روسيا تنبش قبور السوريين

في الأسبوع الأول من الشهر الجاري ، تناقلت المواقع الإعلامية الروسية ، وكذلك الإسرائيلية الناطقة بالروسية ، نبأ مباشرة العسكريين الروس في سوريا عملية البحث عن رفات الجنديين الإسرائيليين تسفي فيلدمان ويهودا كاتس ، اللذين اعتُبرا مفقودين في معركة السلطان يعقوب العام 1982 . ويقوم العسكريون الروس بعملية البحث الحالية ، كما في السابق ، في منطقة مقبرة مخيم اليرموك ، التي أعلنوها منطقة عسكرية مقفلة ، لا يستطيع السوريون دخولها لزيارة أمواتهم ، طالما تجري عملية بحث عن رفات إسرائيلي .  وتأتي عملية البحث الحالية ، إستكمالاً لعمليات البحث الروسية السابقة ، التي أسفرت العام 2019 عن العثور على رفات العسكري الإسرائيلي الثالث زاخاريا بومل ، الذي أعتبر مفقوداً مع زميليه المذكورين ، اللذين كانا يشكلان طاقم دبابة إسرائيلية دُمّرت في تلك المعركة . وقالت صحيفة الكرملين “vz” حينها ، أن الإتصالات بين روسيا وإسرائيل حول تقديم العون في البحث عن رفات الجنود الإسرائيليين في سوريا بدأت في العام  2016 ، ووصفت قبول موسكو القيام بمثل هذه العمليات ، بأنها “تتناسب كثيراً مع سياق العلاقات الروسية الإسرائيلية” .

وذهبت صحيفة الكرملين حينها ، إلى حد تسمية شهر أيار/مايو من ذلك العام موعداً لتسليم إسرائيل جثة الجاسوس إيلي كوهين ، الذي أعدم في دمشق العام 1965 . وكانت قد جرت يومها موجة شائعات واسعة تناولت إعادة رفات كوهين إلى إسرائيل ، ذكرت في سياقها الصحيفة الروسية “”news.ru  في طبعتها الإسرائيلية ، أن أرملة الجاسوس ناديا كوهين كانت قد توجهت خريف العام 2018 برسالة إلى الرئيس السوري بشار الأسد قالت فيها ، بأن والدة كوهين توفيت من دون أن ترى ضريح إبنها ، وطلبت منه “أن يدعه يستريح في تراب وطنه” .  ونُقل عن الأرملة يومها تعليقها على إستعادة رفات زاخاريا بومل ، بأنها شعرت “بإهانة لا توصف” حين سمعت النبأ ، وبأن “موقف الدولة من أسر المفقودين ، موقف معيب”.

الحكومة السورية نفت حينها أي علم لها بعملية تسليم رفات زاخاريا بومل إلى  إسرائيل ، وقال وزير الإعلام السوري آنذاك عماد سارة:  “على الجميع ، أن يعلموا ، بأن “ليس لدى سوريا أية فكرة لا عن قصة رفات الجندي الإسرائيلي ، ولا عـــــــــن تفاصيـــــــــل العثور عليهـــــــــــا ، ولا حتــــــى عـــــــــن تسليمها” ، كمــــــا نقلــــــــــــــت ” INTERFAX”  ، وافترض يومها ، أن كل العملية جرت بين إسرائيل والفصائل الإرهابية المسلحة . لكن الرئيس الروسي بوتين ، وفي حديثه في موسكو مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن تسليم رفات زاخاريا بومل ، قال ، بأن العملية لم تكن سهلة ، وأن “جنودنا مع الشركاء السوريين حددوا موقع دفنه” ، وأن الروس سعداء جداً ، لأن إسرائيل ستتمكن من تأدية التحية العسكرية له ، وسيتمكن ذووه من وضع الزهور على ضريحه.

نفي وزير الإعلام السوري علم سوريا آنذاك بعملية تسليم رفات زاخاريا بومل إلى إسرائيل ، على الرغم من تأكيد الرئيس الروسي بأن عملية البحث قام بها العسكريون الروس والسوريون ، يشبه تماماً الإمتعاض السوري الحالي من الكشف عن تلقي سوريا كمية من اللقاح الروسي ، مقابل الإفراج عن الفتاة الإسرائيلية .  وقالت قناة التلفزة الإسرئيلية التاسعة ، أن السوريين إعتبروها مهينة الأنباء عن بند سرّي في صفقة تبادل الأسرى مع إسرائيل , ونقلت عن وكالة سانا السورية نفيها وجود بند سري في صفقة تبادل الأسرى مع إسرائيل . ووصفت سانا الأنباء عن وجود البند السري ، بأنها بروباغندا صهيونية ترمي إلى “تشويه سمعة جهود القيادة السورية ، من أجل تحرير المواطنين السوريين محمد حسين وطارق العبيدان مع الناشطة نهال المقت ، من سجون الإحتلال الإسرائيلي، حسب القناة الإسرائيلية.

