رئيسي في دمشق.. إيران لا تخشى على نفوذها

في حين يتم كتابة هذه السطور، تجري التحضيرات على قدمٍ وساق، لاستقبال الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في أول زيارة رسمية لرئيس دولة إلى العاصمة السورية دمشق، منذ اندلاع الثورة عام 2011. وباستثناء زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى دمشق، في منتصف العام 2020، لم يسبق أن زار رئيس دولة، العاصمة السورية على مدار الـ 12 عاماً الفائتة. ولم تحظَ زيارة بوتين المشار إليها بالبروتوكولات المعتادة لزيارة رئيس دولة، إذ التقى بوتين رأس النظام السوري، بشار الأسد، في منشأة عسكرية، ولم يزره داخل “قصر الشعب”. ومن المرتقب أن يختلف المشهد في زيارة رئيسي، وأن تحظى هذه الزيارة ببروتوكولات الزيارات الرسمية لرؤوساء الدول، بطريقة ستعزّز من صورة رأس النظام، بدمشق، وتكون مثقلة بالرسائل السياسية لباقي اللاعبين الإقليميين والدوليين في الشأن السوري. وبالتزامن معها، سيزور رئيسي، العاصمة التركية أنقرة. وهناك سيطول النقاش، دون شك، ذاك المقعد الإيراني المُنتظر على طاولة “التقارب” التركي مع الأسد، برعاية روسية، وشراكةٍ إماراتية.

زيارة رئيسي المرتقبة إلى دمشق، تأتي فيما تواجه إيران جملة تحديات إقليمية. إذ يؤجج الدخول الإماراتي على خط “التطبيع” التركي مع الأسد، من المخاوف داخل النخبة الإيرانية، من أن تكون طهران في طريقها لخسارة “استثماراتها” القتالية لنحو عقدٍ من الزمن، في سوريا. يأتي ذلك، في حين تثقل الاحتجاجات الداخلية كاهل الإدارة الإيرانية، التي بدت عاجزة عن انتشال حليفها، الأسد، من أسوأ أزمة محروقات شهدتها البلاد، قبل أسابيع. ورغم استمرار التوريدات النفطية الإيرانية، إلا أنها أشبه بإسعافات أولية للاقتصاد السوري المنهار، وهو ما دفع محللين غربيين في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى للدعوة في تقريرٍ نُشر في 22 من كانون الأول/ديسمبر الفائت، إلى استغلال المشهد، والدخول على خط التعثر الاقتصادي الكبير للنظام السوري، بغية تحصيل تنازلات من الأسد، لقاء تخفيف أزمة المحروقات.

وينسجم المقترح المشار إليه مع جانبٍ من استراتيجية الإمارات حيال سوريا، والتي كانت بدورها، منسجمة مع خطة سابقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، سبق أن طرحها وعمل على تجنيد موافقة مبدئية روسية – أميركية حيالها، منذ ثلاث سنوات. تقوم تلك الخطة على إعادة تأهيل النظام السوري، عبر مراحل. تبدأ بإصدار الأسد دعوةً لانسحاب كلّ القوات الأجنبية من سوريا. مقابل ذلك، سيستعيد الأسد مقعد سوريا في الجامعة العربية، وستفعّل دول خليجية، في مقدمتها الإمارات، استثماراتها في الاقتصاد السوري، بغية تخفيف النفوذ الإيراني في هذا المجال. وكان المسؤولون الإسرائيليون يدركون أن الأسد لن يستطيع إخراج إيران من سوريا، بقدراته الذاتية، لكنهم كانوا يراهنون على خليطٍ من التحرك السياسي، والضربات العسكرية، لدفع طهران إلى التراجع، خاصة إن نُزعت “الشرعية” عن الوجود الإيراني في سوريا. وقد حظيت خطة نتنياهو حينها، بدعم دول عربية لها علاقات مع إسرائيل، أبرزها، الإمارات.

لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي اللاحق، نفتالي بينيت، قرر تجميد العمل على تنفيذ الخطة، معتبراً إياها غير قابلة للتحقيق، لقناعته بأن الأسد ليس قادراً على طرد الإيرانيين من سوريا. وقد حاول الرئيس الإماراتي –ولي العهد في حينها- محمد بن زايد، إقناع بينيت في لقاء بشرم الشيخ، في ربيع العام الفائت، بإعادة إحياء الخطة ذاتها، بعيد استقبال الأسد في أبو ظبي. لكن بينيت بقي حيادياً حيال خطة إعادة تأهيل النظام السوري.

ومع عودة نتنياهو إلى سدة الحكم مجدداً، كان لافتاً زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق، بصورة مفاجئة، سبقها اتصالٌ عقده مع نظيره التركي، بعيد لقاء موسكو الذي جمع مسؤولي الدفاع والاستخبارات في نظام الأسد وتركيا، برعاية روسية. وبالإشارة إلى الرعاية الروسية، كان لافتاً أيضاً، أن وزير الخارجية في حكومة نتنياهو الجديدة، أطلق تصريحاً مفاده أن “إسرائيل ستكون أقل علنيّةً في الحديث بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا”.

وهكذا يتم إحياء المسارات السابقة ذاتها، فـ نتنياهو سيراهن على علاقته الشخصية المميزة مع بوتين، مجدداً، لترميم الفتور الذي اعترى علاقات بلاده بموسكو، خلال فترة غيابه القصيرة عن السلطة، في الوقت ذاته، الذي تقوم فيه الإمارات بتحركٍ نحو نظام الأسد، يراهن على انهياره الاقتصادي كرافعة لتقديمه تنازلات تتيح العمل على تنفيذ خطة إعادة تأهيله إقليمياً. ولا بد أن أبوظبي تراهن على الدور الإسرائيلي في تليين المعارضة الأميركية على هذا الصعيد.

لكن هل تملك حكومة رئيسي في طهران خطة سياسية لمواجهة هذا التحدّي الإقليمي الذي يشكل خطراً على مصالحها في سوريا؟ بخلاف المتوقع، ومن خلال الخطاب السياسي للرئيس رئيسي منذ وصوله إلى السلطة، والقائم على “ضرورة الارتباط والتنسيق مع دول الجوار ورفع التبادلات التجارية”، تراهن حكومة طهران، المدعومة من الحرس الثوري، على نهجٍ مخالف لحكومة حسن روحاني، السابقة. فالأخيرة كانت تراهن على اتفاق نووي مع الولايات المتحدة، وعلاقات مميزة مع الغرب، تتيح لإيران أن تتحول إلى قوة إقليمية تحظى بقبولٍ دولي. فيما يراهن رئيسي ورفاقه على التموضع إلى جانب كل طرف يناهض الغرب، وتحديداً، الولايات المتحدة الأميركية. لذلك يذهب الرئيس الإيراني نحو تمتين العلاقة مع روسيا. وكذلك مع الدول التي تبدي استقلالية وتريد العمل بهامش حركة أكبر، بعيداً عن “الهيمنة الأميركية”، وفي مقدمتها، تركيا، وكذلك الإمارات. الأخيرة تحديداً، تراهن على وضع قدمٍ مع “الشرق”، وآخر، مع “الغرب”.

وبناء على ما سبق، من المتوقع أن يسعى رئيسي في زيارته إلى أنقرة، للانسجام مع “التطبيع” التركي مع الأسد، بل ودعمه. وخلافاً لمن يعتقد أن ذاك “التطبيع” قد يأتي على حساب المصالح الإيرانية في سوريا، من المرجح أن تعمل طهران على استثماره بالاتجاه المعاكس. بل والانفتاح على الدخول الإماراتي على خط “التطبيع” مع الأسد، وانتشاله اقتصادياً. فالرئيس الإيراني يراهن على النفوذ الذي تملكه بلاده داخل “التركيبة” الحاكمة في دمشق. وهو نفوذ تجاوز خط العودة، ولا يملك بشار الأسد القدرة على عكسه، حتى لو أراد. وفي مواجهة التماشي الإيراني المرتقب مع مسار “التطبيع” والعمل على “إعادة تأهيل الأسد”، تبقى الممانعة الأميركية والأوروبية، وعدم الترحيب القطري – السعودي، عاملاً يطرح تساؤلات حول الأفق الذي قد يصل إليه، ذاك المسار. فهذه الأطراف لا تبدو مقتنعة مطلقاً، بأن إيران، قابلة للنزع من سوريا، في ظل نظام الأسد.

المصدر تلفزيون.سوريا


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا