجيهه ودعمه من قبل أوساط مدنية وعسكرية في القيادة السورية بالتعاون مع أدوات الحليف الإيراني”.

وتقع الرداد مواصلة التهريب عبر الحدود، معتبراً أن “الهدوء القائم حالياً يعطي دلالة على سيطرة أوساط في السلطات السورية على ميليشيات التهريب المختلطة بين عناصر ورموز سورية وإيرانية ولبنانية تابعة لحزب الله،  وهو هدوء لا يعدو أن يكون انحناءة أمام العاصفة”.

وجاء هذا الهدوء في سياقات أكبر تمثلها توجيهات إيرانية لوكلائها بوقف الاشتباك حتى مع القواعد العسكرية الأمريكية، ولأسباب مرتبطة بمواجهة ما يتعرض له النظام السوري من ضغوطات لمسؤوليته عن عمليات التهريب، حسب قوله.

المصدر السورية. نت
قد يعجبك أيضا