وتقول القناة 9 ، بأن نفي الوكالة السورية الرسمية ، لا يعني مطلقاً ، عدم وجود “بند سري” ، إذ من المحتمل جداً ، أن “الإتفاقية السرية” تم التوصل إليها خلال المفاوضات المباشرة بين روسيا وإسرائيل ، حول شروط وساطة الكرملين في مسألة عودة المواطنة الإسرائيلية . ويفترض “البند السري” ، حسب القناة ، تمويل إسرائيل شراء “عدة ملايين” من جرعات اللقاح الروسي بقيمة 1,2 مليون دولار لصالح السوريين.

صحيفة “NG” الروسية ، وفي نص لهيئة التحرير بعنوان “روسيا أصبحت وسيطاً في صفقة سوريا وإسرائيل لتبادل السجناء” ، قالت ، بأن الطريق لا يزال طويلاً لإذابة الجليد بين الجيران . ورأت ، أن تبادل الأسرى بين البلدين تعقدت بسبب السجناء أنفسهم ،  إذ رفض السوريون المعتقلون في إسرائيل إعادتهم إلى دمشق .  وظهرت الأنباء عن التعقيدات في عملية التبادل مباشرة تقريباً ، بعد المفاوضات المفاجئة في موسكو ، التي أجراها رئيس مجلس الأمن الإسرائيلي مائير بن شابات و منسق الحكومة الإسرائيلية لتحرير الرهائن يارون بلوم.

ولاحظت الصحيفة ، أن وتيرة الإتصالات تصاعدت إلى مستوى غير إعتيادي بين المسؤولين الروس والإسرائيليين على خلفية إتفاقية تبادل الأسرى ، بدءاَ من بوتين ونتنياهو ، مروراً بالخارجية والدفاع ، وانتهاءاً باللقاء بين السفير الإسرائيلي في موسكو وميخائيل بوغدانوف . وترافقت هذه الإتصالات المكثفة مع موجة الإشاعات ، التي تدور في الأشهر الأخيرة ، عن إحتمال تطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل بوساطة روسية ، كما حصل مع عدد من البلدان العربية ، بما فيها تلك ، التي على علاقة ليست سيئة مع دمشق . لكن التفاصيل ، التي ظهرت لاحقاً بشأن عملية التبادل ، تشير إلى أن هذا النشاط الدبلوماسي المحموم ، تقف خلفه مسائل إنسانية فقط ، ومستقبل الصلح بين الجارين ، لا يزال بعيداً ، كما في السابق.

لم يكن النظام السوري وحده من إمتعض مما اعتبر “بنداً سرياً” في إتفاقية التبادل ، واعتبر الحديث عنه أمراً مهيناً له ، إذ لم يكن نتنياهو أقل توجساً أيضاً من إفتضاح أمر هذا البند . فقد عمد نتنياهو إلى إبقاء نبأ عبور الإسرائيلية الحدود مع سوريا في 2 من الشهر الحالي طي الكتمان ، ولم يتداوله سوى مع وزير الخارجية غابي أشكينازي ووزير الدفاع بني غانتس ، واستبعد المسؤولين الآخرين ، مما أخر مبادلة الإسرائيلية مع السوريين ، برأي موقع “Detaly” الإسرائيلي الناطق بالروسية ، والذي نسب هذا الكلام إلى صحيفة هآرتس وموقع “Walla” . ويقول الموقع ، أن ثمن الوساطة الروسية في الصفقة ، قد يكون تعزيز موقعها في المفاوضات مع إسرائيل بشأن الهجمات الجوية على سوريا ، والتي تعتبر روسيا بأنها تعرقل مد سيطرة الأسد إلى شمال شرق سوريا.

من ناحية أخرى ، شن موقع “Vesty” الإسرائيلي الناطق بالروسية هجوماً لاذعاً على نتنياهو على خلفية تخصيص كل هذه الجهود والأموال ، على قلتها ، لإنقاذ فتاة “عاشقة” هائمة ، تفر مرة لعند السوريين ، وأخرى لعند الفلسطينين في غزة ، وتعتبرهم إخوتها ، وليسوا ابناء عمومتها.

صفقة تبادل الأسرى بين سوريا وإسرائيل والبحث عن رفات الجنود الإسرائيليين ، رأى فيها بوتين فرصة لتعزيز نفوذه الإسرائيلي وموقعه الشرق أوسطي ، وأراد نتنياهو إحتكار “أمجادها” لنفسه على أبواب تقرير مصيره السياسي والجنائي . أما في سوريا ، فقد حصد النظام منها “مجد” توفير كمية من اللقاح على حساب الدولة العبرية ، وتحولت مدافن السوريين إلى مناطق عسكرية ، تُنبش فيها قبور موتاهم ، ويحظر على ذويهم وضع الزهور عليها ، كما أمل بوتين أن يفعل ذوو الجندي الإسرائيلي ، الذي أعاد رفاته.

المصدر المدن


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا